القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

الغرب الإسلامي : مقدمات و تاريخ التأسيس و خلفياته التاريخية - الجزء الأول -




الغرب الإسلامي : مقدمات و تاريخ التأسيس و خلفياته التاريخية

- الجزء الأول -

 

مقدمات

-1 التركيب النوعي للمصادر

منذ القرن الثاني للهجرة / الثامن للميلاد، أصبحت المصادر العربية هي مرجعية التاريخ المغربي عموما سواءكانت مشرقية أو مغربية، واستمرت السيطرة المرجعية التي تعبر عن التوجه الحضاري الإسلامي إلى حدود القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي، وهو ما يعني أن المصادر العربية المكتوبة تشكل أهم المضامين التي يمكن الاعتماد عليها في كتابة تاريخ المنطقة.

ويمكن تقسيم المصادر التاريخية إلى نوعين:

-         أولا: مصادر تاريخية خبرية.

-         ثانيا: مصادر تاريخية وثائقية.

ومعظم المصادر المغربية من النوع الأدبي-الخبري، وتندرج فيها المؤلفات المهتمة بالتاريخ العام، وكتب الحوليات، والمؤلفات الجغرافية، وكتب الرحلات، ومؤلفات الفقه والنوازل، وكتب السير والتراجم، وكتب الأدب الص رف من شعر ونثر فني، وكتب الفلاحة والرحلات.


أما المصادر التاريخية الوثائقية فهي تعالج موضوعا له ضبط زمني دقيق، ومن هذا النوع على وجه التحديد: المراسلات الخاصة والعامة والمكاتبات التجارية، وأهم أنواع هذه المصادر تلك الرسائل الديوانية التي يتبادلها الحكام مع ولاة الأقاليم ومع معاصريهم من الحكام من المسلمين والمسيحيين. ولا نغفل أنواع أخرى من كتب الوثائق المتعلقة بالجباية والخراج، والقرارات العرفية الخاصة بنظام الحياة القبلية، وكذلك الوثائق الفقهية المنظمة للبيوع والمعاملات والأحكام القضائية في كل أنواع الحياة العامة والخاصة.

-2 الجغرافيا التاريخية للغرب الإسلامي

استعملت المصادر الجغرافية العربية مصطلحات متقاربة للدلالة على "المغرب الإسلامي" الذي استمد مفهومه العام من موقعه بالنسبة لمكة ودمشق وبغداد. وبعد ذلك اتخذت كلمة المغرب مفهوما جغرافيا ودلالة سياسية. فالجغرافي الإصطخري يقسم المغرب إلى قسمين: شرقي وغربي: "وأما المغرب فهو نصفان يمتدان على بحر الروم، نصف من شرقيه ونصف من غربيه، فأما الشرقي، فهو برقة وإفريقية وتاهرت وطنجة والسوس وزويلة وما في أضعاف هذا الإقليم، وأما الغربي، فهو الأندلس".


وانطلاقا من القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، بدأت معالم بالد المغرب تتحدد في المصادر الجغرافية وكتب الحوليات الإسلامية، ويرجع ذلك إلى تطور المعرفة ببالد المغرب وأقاليمه المختلفة، كما يرجع إلى اكتمال علم الجغرافيا عند العرب، ويمكن إرجاع هذا التحديد إلى تطور الشخصية التاريخية الذاتية للمنطقة، انطلاقا من البيئة الطبيعية ومعطياتها التضاريسية والمناخية والنباتية، وإلى الظواهر البشرية والعمرانية. وتبعا لذلك ظهرت تقسيمات مكانية صغيرة ذات أصول تعود إلى مرحلة ما قبل الإسلام لكنها حملت تسميات إسلامية: المغرب الأدنى، المغرب الأوسط، المغرب الأقصى، الأندلس.

وقد ظهر في المصطلحات الغربية الحديثة مصطلح، اعتمده الباحثون وهو "الغرب الإسلامي "L’occident Musulman، ويع نون به الجناح الغربي من العالم الإسلامي، ويقول عنه ليفي بروفنسال Levi Provençal بأنه: "ينصرف إلى مجموعة جغرافية بالغة التناسق فيما بينها، وتقع على جانبي غربي البحر المتوسط، وتمتد حتى سواحل الأطلنطي وتشمل شمال إفريقيا وشبه جزيرة إيبيريا... ويتضح ... أنه مصطلح حضاري يوازي مصطلح "المغرب" في استخدام الجغرافيين العرب القدامى".

وقد أنتج مسار التطور التاريخي للغرب الإسلامي تقسيمات للشعوب التي استوطنت المنطقة، وأفرزت البنية الاجتماعية الداخلية تقسيما ثنائيا للسكان، فمنهم المستقرون في الممرات والتحصينات التي يمكن اعتبارها نواة لقيام المدن المغربية في العصر الإسلامي، وهؤلاء هم "البَرَانس". ثم مجموعات الرحل وهم "البُتْر". وارتبط هذا التقسيم بالمؤثرات البيئية الطبيعية والنشاط اليومي للسكان والمؤثرات الناتجة عن التدخلات الخارجية في بالد المغرب.

عاشت جماعة البرانس في معظمها عيشة استقرار أو شبه استقرار في السهول والجبال الخصبة، وقد مارسوا الترحال المحدود في هذه الجهات بينما مجموعة البتر مارست حياة التنقل والترحال والرعي في الهضاب والمناطق الصحراوية. فهذا التصنيف للمجموعات البربرية الكبرى، في الغالب، مبني أساسا على نمط الحياة وأسلوب العيش، وليس على أساس الانتماء إلى جد مشترك كما تذهب إلى بعض المصادر العربية المختلفة وفق التقسيم الآتي:

 


وقد أحدث الفتح الإسلامي لبلاد المغرب ودخول عناصر عربية إلى المنطقة تفاعلا بين البربر والعرب ومحاولات للربط السلالي بين العنصرين بوضع شجرة الأنساب البربرية على هذا الأساس، فتعريب الأنساب البربرية يمنح شرعية الفتح والاستقرار ويعطي للبربر شرعية المشاركة السياسية والارتقاء في السلم الاجتماعي. لذلك اعتبرت المصادر العربية البربر قادمين إلى المغرب من الشرق سواء من بلاد كنعان أوحمير.


-3 الخريطة الاجتماعية ودينامية التغير

على أساس مبحث "الجغرافيا التاريخية" لاحظنا أن البناء الاجتماعي الداخلي انبنى على البيئة المحلية، وهكذا تكونت التنظيمات الاجتماعية مرتبطة بأعرافها المحلية، ورغم ذلك فإننا لا نستطيع أن نحكم على بلاد لمغرب بأنه مجتمع مغلق بحيث خضع لتحولات عبر مراحل طويلة منذ الاحتكاك مع الرومان إلى أن جاء الفتح الإسلامي. فالفتح فتحان:

-         فتح عسكري: ينتهي بتحقيق الغلبة وإخضاع الجهات المفتوحة.

-         فتح اجتماعي: وهو عملية بطيئة تتطلب الاكتشاف المتبادل و"التقبل التنظيمي" بإحداث التمازج بين الموروث المحلي والتنظيمات الواردة من المشرق.

انطلق الفاتحون العرب المسلمون من الجزيرة العربية التي تعرضت لتأثيرات خارجية متعددة مما نتج عنه تسرب الثقافات اليونانية-الرومانية والفارسية والمسيحية واليهودية بالإضافة إلى المعتقدات الوثنية المحلية، كما شهدت المنطقة نشأة عدة ممالك كمملكة سبأ وحمير ومعين باليمن ومملكة المناذرة بالحيرة التابعة للفرس ومملكة الغساسنة التابعة للروم البيزنطيين بحيث وجد الإسلام أمامه هذا الركام المعرفي الثقافي الاجتماعي الديني. أما المنطقة المغربية فقد عرفت واقعا محليا بمعطيات "مورية أو بربرية" ومؤثرات فينيقية وقرطاجية ورومانية ووندالية وبيزنطية.


وعلى مستوى الإمكانيات المجالية في بالد الحجاز مهد الإسلام، نجد أن المنطقة التي ظهر فيها الإسلام غير صالحة لإنجاز توسع زراعي. وقد عرفت الجزيرة العربية في صدر الإسلام توحيد النظام الاجتماعي بدال عن التشكيلات السابقة التي تميزت بالتعدد ومثلتها وحدات المدن والقرى والقبائل الرعوية المستقلة سياسيا.

وقد تشكل النسيج الاجتماعي في بالد المغرب من البربر، بتقسيماتهم الكبرى كما رأينا سابقا بالإضافة إلى مجموعات بشرية فرضتها التحولات التي لحقت بالمنطقة. ونذكر منهم:

- الأفارقة المُرَوْمَنينْ:  وهم  البربر  الذين  اختلطوا  بالروم  ودخلوا  في  خدمتهم  واعتنقوا المسيحية،

- الروم: هم أبناء الجيش البيزنطي وموظفوه الذين كونوا قوة عسكرية وإدارية وسياسية واقتصادية ببلاد المغرب خصوصا بالمراكز الحضرية،

- الأثيوبيون أو السود: منهم جماعات أصيلة اختلطت بأعداد متزايدة مع أفارقة نهري السنغال والنيجر ومنهم من انتقل إلى بالد المغرب عن طريق تجارة الرقيق في العصور الوسطى، واشتغل هؤلاء في الفلاحة والجندية والحراسة.

- اليهود: استقر هؤلاء قديما في المدن ذات الأهمية التجارية والمناطق الجبلية التي تحقق الأمان وتمتاز بوقوعها على خطوط التجارة على امتداد بالد المغرب، واعتنقت بعض القبائل البربرية اليهودية متأثرة بجوارها لهؤلاء، ومن ثمة كان الوجود اليهودي مشهودا عشية الفتح العربي، واستمر حضورهم في الواقع الإسلامي الجديد، فعمروا القيروان وتاهرت وسجلماسة وغيرها. وشارك اليهود في العمل التجاري خاصة بعد أن تمهدت طرق التجارة مع السودان الغربي، وامتلك آخرون أراضي زراعية، وأتقنت فئات منهم حرفا مثل صياغة الذهب وإخصاء الرقيق.

- العرب: شكل تأسيس مدينة القيروان سنة 50هـ670/م محطة استقرار للجند الفاتح، فهاجرت إليها القبائل العربية بنسائها وأطفالها، وكان لكل منها "عريف" يشرف على شؤون القبيلة إداريا وعسكريا. وفي نهاية القرن الأول تكاثر عدد القبائل العربية المهاجرة وانتقلت الصراعات بين القيسية واليمينة إلى المغرب. وفي القرن الثاني للهجرة أطلق الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك قولته الشهيرة بعد هزيمة الجيوش العربية في معركة الأشراف أواخر سنة 122هـ740/م أو محرم 123هـ741/م ضد الخوارج الصفرية، فقال مخاطبا كبار رجال دولته: "والله لأغضبن لهم غضبة عربية، ولأبعثن إليهم جيشا أوله عندهم وآخره عندي". ثم قال: "والله لا تركت حصنا بربريا إلا جعلت إلى جانبه خيمة قيسي أو يمني". وهذا ما يكشف أن خطة الخالفة الإسلامية في العهد الأموي ثم العباسي انبنت على تشجيع الهجرة العربية لضبط الأمن عن طريق "نظام الارتباع" الذي سنه عمرو بن العاص في مصر أي توزيع القبائل على الرياف في موسم الربيع، وعن طريق الإقطاع كما حدث مع بني صالح في النكور، وعن طريق الرباطات في الثغور والاندماج في المدن.