الغرب الإسلامي : الصراع الفاطمي – الأموي
-1 الفاطميون في إفريقية
كانت إفريقية نظريا تابعة للخالفة العباسية،
وتعرضت لهزات عنيفة بسبب التطور الطارئ على الحركات الشيعية، وبعد أن أعلن القرامطة
الثورة المسلحة على دولة الخالفة في مناطق متعددة من الشرق خضعت إفريقية للظروف
ذاتها ونشطت شبكة الدعاة الإسماعيليين الشيعة للفاطميين ببلاد
المغرب ووجدت آذانا صاغية لدى القبائل البربرية.
استقر أبو عبد الله الداعي للشيعة الفاطميين في
منطقة إيكجان غرب مدينة سطيف سنة 280هـ 893 /م رفقة مجموعة من قبائل كتامة المؤيدة لدعوته، وجعل منها أرض هجرة لكل من
تشيع في إفريقية وبالد المغرب عموما. وفي سنة 290هـ 902 /م بدأ الداعي التحرك
لمهاجمة بني الأغلب في إفريقية لكنه وجد صعوبات ألزمته بالعودة إلى إيكجان. وبدء
من سنة 291هـ 903 /م أخذ في الاستيلاء على سطيف ثم طبنة وحصن بلزمة وباغاي وقسطيلية وبلاد
الجريد وتوج انتصاراته بدخول رقادة سنة 296هـ 909 /م عنئذ انهار النظام الأغلبي
وقرر زيادة الله الفرار من التخلي عن السلطة والفرار.
دخل الداعي رقادة وأصبح يتصرف تصرف الوصي في انتظار وصول "صاحب
الحق" عبيد الله المهدي. وكان المهدي قد نزل بسجلماسة على أميرها اليسع بن مدرار
وعاش طليقا مكرما لكن سرعان ما وصلت أخبار أطماعه السياسية إلى اليسع
خصوصا بعد سقوط رقادة واستسلام تاهرت، فبادر بسجنه لكن الداعي استطاع
الوصول إلى سجلماسة ومحاصرتها واستنقاذ المهدي، وفر اليسع سجلماسة سرا مستجيرا
بصنهاجة الصحراء قبل أن يتعرض للقتل.
غادر المهدي سجلماسة إلى رقادة سنة 297هـ 909 /م بعد أن بويع بالخالفة فيها، وبعد أن عين عليها واليا. والواقع أن حكم الأسرة
المدرارية لم يختف تماما بعد مقتل اليسع بن مدرار سنة 297هـ 909 /م، وإنما ظل قائما
بسجلماسة متأرجحا بين الولاء والعداء للفاطميين، إلى أن تمكن جوهر الصقلي من الانتصار
على الشاكر لله المدراري سنة 347هـ 960 /م، واستمرت المدينة بين الفاطميين والصفرية إلى سنة 396هـ 979 /م حين تمكن خزرون بن فلفول
المغراوي دخول سجلماسة وإعلانه الولاء لأمويي الأندلس.
بويع عبيد الله المهدي بيعة عامة في القيروان وتحول أبو عبد الله الداعي إلى وزير
وخادم له غير أن المهدي اتخذ إجراءات معاكسة لمناصريه، فقد استولى على
الأموال التي جمعها أشياعه، ثم بادر لقتل أبي عبد الله الداعي وأخيه أبي العباس
المخطوم مستعينا برجل من كتامة يدعى غزوية بن يوسف.
ثم إن المهدي لم يلبث أن دبر مقتل غزوية وتطلع للاستعانة
بغير كتامة، فرآى أن يشيد لنفسه وأسرته قلعة يعتصم بها هو وآله وجنده وأمواله،
فكان بناء المهدية سنة 305هـ / 917م. ثم اتجه إلى إغراء صنهاجة المغرب الأوسط بالمال والسلطة، وداخل زعيم
مكناسة
مصالة بن حبوس وبعثه بجيش كبير لغزو المغربين الأوسط
والأقصى. فأما المغرب الأوسط فقد ملك الرعب جماعات من زناتة مما دفع زعيمهم علي بن
حمدون الزناتي للاستجارة بأمويي الأندلس كما اندفع بنو خزرون المغراويون نحو الأمويين
أيضا. ووصلت جيوش علي بن حمدون المغرب الأقصى ودخلت فاس أيام يحيى بن عمر بن إدريس
الثاني. وقد ولى مصالة على منطقة فاس رجال من مقربيه هو موسى بن أبي العافية، فقام
بتتبع الأدارسة بالقتل والترهيب، ونفى من بقي منهم إلى حجر النسر قرب مدينة البصرة
في قدم جبال الريف.
حكم عبيد الله
المهدي خمسا وعشرين سنة هجرية( 322-297هـ 934-909 /م) ثبت أثناءها قواعد دولته في إفريقية والمغرب الأوسط
بالقوة العسكرية وجمع مالا وفيرا. وقد تحفز المهدي لغزو مصر، فأرسل حملة بقيادة
ابنه القائم، استولت على الإسكندرية وخربت بعض نواحيها، وناوشت الصعيد الأدنى
لكنها لم تعد بنتيجة.
وقد خلف المهدي بعد موته ثالثة خلفاء فاطميين ببلاد المغرب قبل انتقال
الدولة إلى مصر وهم:
-القائم أبو القاسم محمد( 14 ربيع الأول
322هـ - 13 شوال 332هـ 946-934 /م) وكان لفتاه ميسور وقائع طويلة مع جند الأمويين والأدارسة
في المغرب الأقصى.
-المنصور
أبو الطاهر إسماعيل( 13 شوال 29 – 334 شوال 341هـ 953-946 /م) الذي اندلعت في أيامه ثورة أهل إفريقية والمغرب
الأوسط بقيادة رجل من نكارية الإباضية يدعى أبو يزيد مخلد بن كيداد ويلقب بصاحب
الحمار.
-المعز أبو تميم معد وقد حكم في المغرب من مستهل ذي القعدة 341هـ953/م حتى انتقل إلى مصر سنة 362هـ972/م وتوفي فيها شهر ربيع الثاني سنة 365هـ975/م بعد أن خلف على بالد
المغرب أبا الفتوح زيري بن مناد الصنهاجي.
كان الفاطميون بسبب ارتباطهم بالدعوة الإسماعيلية ينظرون إلى المشرق وإلى المغرب.
وأكد خلفاؤهم منذ البداية حقهم "الشرعي" في الاستئثار بالخالفة دون غيرهم وفي
بسط سلطتهم على بلاد المغرب باعتباره مرحلة أولى، فوضعوا حدا للإمارات المستقلة
وفتحوا عهدا للتوسع.
-2 الأمويون في الأندلس: الانتقال من الإمارة إلى ادعاء الخلافة
تولى عبد الرحمن بن الحكم خلفا لجده عبد الله، واستمر مدة خمسين عاما ( - 300 350هـ961 - 912/م) استطاع في الثلث الأول منها الإجهاز على أمراء الإقطاع
وتحطيم الكيانات المستقلة بالقضاء على ثورة ابن حفصون بعد وفاته سنة 305هـ917/م و إسقاط حصن َبُبشْتر معقل الحركة الرئيسي سنة 315هـ928/م، وأخضع عددا من الثوار
في الشرق والغرب الأندلسي. وفي الشمال واجه عبد الرحمن القوى الإسبانية التي
تعزَّزت ونمت مستفيدة من ضعف الدولة الأموية في مدة الحرب الأهلية.
لقد شكل انتصار عبد الرحمن بن الحكم على ابن حفصون بداية جديدة تمثلت في اتخاذ الناصر لقبا له في ذي الحجة سنة 316 هـ 928 /م، وإعلانه إقامة الخالفة الأموية بالأندلس، تثبيتا لشرعيته في مواجهة أعدائه واستعدادا لمواجهة الفاطميين مُدَعي الخالفة في بلاد المغرب بعد تراجع الخالفة العباسية في المشرق، وبدءا من هذا التاريخ يمكن الحديث عن تمكن الناصر من تهدئة األندلس.
تولى الحكم المستنصر باهلل 366 - 350(هـ976 - 961/م الخالفة بعد وفاة أبيه وتميز عصره بنشاط علمي وانفتاح فكري، أما الواقع
السياسي فلم يعرف تحوال كبيرا عما كان في عهد والده، مواجهة اإلسبان شماال
والفاطميين جنوبا.
وأفلح
التحالف المكون من زوجة الحكَم صُبح وحاجبه جعفر المصحفي وقائد َحشَمه محمد بن أبي عامر المقرَّب من نساء
القصر، في تحقيق رغبته ومبايعة ابنه هشام 399-366(هـ1008-976/م( خليفة وهو في الثانية عشرة ولقّب بالمؤيد باهلل، وذلك بعد قيام ابن أبي
عامر بقتل المغيرة أخي الحََكم مرشح العبيد الصقالبة، وبعد ما يزيد قليال على عام
تمكن ابن أبي عامر تصدر المشهد بسجن المصحفي وتقلّد منصب الحجابة مكانه
في 13 شعبان سنة 367هـ29 / مارس 977م واتخذ لقبا خاصا بالخلفاء وهو المنصور. وخلف المنصور في الحجابة بعهد منه
ابنه عبد الملك 399 - 390(هـ1008 - 999/م( فجرى على َّسُنة أبيه في االستبداد بأمور
الدولة وإن تجاوزه في نيل لقبين خالفيين، المظفَّر وسيف الدولة، ومنح بدوره ابنه
لقب ذي الوزارتين وكنّاه بأبي عامر. وانتقلت الحجابة بعده إلى أخيه عبد الرحمن بن
المنصورمن زوجة المنصور ابنة ملك بنبلونة شانجُه، لذلك لقبه الناس شنجول أي شانجُه
الصغير. وقد حاول أن يحصل من الخليفة رسميا على ما لم يحصل عليه أبوه وأخوه، فنال
أوال لقبين خالفيين هما المأمون وناصر الدولة، ثم أكره الخليفة على تعيينه وليا
لعهده، فكانت الشرارة التي أشعلت الثورة عليه وقادها حفيد ألحد أبناء الخليفة
الناصر يدعى محمد بن هشام بن عبد الجبَّار الذيُِّلقب بعد بيعته
بالمهدي سنة399هـ 1009 /م.
بايعه البربر والصقالبة محمدا بن هشام بن عبد
الجبار المهدي، وبذلك أصبح بيدهم تعيين وعزل الخلفاء . وتقاتل أبناء األسرة
األموية على منصب الخالفة مع ما آل إليه أمرهم من ضعف. وأخيرا قام أبو الحزم
َجْهَور بخلع هشام بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر الملقب بالمعتد
باهلل يوم 12 ذي الحجة 422هـ29/ نونبر 1031م، وألغيت الخالفة ونودي في األسواق بأن "ال يبقى أحد من األمويين بقرطبة وأال يكنفهم أحد".