حركة التأليف المعجمي في مفردات القرآن الكريم و غريبها
مقدمة:
أقبل المسلمون على القرآن الكريم بشغف منذ صدر الإسلام، يتدبرون آياته، ويتفهمون معانيه التي تحتويها ألفاظه، فحفظوه عن ظهر قلب، وجمعوه في مصحف، وكتبوا في تفسيره وإعجازه وبلاغته وآداب حمله الكثير. وعكف العلماء على تبيان معاني غريب مفرداته، ووضعوا فهارس ومعاجم لألفاظه، ولا تزال مسيرة التأليف والإعداد في هذا المجال مستمرة حتى أيامنا هذه، لأن كلمات الله تعالى لا تنفد معانيها، ولأن عطاءات القرآن متعددة ومتجددة، وسيظل الإنسان يجد في آياته معيناً لا ينضُب لبحثه وفكره وعقله وحياته.
وسنقف في دراستنا هذه عند الكلمة القرآنية التي شغلت العلماء، فصنّفوا الكتب في مفردات غريب القرآن، ووضعوا لألفاظه الفهارس والمعاجم، وسنتحدث عن أهميتها ومنهج إعدادها والأهداف التي وضعت من أجلها، وعن وجهة أولئك العلماء في أعمالهم، ونقارن بين مفردات الغريب ومعاجم الألفاظ، ونتحدث أيضاً عن دور الحاسوب في تقديم فهارس ومعاجم الألفاظ القرآنية وعلاقة الحاسوب بالمكتوب على الورق.
اهتمام المسلمين بالألفاظ القرآنية:
للألفاظ أهمية في حياة الإنسان لأنها تعبر عما في فؤاده، وتترجم المعاني والمشاعر التي بداخله، وهي إلى جانب ذلك وسيلة لمخاطبة الآخرين، وكلما أتقن الخطيب أو المتحدث ألفاظه واختارها بدقة كان تأثيره في المتلقين أبلغ.
إن الألفاظ هي أوعية المعاني والخازن لها، والمقدَّمة على المعاني، فقد ذكر الإمام مجد الدين ابن الأثير عند حديثه عما يلزم لمعرفة علم الحديث فقال: "أحدهما معرفة الألفاظ، والثاني معرفة معانيه، ولا شك أن معرفة ألفاظه مقدَمةٌ في الرتبة، لأنها الأصل في الخطاب، وبها يحصل التفاهم، فإذا عُرِفتْ، تَرَتَّبَتِ المعاني عليها، فكان الاهتمام ببيانها أولى"([1]).
ولأهمية الألفاظ العربية اشترط الأئمة في الفقيه معرفتها والإلمام بها، نقل عنهم قولهم: "إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لاغنى لأحد منهم عنه، وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) عربي، فمن أراد معرفة ما في كتاب الله عز وجل وما في سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) من كل كلمة عربية أو نظم عجيب، لم يجد من العلم باللغة بدّاً"([2]).
وجعل العلماء تعلم اللغة فرض كفاية. قال ابن حزم: وأما النحو ففرض على الكفاية... لأن الله يقول )وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضلّ الله من يشاء، ويَهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم( إبراهيم الآية/4/ ولأهمية الألفاظ أمر الله المؤمنين باختيارها والعدول عن المحرف منها إلى ما هو أفضل، قال تعالى )يا أيُّها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا وقولوا انظُرنا وللكافرين عذابٌ مهين( البقرة الآية 104.
إن لفظة (راعِنا) من المراعاة وهي الإنظار والإمهال وأصلها من الرعاية وهي النظر في مصالح الإنسان، وقد حرفها اليهود فجعلوها كلمة مسبة مشتقة من الرعونة وهي الحمق، ولذلك نهى سبحانه وتعالى عنها المؤمنين، وأمرهم بإبدالها بلفظة (انظرنا) من النظر والانتظار([3]).
وكره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعض الألفاظ، فأمر المسلمين باستبدالها، وقال: [لا يقولنّ أحدكم "خَبُثَتْ نفسي" ولكن ليقل: "لَقِسَتْ نفسي"] متفق عليه.
قال العلماء: معنى خبثت: غثّت وهو معنى "لَقِستْ" ولكن كره لفظ الخبث للنفس([4]).
وحثنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على الدقة في الألفاظ فقال: [لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان] رواه أبو داود بإسناد صحيح.
ونظراً إلى ما للقرآن من أهمية عند المسلمين، راحوا يعتنون بألفاظه وآياته ويتدبرونها لأنها تحمل معانيه، قال تعالى )كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدّبّروا آياتِه وليتذكّرَ أُلوا الألباب( سورة ص الآية 29.
وكانوا يسألون الرسول الكريم إذا ما أشكل عليهم لفظ أو غمض عليهم معنى.
فقد ذكر القرطبي في تفسيره (الجامع 7/ 30) نقلاً عن الصحيحين عن ابن مسعود، لما نزل قول الله تعالى )الذين آمنوا ولم يَلْبِسوا إيمانَهم بظُلْم( الأنعام الآية /82/ شق ذلك على أصحاب رسول الله، وقالوا أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ليس هو كما تظنون، إنما هو كما قال لقمان لابنه: )يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم( لقمان الآية 13 وبعد أن انتقل الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى، كان المسلمون يتجهون إلى كبار الصحابة والتابعين يستفسرون عن ألفاظ القرآن.
وكان بعضهم يمتنع عن القول برأيه في معاني المفردات القرآنية، فقد سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن معنى (أبَّا) في قوله تعالى )وفاكهةً وأبَّا( فقال: "أيُّ سماء تُظِلّني؟ وأيُّ أرضٍ تُقِلُّني؟ إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم"([5]) وتعمق الصحابة في فهم القرآن، وكان ينظر إلى عبد الله بن عباس على أنه الرائد في تفسير القرآن والبحث عن معانيه والكشف عن غريبه والاستشهاد عليه بالأشعار، مما جعل الناس تقبل عليه تسأله وتستمع إليه وهو يرد على أسئلتهم بسعة علم ورحابة صدر وكأنه يغرف من بحر، وهذا ما جعلهم يلقبونه (حَبْر الأمة وترجمان القرآن). وقد حاول نافع بن الأزرق، أن يسأل ابن عباس، فذهب مع صاحبه نجدة بن عويمر إليه فقال: "إنا نريد أن نسألك عن أشياء من كتاب الله فتفسرها لنا وتأتينا بمصداقها من كلام العرب، فإن الله إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين. فقال ابن عباس: سلاني عما بدا لكما...".
وكان من جملة ما سأله عنه نافع أن قال: "أخبرني عن قوله تعالى )جَدُّ رَبِّنا( قال: عَظَمةُ ربنا، قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت:
لك الحمدُ والنعماءُ والمُلْكُ ربَّنا * فلا شيءَ أعلى منك جدّاً وأمجدُ([6])
وهكذا راح نافع بن الأزرق يسأل وابن عباس يجيب مفسراً ومستشهداً على ما يقوله بأشعار العرب، حتى بلغت المسائل أكثر من ثمانين مسألة، سميت فيما بعد (مسائل نافع بن الأزرق).
أولاً ـ مفردات غريب القرآن:
الغريب من الكلام إنما هو الغامض والبعيد عن الفهم، أما غريب القرآن فقد قال عنه أبو حيان الأندلسي المتوفى سنة (745)هـ في مقدمة كتابه "تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب":
"لغات القرآن العزيز على قسمين: قسم يكاد يشترك في فهم معناه عامة المستعربة وخاصتهم، كمدلول السماء والأرض وفوق وتحت، وقسم يختص بمعرفته من له اطلاع وتبحر في اللغة العربية، وهو الذي صنف أكثر الناس فيه وسموه غريب القرآن".
ويلاحظ على هذه المصنفات، أنها لم تكتف بالألفاظ الغريبة، بل تعدتها إلى بعض الألفاظ المعروفة لدى عامة الناس مثل كلمة "الغَنَم" التي أثبتها الراغب الأصفهاني المتوفى سنة /502/ هـ في كتابه "المفردات في غريب القرآن". فقال: الغنم معروف، قال تعالى )ومن البقَر والغَنَمِ حَرمنا عليهم شُحومهما( الأنعام الآية 146([7]).
ومثل كلمة "الشجر" التي وردت في غريب القرآن لأبي حيان الأندلسي قال: الشجر في الآية (ومن الشَّجَر ومما يَعْرِشون) النحل الآية /68/ ما قام على ساق.
ووردت كلمات أخرى معروفة مثل قمر، زوج، صيد،.... لهذا يمكن تسمية كتب غريب القرآن بأنها تفسير لجملة من مفردات القرآن وكلماته لأنها لم تقتصر على الغريب فقط.
تطور التأليف في غريب القرآن:
أول من قال بغريب القرآن هو ابن عباس، وطبع له كتاب في غريب القرآن([8]).
كما أن مسائل نافع بن الأزرق المتوفى سنة /65/ هـ قد أُثبتت في الإتقان للسيوطي وهي مطبوعة في "شواهد القرآن" لأبي تراب الظاهري وفي "إعجاز القرآن" لعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ونشرها محمد فؤاد عبد الباقي ضمن "معجم غريب القرآن مستخرجاً من صحيح البخاري" كما ذكرت هذه المسائل في كتب تراثية أخرى، والمؤلَّفُ الثاني في غريب القرآن هو لأبي سعيد أبان بن تغلب بن رباح البكري المتوفى /141/ هـ ودوَّن شواهده من الشعر.
وهذا ما يجعلنا نقول: إن بداية تدوين غريب القرآن في النصف الأول من القرن الثاني للهجرة، واستمرّ إلى العصر الحاضر، وسنكتفي بذكر نماذج للتطور في تأليف كتب الغريب.
لقد وضع العلماء مؤلفات في غريب القرآن في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ولكن معظم هذه الكتب فُقد، ومن الكتب التي وصلت إلينا (غريب القرآن) لأبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة (276)([9]).
وفي القرن الرابع تابع العلماء التأليف في غريب القرآن فأعد أبو بكر محمد بن عزيز بن أحمد السجستاني المتوفى سنة /330/ هـ كتاب (نزهة القلوب في تفسير علام الغيوب)([10]).
وفي القرن الخامس وضع الراغب الأصفهاني المتوفى /502/ هـ كتابه المسمى "المفردات في غريب القرآن"([11]) وقد أتقن مؤلفه ترتيبه على حروف المعجم مراعياً أوائل الكلمات.
وألف في الغريب من أهل القرن السادس الهجري أبو الفرج بن الجوزي /510ـ 597/ هـ وسمّى كتابه /تذكرة الأريب/([12]).
ومن الكتب المشهورة في القرن الثامن الهجري "تحفة الأريب، بما في القرآن من الغريب" تأليف الشيخ أثير الدين أبي حيان الأندلسي المتوفى /745/ هـ([13]) وكتاب (عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ) للسّمين الحلبي المتوفى (756) هـ جمع فيه ألفاظ القرآن وفسرها([14]).
واستمر التأليف في الغريب بعد ذلك، ففي القرن الثالث الهجري وضع مصطفى بن حنفي بن حسن الذهبي المتوفى (1280) هـ كتاب "تفسير غريب القرآن".
وفي العصر الحديث وضع الشيخ نديم الجسر مفتي طرابلس ـ لبنان ـ وصاحب كتاب "قصة الإيمان" كتاباً اسمه (غريب القرآن ومتشابهه) وقد طبع مراراً.
طريقة إعداد كتب الغريب:
ü المرحلة الأولى في تأليف غريب القرآن:
إن التأليف في غريب القرآن كان في مراحله الأولى، يعتمد في تفسير كلماته على الشعر وخاصة الجاهلي منه، كما رأينا في مسائل نافع بن الأزرق، وقد فعل ذلك ابن قتيبة في "غريب القرآن" إذ إنه استشهد بالأشعار والأحاديث وأقوال العرب، ولقد وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه المسلمين إلى ذلك فقال: "يا أيها الناس عليكم بديوانكم شعر الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم"([15]).
ولجأ بعضهم إلى كتب التفسير وكتب اللغة في تفسير مفرداتهم، وهذا ما فعله الراغب الأصفهاني في "المفردات في غريب القرآن".
إن كتب الغريب ألّفت نثراً، إلا أن بعض العلماء نظمها شعراً كما فعل زين الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن الحسين بن عبد الرحمن الكردي المعروف بالحافظ العراقي المتوفى سنة /806/ هـ وسمّى كتابه "ألفية غريب القرآن"([16]).
أما من حيث ترتيب الألفاظ، فإن كتب الغريب، كانت في جملتها تفتقر للدقة والمنهجية المنظمة على اختلاف طرائقه، ففي كتاب (تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب) لأبي حيان الأندلسي المتوفى سنة (745) هـ اعتمد المؤلف على الحرف الأول فقط من المادة وجمعها اعتباطاً في كل حرف، فجاء المحققون ورتبوا المفردات ترتيباً جديداً، ورتب بعض المؤلفين مفرداته بحسب ترتيب السور القرآنية، كما في غريب القرآن لابن قتيبة المتوفى /276/ هـ، إذ جعل كتابه أقساماً وفقاً للسور، وسار فيه على ترتيب تلك السور في المصحف، ورتب الراغب الأصفهاني، كتابه ترتيباً ألفبائياً، فقال في مقدمته موضحاً منهجه "وقد استخرت الله تعالى في إملاء كتاب مستوفياً فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فنقدم ما أوله الألف ثم الباء على ترتيب حروف المعجم..." ولكنه لم يراع الحرف الثاني تماماً.
ونهج أكثر الذين ألفوا في الغريب فيما بعد هذا المنهج، واستفاد العلماء بعضهم من بعض، فهذا صاحب "عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ" الشيخ أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بالسمين المتوفى /756/ هـ قد اتبع في ترتيبه منهج المعاجم معززاً شرح الألفاظ بالشواهد القرآنية وبالحديث والأمثال والشعر، وقد اعتمد أصل الكلمة مجردة من الزوائد، وقام بتحليل اللفظة مجردة من المزيد، وتعرض لأصولها واشتقاقاتها وتطور معناها، واختلاف هذا المعنى من حيث الاستعمال، أي أن المؤلف كان يتابع اللفظ صرفياً وأصولياً فهو يفوق كتاب "المفردات" للأصفهاني، وقد أكمل في كتابه "عمدة الحفاظ" النواقص الواردة في القراءات، وسدد المآخذ التي أخذها على الأصفهاني([17]). وما لبث النظام الهجائي المعجمي أن استقر في القرون الأخيرة.
لقد كان المؤلفون في هذا العلم، يستفيد اللاحق فيهم من السابق، ويتلافى تقصيره، ويختصر أشياء أسهب فيها غيره، كما يسهب في أمورٍ أجملها، ويضيف أشياء جديدة، مما يجعل المؤَلَّفَ الجديد أكثر دقة وجودة وفائدة من سابقه، وهذا يدل على التطور الملحوظ في هذا المجال.
ومما يدل على ذلك ما قاله ابن قتيبة في كتابه "غريب القرآن":
"وغرضنا الذي امتثلناه في كتابنا أن نختصر، ونكمل، وأن نوضح ونجمل وألا نستشهد على اللفظ المبتذل في كتابنا، ولا نكثر الدلالة على الحرف المستعمل، وألا نحشو كتابنا بالنحو والحديث والأسانيد، فإنا لو جعلنا ذلك في نقل الحديث لاحتجنا أن نأتي بتفسير السلف ـ رحمة الله عليهم ـ بعينه، ولو أتينا بتلك الألفاظ كان كتابنا كسائر الكتب التي ألفها نقلة الحديث".
ومن طرق التأليف التي اتبعها المعاصرون جمع العديد من كتب الغريب وترتيب ألفاظها في كتاب واحد، وهذا ما فعله الشيخ عبد العزيز عز الدين السيروان الذي قام بإعداد "المعجم الجامع لغريب مفردات القرآن الكريم" انتقى فيها أهم مصادر غريب القرآن، وجمعها في هذا الكتاب وهي:
1ـ تفسير غريب القرآن لابن قتيبة. 2ـ تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب لأبي حيان الغرناطي. 3ـ معجم غريب القرآن لابن عباس. 4ـ كتاب العمدة في غريب القرآن لمكي بن أبي طالب.
ورتب ذلك كله بحسب المعجم بإعادة كل كلمة إلى جذرها اللغوي([18]).
الهدف من مفردات غريب القرآن:
أما الهدف من وضع غريب القرآن، فهو تقديم معاني المفردات القرآنية الغريبة للعلماء والأدباء وطلاب العلم. قال الراغب الأصفهاني في مقدمة مفرداته: "إن أول ما يُحتاج أن يُشتَغَل به من علوم القرآن، العلومُ اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيقُ الألفاظ المفردة فتحصيلُ معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المُعاون لمن يريد أن يدرك معانيه... وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كل علمٍ من علوم الشرع، فألفاظ القرآن: هي لبّ كلام العرب وزبدتُه وواسطته وكرائمُه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحِكَمِهم، وإليها مَفزعُ الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم..."ولقد ذكر شمس الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي المتوفى نحو سنة /666/ هـ في كتابه "غريب القرآن" أن طلبة العلم وحملة القرآن سألوه أن يجمع لهم تفسير غريب القرآن فأجاب...."([19]).
وكان العلماء يقصدون من تأليفهم وجه الله تعالى، إذ يبدأ كل واحد منهم غالباً بحمد الله والصلاة على رسول الله وصحبه وآله، ويذكر أنه يريد بعمله وجه الله تعالى.
وعلى سبيل المثال، نذكر ما قاله الحافظ العراقي في مقدمة "ألفية غريب القرآن":
الحمد لله أَتمَّ الحمد * على أيادٍ عظمتْ عن عدِّ
وبعدُ فالعبدُ نوى أن يَنْظِما * غريبَ ألفاظ القُران عظما
ثم يقول: وأرتجي النفعَ به في عاجلِ * وآجلٍ واللهُ ذُخر الآملِ
ويقول في نهاية الألفية:
وكملت عند السويس عائدا * من سفري لفضل ربي حامدا
مصلياً على نبيّ الرحمةِ * فهو شفيعي وهو لي وسيلتي([20])
وهكذا رأينا أهمية كتب غريب القرآن في تفسير ما أشكل من مفردات القرآن، وتقديمها للعلماء والباحثين، كما أننا لاحظنا تطور إعدادها ومنهجها، واهتمام المسلمين بها وتحقيقها وطبعها حتى بلغت طبعات بعضها العشرات، وتجلت لنا وجهة العلماء من تآليفهم، وصدقهم في عملهم، وإتقانهم له.
ثانياً ـ فهارس ألفاظ القرآن ومعاجمها:
بعد أن رأينا ما بذله العلماء في الماضي من جهود في تصنيف مفردات غريب القرآن، فإننا سنقف عند جهود العلماء المعاصرين الذين تابعوا الاهتمام بالألفاظ القرآنية، بعد أن طوروا المنهج، وجدَّدوا في الطريقة والغرض، فوضعوا فهارس لألفاظ القرآن، ترشد الطالب إلى مكان الكلمات في آيات القرآن وسوره، ثم وضعوا معاجم لشرح معاني هذه الألفاظ بعد أن تذكر الآيات التي وردت فيها، وأعد بعض العلماء معاجم تخصصية، يتضمن كل معجم منها مفردات ذات موضوع واحد.لقد تطورت معاجم ألفاظ القرآن في القرن العشرين ومرت بمراحل ثلاث:
1ـ فهارس لألفاظ القرآن وأطراف آياته.
2ـ معاجم لألفاظ القرآن.
3ـ معاجم تخصصية لألفاظ القرآن.
المرحلة الأولى: فهارس ألفاظ القرآن الكريم:
ثمة فارق بين الفهرس والمعجم: فالفهرس يرتب الألفاظ، ويدلك على مكان ورودها، أما المعجم فيرتبها ويشرحها.
ولقد دعت الحاجة إلى وضع فهارس لألفاظ القرآن، تسهل للباحثين الوصول إلى كلمات القرآن بيسر، فاتجهت عناية المسلمين والمستشرقين في الثلث الأول من القرن العشرين إلى وضع فهارس لألفاظ القرآن وأطراف آياته.
ومن المؤلفات الرائدة في هذا المجال:
1ـ نجوم الفرقان في أطراف القرآن: للمستشرق الألماني (فلوجل).
2ـ فتح الرحمن: تأليف علي زاده فيض الله الحسني.
3ـ مفتاح كنوز الرحمن: لكاظم بك.
4ـ كتاب ترتيب زيبا: لحافظ محمود الورداري.
5ـ معجم آيات القرآن: حسين نصار.
6ـ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم: للأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي.
وكان أهم هذه الفهارس فهرس الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي الذي استفاد من تجربة المستشرق (فلوجل) حين اطلع على كتابه (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) فأعجب به، لكنه وجد فيه بعض الهنات والنواقص، فشمر عن ساعد الجد، وسهر الليالي فترجم هذا السفر وأكمل نواقصه، وأخرجه إخراجاً جديداً، وأضاف إليه، وسمّاه (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم) ورتب مواد هذا المعجم ترتيباً هجائياً، بعد تجريد اللفظة من أحرف الزيادة، وجاءت على حسب أوائلها فثوانيها فثوالثها، وبدأ معجمه المفهرس بمادة (أ ب ب) وأنهاه بمادة (ي و م) ويكفي أن تعرف كلمة من الآية حتى يدلك على موضعها من السورة، ويذكر لك نصّ الآية أيضاً.
إن الطريقة التي اتبعت في ذكر مفردات (المادة) هي الابتداء بالفعل المجرد المبني للمعلوم: ماضيه فمضارعه فأمره، ثم المبني للمجهول من الماضي والمضارع، ثم المزيد بالتضعيف فالمزيد بحرف... إلخ، ثم الأسماء كالمصدر والمشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول وباقي الأسماء....
ومنهجه في كل لفظة أن يذكر: عدد مرات اللفظة في القرآن، والآيات التي وردت فيها اللفظة، ويثبت أمام كل آية رقمها في السورة ويرمز بـ /ك/ للآية المكية و بـ/م/ للآية المدنية، ثم يذكر اسم السورة ورقمها في المصحف. انتهى المؤلف من إعداد فهرسه هذا في عام 1945 ثم طبعه وأصدره وكانت أرقام آياته تطابق ما ورد في المصحف الذي تولّت الحكومة المصرية ـ آنذاك ـ طبعه، ثم صدر المعجم بطبعات متعددة في بلاد عربية وإسلامية، وتولت دار الفكر بدمشق عام /1407/ هـ نشره وطبعه على هامش القرآن الكريم نفسه ليسهل الرجوع إلى السور والآيات مباشرة، ومن طبعاته الجيدة المميزة الطبعة التركية الصادرة عن المكتبة الإسلامية في إستنبول في تركية عام 1982م.
وأقبل الناس والباحثون والعلماء عليه يستفيدون منه أيّما استفادة.
والناظر في هذا المعجم يجده يحوي ألفاظ القرآن ما عدا الضمائر والأدوات مما دفع الدكتور (إسماعيل أحمد عمايرة) إلى إعداد (معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم) فَهْرَسَ فيه الأدوات والضمائر في القرآن، بحيث ييسر هذا الأمر لمن يَدْرُس أدوات الشرط أو النفي أو الاستفهام أو الحصر أو الضمائر المنفصلة أو ما شابه ذلك من أبواب الدرس الأسلوبي أو النحوي أو البلاغي في القرآن الكريم. وهذا المعجم يقسم إلى قسمين كبيرين، يستقل أحدهما عن الآخر. القسم الأول: الأدوات. والقسم الثاني: الضمائر([21]).
وثمة محاولات أخرى جاءت بعد الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي، فقد أعد الدكتور (محمد حسن الحمصي) فهرساً لألفاظ القرآن طبعه مع القرآن الكريم الذي ذيله بأسباب النزول للسيوطي مع بعض الأحاديث المفسرة للآيات وأضاف لفهرس الألفاظ فهرساً لمواضيع القرآن، فجمع عدة كتب في سفر واحد.
أما فهرس الألفاظ الذي يعنينا في بحثنا هذا، فقد وضعه الدكتور الحمصي بصورة مختصرة ومكثفة تساعد في الكشف عن مكان اللفظة المطلوبة في السور والآية، إلا أنه لم يذكر النص الكامل للآية.
لقد رتب الدكتور الحمصي الألفاظ ترتيباً هجائياً بعد تجريدها من أحرف الزيادة وذكر أمام كل لفظة رقم السورة ورقم الآية، ولكي يميز الطالب بين السورة والآية جعل رقم السورة بلون ورقم الآية بلون مغاير، وأغفل المؤلف تبويب جميع الحروف وغالب الظروف وأسماء الإشارة وأدوات الشرط والأسماء الموصولة، ولم يذكر بعض الألفاظ التي وردت فيها كل لفظة في القرآن([22]).
إن هذه الفهارس وفَّرت الجهد والزمن للعلماء والباحثين، وقدمت خدمة جليلة لهم، ومهدت الطريق لوضع معاجم أكثر سعة وشمولية وفائدة.
ü المرحلة الثانية: معاجم لألفاظ القرآن:
إن فهارس ألفاظ القرآن توصل الباحث إلى موقع اللفظة في القرآن، وبعد ذلك عليه أن يبحث عن معناها في كتب اللغة وتفسير القرآن، لذا دعت الحاجة لوضع معاجم تدل على الألفاظ وتشرحها لتخفف على الباحث مشقّة البحث وتسهل عليه جمع المادة اللازمة للدراسة والتأليف، وكان العمل في هذا الاتجاه جماعياً، إذ اقترح الدكتور (محمد حسين هيكل) عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة، وضع معجم خاص بألفاظ القرآن، وكان ذلك في دورة المجمع السابقة في الجلسة الثانية لمؤتمر المجمع في /6/ محرم ـ 1360هـ ـ الموافق 2 فبراير سنة 1941م.
وبعد بضع دورات وجلسات وفي عام 1949م، تشكلت لجنة من المجمع وبدؤوا بإعداد المعجم ضمن مراحل متعددة:
1ـ إذا كانت الكلمة القرآنية ترد في القرآن بمعنى واحد:
أ ـ تشرح شرحاً لغوياً.
ب ـ يبيّن أن الكلمة وردت في القرآن في مواضع متعددة، وأنها جاءت في كل هذه المواضع بالمعنى الذي ذُكر آنفاً.
2ـ إذا كان لها معان لغوية مختلفة:
أ ـ ينص على المعاني اللغوية كلها.
ب ـ يؤخذ أولاً أكثر المعاني دوراناً في القرآن، وينص على أن الكلمة وردت بهذا المعنى في كذا وكذا موضعاً، ويُذكر مثالان من الآيات مع اسم السورة ورقم الآية، ثم يُكتفى بعد ذلك بما جاء في هذا المعنى بذكر السورة ورقم الآية.
ج ـ تذكر المعاني الأخرى معنى بعد آخر، ويذكر بعد ذلك عدد الآيات التي جاءت فيها الكلمة بهذا المعنى، ويُكتفى بمثال، ثم تُذكر السور وأرقام الآيات الأخرى.
3ـ إذا كان للكلمة أكثر من معنى يُبدأ بالمعاني التي وردت في قليل من الآيات ثم يذكر المعنى الذي ورد به في كثير من الآيات.
4ـ إذا كان للكلمة معنى لغوي واحد ولكنها استعملت في القرآن الكريم بألوان مختلفة بسبب المجاز ونحوه، نص على المعنى اللغوي البحت([23]).
لقد رتبت ألفاظ القرآن في هذا المعجم بحسب ترتيب حروف الهجاء، مسترشدة بالمعجم المفهرس لألفاظ القرآن لمحمد فؤاد عبد الباقي ـ رحمه الله ـ وإن الآيات التي أحال إليها المعجم هي أرقام المصحف المتداول، وَوُضِعَ رقم يبيّن عدد مرات كل لفظ من الألفاظ في القرآن. مثال ذلك: لفظة الأب تحتها رقم (1) واحد.
وبعد هذا المعجم الذي وضعه مجمع اللغة بالقاهرة، أُعِدَّت معاجم أخرى تشرح الألفاظ القرآنية وتشير إلى مكانها، وكان لكل معجم خصائص تميزه عن غيره.
لقد رتبت هذه المعاجم ترتيباً هجائياً، ولكن قسماً منها جاءت فيه الكلمات مجردة وقد ردّت إلى أصلها الثلاثي، نذكر من هذه المعاجم ـ على سبيل المثال ـ معجم الألفاظ والأعلام في القرآن الكريم للأستاذ (محمد إسماعيل إبراهيم) وهو موجَزٌ لما سبقه من معاجم ألفاظ القرآن، وألحق به ما جاء في القرآن من أعلام تاريخية وجغرافية، ونذكر معجماً آخر وضعه الفريق يحيى عبد الله المعلمي وعنوانه (مفردات القرآن). يقول المعلمي في مقدمته "أخذت مادة المفردات من القرآن، وشرحت معانيها في اللغة بدءاً ببيان أصل المعنى ثم ما طرأ عليها من تطورات، ثم أبرزت المعنى الذي وردت الكلمة به في القرآن الكريم، وتوجت بعد ذلك بالآيات الكريمات التي وردت فيها هذه الكلمة، وقد رتبتها ترتيباً هجائياً على طريقة المعاجم العربية، وذلك بإرجاع الكلمة إلى أصلها المجرد، واخترت أن يكون البدء بالحرف الأول في الكلمة المجردة، ثم الذي يليه، وهكذا، ورجعت في ذكر المعاني اللغوية للكلمات إلى أمهات كتب العربية"
أما القسم الآخر من هذه المعاجم التي تشرح الألفاظ، فقد أخذت الكلمة كما وردت في القرآن دون أن تجردها من أحرف الزيادة، وأشارت إلى مكانها وشرحتها لغوياً وبينت معانيها في الآيات.
وهذا ما فعله المرحوم الأستاذ (حامد عبد القادر) عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة في (معجم ألفاظ القرآن الكريم) الذي طبع أول مرة عام 1389هـ ـ 1969م. حيث رتب فيه الكلمات وفق ترتيب الأحرف الأبجدية دون تجريدها، ثم شرح معناها اللغوي وبعدها أتى بمعانيها في الآيات مع ذكر الآية، ووُضع بهذا الترتيب أيضاً (معجم القرآن) وهو قاموس مفردات القرآن وغريبه: فيه تفسير ولغة وأدب وعلم واجتماع وفلسفة، أعده المحامي عبد الرؤوف المصري([24]).
وعن ترتيبه وإعداده قال المؤلف في المقدمة: "أخذت الكلمة من القرآن بحالها من غير نظر إلى ذكر أصلها المشتقة منه، وذكرت الكلمة دون أن أعير الحروف الداخلة عليها التفاتاً مثل (الأيَامى) أوردتها (أيامى)، ورتبت الكلمات ترتيباً ألف بائياً، ووضعت بجانب كل لفظة السورة ورقم الآية فيها، وفي هامش الصفحات عرَّفت بالأعلام والأديان وغيرها".
بالإضافة إلى كل ذلك نجد المؤلف يورد أحياناً أبياتاً من الشعر أو أقوال بعض العلماء حول المعنى، وقد يورد آراء المفسرين وهكذا...
وعلى هذا الترتيب والمنهج وضعت بضعة معاجم، ولا يزال العلماء يمخرون عباب هذا المجال ويتفننون فيه، وهذا ما سنراه في المرحلة الثالثة.
ü المرحلة الثالثة: معاجم تخصصية لألفاظ القرآن:
إن المعاجم السابقة هي فهارس عامة تشمل معظم ألفاظ القرآن ـ إن لم نقل جميعها ـ فإذا ما أراد باحث أن يكتب عن النبات في القرآن، فما عليه إلا أن يتتبّع أسماء النبات وصفاته في القرآن، ويكتب بحثه مستعيناً بفهارس القرآن ومعاجمه، مما حدا ببعض العلماء والباحثين إلى أن يصنفوا معاجم تخصصية تجمع ألفاظ القرآن في موضوع واحد، وكان من الرواد في هذا المجال الأستاذ الباحث (مختار فوزي النعال) الذي صدر له (معجم ألفاظ النبات في القرآن)([25]).
ثم ألف عدة معاجم تخصصية أخرى منها: معجم ألفاظ الإنسان في القرآن، ومعجم ألفاظ الحيوان في القرآن، ومعجم ألفاظ الزمان في القرآن، ومعجم ألفاظ الكون الواردة في القرآن، ومعجم ألفاظ المصنوعات في القرآن، ومعجم ألفاظ المكان في القرآن، ومعجم ألفاظ القبائل والأمم والشعوب في القرآن، ومعجم ألفاظ الأخلاق في القرآن، ومعجم الألفاظ التجارية والمالية في القرآن.
وجمع المعاجم السابقة في (موسوعة الألفاظ القرآنية) بعد أن اختصر بعض الشروح([26]).
وأصدرت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي تباعاً معاجم تخصصية أخرى تحت عنوان (قاموس القرآن الكريم) كان أولها (معجم النبات في القرآن) طبع لأول مرة عام 1992، ورتبت هذه المعاجم هجائياً.
وهكذا لاحظنا أن عمل المعاجم قام على جهد فردي أو على جهد جماعي صادر عن مؤسسات علمية أو مجامع اللغة العربية، وقد يلتقي الجهدان، فيتعاون الأفراد مع المعاهد ودور النشر لإصدار معجم تخصصي، كما فعل الأستاذ (محيي الدين عطية) الذي أعد (الكشاف الاقتصادي) لآيات القرآن الكريم، بالتعاون مع الدار العالمية للكتاب الإسلامي في المملكة العربية السعودية والمعهد العالي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، وصدرت طبعته الثانية عام 1413ه ـ 1992م، وبلغ عدد مفردات الكشاف فيه /550/ مفردة وعدد صفحاته /598/ صفحة، ورتبت ألفاظه حسب ترتيب الحروف الهجائية، وذكرت الآيات وما جاء في تفسيرها مع ذكر المراجع ومصادر النقول، وفي نهايته فهرس تحليلي للكشاف يذكر فيه اللفظة والسورة والآيات التي وردت فيها. وهذا الكشاف يعين الباحث في علوم الاقتصاد الإسلامي.
وفطن الأستاذ (محمد السيد الداودي) الموجه السابق للغة العربية ـ القاهرة ـ إلى الأرقام في القرآن الكريم فأعد (معجم الأرقام في القرآن) وهو بحث يستوعب كل ما ورد في القرآن من أرقام مع إحاطة كل رقم بما يتطلبه من لغة وفقه وتاريخ وأسباب نزول وأهدافه، ورتبه حسب الأعداد الواردة في القرآن تصاعدياً: أي بدءاً بالأصغر فالأكبر([27]).
ولم ينس العلماء اللغة في القرآن فأصدروا بالإضافة إلى ما ذكرنا من قبل معجم مفردات الإبدال والإعلال في القرآن للدكتور (أحمد محمد الخراط) الأستاذ المشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية([28]).
قسم هذا المعجم إلى قسمين: قسم الأسماء وقسم الأفعال، وهو يرصد المفردات التي وقع فيها إبدال أو إعلال على نحو يفصل مراحل التوجيه الصرفي للكلمة، ويسعى المعجم كذلك إلى تعليل الظاهرة الصرفية على نحو يُفصِّل في مراحل التوجيه الصرفي للكلمة، ويسعى المعجم كذلك إلى تحرير تعليل الظاهرة الصرفية على نحو ميسر مرتب... أضيف إليه فهارس للأسماء والأفعال ليسهل الرجوع إليها. وفي الجانب اللغوي ألف أيضاً الأستاذ (محمد حسن الشريف) (معجم حروف المعاني في القرآن)([29]). وينوي المؤلف إصدار عدة معاجم أخرى في هذا المنحى مثل: ـ معجم التحولات الصوتية في حروف القرآن الكريم، ومعجم الصيغ الصرفية في حروف القرآن، ومعجم الضمائر في القرآن الكريم([30]).
بالإضافة لما سبق وضع العلماء معاجم تشمل موضوعات تخصصية أخرى مثل الناحية العسكرية، فقد استخرج اللواء محمود شيت خطاب عضو مجمع اللغة العربية في العراق مفردات عسكرية من القرآن وجمعها في معجم سمّاه (المصطلحات العسكرية في القرآن) وأصدره في الستينيّات من القرن العشرين، فَصَّلَ فيه كل مصطلح عسكري ورد في الذكر الحكيم في ثلاث مواد: جعل العنوان العسكري بصيغة الفعل الماضي وأورد في المادة الأولى بعض الآيات أمثلة لاستعماله، وذكر في المادة الثانية مشتقاته ومعانيها اللغوية، كما وردت في المعجمات اللغوية، وسجل في المادة الثالثة استعمالات المصطلح العسكري الوارد في القرآن الكريم ومشتقاته في المصطلحات العسكرية الحديثة في الجيوش العربية لعله ينير لهم الطريق في تذليل مهمتهم الشاقة.
المعاجم القرآنية والحاسوب :
إن تنوع المعاجم التخصصية يؤكد أن هذا القرآن الكريم فيه علوم جمة ويدل على أنه كتاب لا تنتهي عجائبه، فهو كتاب الله الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم عليم.
وعندما دخل الحاسوب إلى حياة الناس، أحدث ثورة في المعلومات، فأقبل أهل الاختصاصات العلمية يستفيدون منه أيّما فائدة، وسارع العلماء المسلمون إلى الحاسوب يسخِّرونه لخدمة القرآن الكريم، فسجلوا فيه القرآن الكريم، وأصبح الحاسوب بهذه الحالة (فهرساً لألفاظ القرآن) ممتازاً، فإذا طلبوا منه لفظة قرآنية دل على مكانها في السورة والآية بدقة وسرعة، وقدم عدد مرات ورودها في القرآن، ثم غذوه ببعض معاجم الألفاظ القرآنية وبتفاسير القرآن، فإذا ما طلبوا منه معنى كلمة أو تفسيرها وجدوا الجواب الصحيح جاهزاً مع الإشارة إلى المصدر، بحيث نستطيع أن نقول: إن الحاسوب بات بديلاً عن فهارس ومعاجم القرآن ولكنه يبقى عالة عليها، فلا يمكن للحاسوب أن يفسر لذاته، ولا يمكن أن يجمع المصطلحات العسكرية أو الألفاظ الإنسانية أو النحوية من القرآن دون أن تغذيه بالمعلومات اللازمة.
إن عمل الحاسوب في هذا المجال يعتمد على السهولة والدقة والسرعة، بعد أن نغذيه بما نريد، وله فائدة أخرى هي أنه يوفر المكان الذي يحتاج إليه عشرات المجلدات في المكتبة، فالحاسوب يخزنها بقرص واحد.
وقبل أن ننهي كلامنا على المعاجم نود أن نشير إلى أن هذه المعاجم القرآنية لاقت عناية بالغة من كل الجهات فبالإضافة إلى ما ذكرناه في الدراسة من اهتمام مجامع اللغة والمعاهد والمؤسسات العلمية ودور النشر بها، فإن بعض الباحثين أعدوا معاجم تعرّف هذه المعاجم القرآنية، من هذه المعاجم ما كان خاصاً بمصنفات القرآن ومعاجمه مثل (معجم مصنفات القرآن الكريم) جمع وترتيب الدكتور علي شواخ إسحاق الشعيبي إصدار مركز المخطوطات والتراث والوثائق في الكويت، وهو يشتمل على كل ما عثر عليه من المصنفات التي كتبت عن القرآن الكريم المطبوع منها والمخطوط في جميع بلاد العالم وفي كل اللغات. وهناك مصنفات معجمية تعنى بتقصي المعاجم القرآنية، "فمعجم المعاجم" الذي أعده أحمد الشرقاوي يعرف بنحو ألف وخمسمائة من المعاجم العربية ذكر فيها معاجم مفردات غريب القرآن([31]).
ومعجم المعجمات العربية لمصنفه وجدي رزق غالي، رصد فيه المعاجم العربية المطبوعة، العامة والمتخصصة، مع تعريف مختصر بكلٍ منها.
وفيه إلى جانب ذلك ذكر معاجم لألفاظ القرآن([32]).
نلاحظ من كل ما سبق أن علماءنا منذ فجر الإسلام حتى اليوم، اعتنوا بالقرآن ومفرداته وألفاظه، بطرائق شتى، ثم شرحوا تلك المفردات والألفاظ في معاجم أخرى وألحقوا ذلك بمعاجم تخصصية كان لها أهداف واضحة ومحددة، وبذلك خدموا الكتاب الكريم أجلَّ خدمةٍ، فجزاهم الله خيراً.
------------------
المراجع
1ـ المراجع المعجمية العربية. سفر سعيد البشيتي ـ مكتبة لبنان عام 1989م.
2ـ معجم ألفاظ القرآن الكريم. مجمع اللغة العربية. القاهرة.
3ـ المعجم العربي. نشأته وتطوره. د. حسين نصار. مطابع الكتاب العربي مصر 1375هـ.
4ـ معجم مصنفات القرآن. د. علي شواخ إسحاق الشعيبي. مركز المخطوطات ـ الكويت.
5ـ معجم المعاجم. أحمد الشرقاوي. دار المغرب الإسلامي ـ الجمعية المغربية للتأليف.
6ـ معجم المعجمات العربية. وجدي رزق غالي. مكتبة لبنان عام 1993م.
-----------------
الحواشي :
([1])النهاية في غريب الحديث والأثر. مجد الدين بن الأثير. تحقيق طاهر أحمد الزاوي. المكتبة العلمية بيروت ج1 ص3.
([2])الصاحبي في فقه اللغة. أحمد بن فارس. تحقيق مصطفى الشويمي مؤسسة بدران ـ بيروت ـ 1964م ص 64.
([3])صفوة التفاسير. محمد علي الصابوني. دار القلم العربي. حلب. ط1، 1994 ج1 ص85.
([4])رياض الصالحين. الإمام النووي. راجعه شعيب الأرناؤوط. دار المأمون للتراث. دمشق 1981 ط4 ص658.
([5])الجامع الصغير. الإمام السيوطي ج1 ص317.
([6])أورد السيوطي حكاية المقابلة والأسئلة والأجوبة في الإتقان ج1 ص 120.
([7])المفردات في غريب القرآن. الراغب الأصفهاني: ت : محمد سيد كيلاني. دار المعرفة ـ بيروت.
([8])طبع عدة مرات منها طبعة مكتبة القرآن عام 1988 وعدد صفحاتها 125 تحقيق محمد إبراهيم سليم. القاهرة.
([9])طبعته دار إحياء الكتب العربية بالقاهرة سنة 1958 بتحقيق أحمد صقر.
([10])طبع مراراً ومن هذه الطبعات طبعة 1936 بإشراف الأستاذ مصطفى عناني.
([11])طبع بالمطبعة الميمنية عام 1304هـ ثم أعيد طبعه عدة مرات.
([12])حققه د. علي حسين الغرب ونشرته مكتبة المعارف ـ الرياض ـ ط1 عام 1986.
([13])نشرة محمد بن سعيد بن مصطفى الوردي النعساني بحماة عام 1926 ثم طبع ببغداد عام 1977.
([14])حققه د. عبد السلام ألتونجي. صدر عن مكتب الإعلام والبحث والنشر لجمعية الدعوة ـ ليبيا. بأربعة مجلدات.
([15])الإتقان. الإمام السيوطي. ج1 ص 113.
([16])طبع على هامش تفسير الجلالين بمطبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر سنة 1924هـ.
([17])انظر مقدمة عمدة الحفاظ تحقيق عبد السلام أحمد ألتونجي. ج1.
([18])طبعته دار العلم للملايين ط1 ك2 /1986/م.
([19])معجم المعاجم. أحمد الشرقاوي. دار الغرب الإسلامي ط1، 1407هـ، 1987م، ص15.
([20])المرجع السابق ص 15.
([21])صدر المعجم في طبعته الأولى عن مؤسسة الرسالة بيروت ـ لبنان عام 1986م في 816 صفحة.
([22])طبع هذا الفهرس تحت عنوان (تفسير وبيان) في دمشق عام 1405هـ 1984م.
([23])انظر مقدمة معجم ألفاظ القرآن الذي أعده مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
([24])صدرت الطبعة الثانية منه عام 1367 هـ ـ 1948م في مطبعة حجازي القاهرة.
([25])طبعة نادي جدة الأدبي في المملكة العربية السعودية عام 1993م وهو يحوي /72/ لفظة.
([26])طبعت في دار التراث. حلب عام 2003م.
([27])طبع في دار الكتاب المصري لأول مرة عام 1986م عدد صفحاته /134/ صفحة.
([28])نشرته دار القلم. دمشق ط1، 1409ه ـ 1989م.
([29])مؤسسة الرسالة في بيروت عام 1996م. ثلاثة مجلدات.
([30])انظر مقدمة معجم حروف المعاني في القرآن. محمد حسن الشريف.
([31])طبع في دار المغرب الإسلامي بالتعاون مع الجمعية المغربية للتأليف والنشر والترجمة.
([32])صدر عن مكتبة لبنان عام 1993م.