القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

أوروبا في العصور الوسطى : تاريخ الحضارة الرومانية




أوروبا في العصور الوسطى 
 تاريخ الحضارة الرومانية
 

بداية العصور الوسطى ونهايتها في أوروبا

العصور الوسطى مصطلح أطلقه المؤرخون على الحقبة التاريخية الممتدة  من 476م سنة سقوط روما عاصمة الامبراطورية الرومانية في الغرب الى 1453 م  سنة سقوط القسطنطينية عاصمة الامبراطورية البيزنطية.

هذا التأريخ لا يعني انقطاع تام وحد فاصل فيما يخص التطور الثقافي والاجتماعي بالنسبة لأوربا،

فالتاريخ وحدة متكاملة لا تنقسم تقسيما أليا ودقيقا والعصور التاريخية متداخلة بعضها ببعض والتطور التاريخي يتميز بالاستمرارية والسيرورة وهو كسلسلة متصلة الحلقات تتداخل حلقاتها في بعضها البعض وعلى هذا فانه من الصعب حقا أن نحدد جازمين بداية عصر من العصور التاريخية أو نهايته بسنة معينة، لأن التغيرات في الاحداث التاريخية تحدث بشكل تدريجي لا بشكل فجائي ومن هنا يحدث تداخل بين العصر السابق واللاحق له لأن كل عصر له أذيال وتوابع ولا يمكن دراسة وفهم أي عصر دون الرجوع الى المراحل الاخيرة من العصر الذي سبقه، ولكن الغرض من وضع سنة معينة لتحديد بداية عصر أو نهايته الغرض منه تسهيل الدراسة والبحث.

ولنستعرض الان أهم التطورات السياسية والاقتصادية والفكرية التي ميزت المرحلة الانتقالية من العصر القديم الى العصر الوسيط في أوربا :

الناحية السياسية

عرف العصر القديم بتعاقب السيطرة العالمية بين الامم وتشكل الامبراطوريات الكبرى، كالامبراطوية المصرية، الاشورية، اليونانية، الرومانية، ولكن في سنة 476 م سقطت روما  عاصمة هذه الاخيرة على يد البرابرة الجرمان وتشكلت على أراضي الامبراطورية ممالك بربرية جديدة، كمملكة الفرنجة في فرنسا ومملكة القوط الغربيين في اسبانيا ومملكة القوط الشرقيين في ايطاليا ومملكة الوندال في شمال افريقيا. وهكذا حلت الكثرة مكان الوحدة، وقامت دول وممالك متعددة بدل الامبراطورية الكبيرة الواحدة.

الناحية الاقتصادية الاجتماعية

تميزت الامبراطورية الرومانية بتطبيق الأسلوب العبودي في الانتاج، أي أن العبيد كانوا يشكلون الطبقة الرئيسية المنتجة في المجتمع الروماني القديم، ولكن في القرنيين الرابع والخامس الميلاديين تناقص عدد العبيد وأصبحت طبقة الفلاحين الاقنان المرتبطة بالأرض والذين يستغلونها مقابل حصة من الانتاج هم الطبقة المنتجة، وتدريجيا رسخت أسس النظام الاقطاعي وسادت العلاقات الاقطاعية في الاقتصاد والمجتمع في العصر الوسيط بعد أن كانت العلاقات العبودية هي السائدة في العصر القديم.

الناحية الفكرية

تميزت العصور القديمة في أوربا بسيطرة الوثنية وعبادة الالهة المتعددة، وقد أثرت هذه العقائد الدينية القديمة في مختلف المظاهر الحضارية وطبعتها بطابعها الخاص مثل النحت، الاساطير، الفلسفة...

ولكن في القرن الرابع والخامس انتشرت  ديانة جديدة في أوربا وهي الديانة المسيحية الموحدة، وبعد اعتراف الامبراطور البيزنطي قسطنطين بالمسيحية ديانة رسمية للدولة سنة 313م ، بدأت تتلاشى مظاهر الوثنية تدريجيا، وحلت محلها مظاهر حضارية متأثرة بالمسيحية، وتطورت الكنيسة وأصبحت لها سلطة ونفوذ قوي في المجتمع الاورسطي. 

هذا بالنسبة للتغيرات التي عرفتها أوربا في القرن 4 و5م والتي أدخلتها في عصر جديد وهو العصر الوسيط

ونفس الشيء بالنسبة للانتقال من العصور الوسطى الى العصور الحديثة ففي القرنين 15 و16 م بدأت صورة العالم الاوربي التي ارتسمت خلال العصور الوسطى تتبدل ملامحها الرئيسية :

الناحية السياسية

جرت أحداث وتغيرات وانقلابات عديدة ومتنوعة خلال النصف الثاني من القرن 15 م والنصف الاول من 16م ، ففي سنة 1453م سقطت القسطنطينية بأيدي الاتراك العثمانيين ومعها  زالت امبراطورية مسيحية وحلت محلها امبراطورية اسيوية اسلامية تختلف عن سابقتها من حيث النظام والتقاليد و الثقافة والعقيدة، وفي سنة 1453م توقفت حرب المائة سنة بين فرنسا وانكلترا والتي نتج عنها ظهور حركة قومية في كلا البلدين ثم انتشرت في باقي البلدان الاوربية فظهرت الدوله الحديثة، كما أنه في 1492 م سقطت غرناطة أخر معقل للمسلمين في الاندلس وظهرت اسبانيا كقوة منافسة في البحر المتوسط ، وفي بداية القرن

 16 م ظهرت حركة اصلاح في ألمانيا دفعت بالدولة الالمانية لتلعب دورا هاما في التاريخ في ظل حكم الاسرة النمساوية.

الناحية الاقتصادية والاجتماعية

لقد انقلب الاقتصاد الزراعي الاكتفائي المغلق السائد في العصور الوسطى اقتصادا صناعيا تجاريا منفتحا ينزع الى الرأسمالية والمبادلة الدولية في مطلع العصور الحديثة، كما قامت  ثورات بورجوازية في أوربا أطاحت بالنظم والعلاقات الاقطاعية التي كانت سائدة في أوربا طيلة اعصور الوسطى

وإذا كانت البورجوازية خطوة تقدمية في المجال الاقتصادي الاجتماعي بالنسبة للاقطاعية، فانها من ناحية ثانية لم تكن سوى قوى استقلالية جديدة أطاحت بالقوى الاقطاعية المستقلة وحلت محلها، لقد استغل البورجوازيون الحركات الثورية التي قام بها أقنان الارض وعمال المدن ضد الاقطاعي لصالحهم، فاستلموا الحكم وأداروا دفة السياسة في خدمة الرأسمالية ونشط التبادل التجاري بين أوربا وبلاد المشرق نتيجه انفتاح البحر المتوسط أمام التجارة الاوربية  بعد ان كان موصدا في وجه أوربا على أيدي العرب المسلمين ومما ساعد على الانتعاش والتطور الاقتصادي اكتشاف العالم الجديد والطرق البحرية المؤدية الى امريكا والهند والاهتمام بتنشيط الصناعة والتجارة الداخلية والخارجية.

الناحية الفكرية

نلمس تطورات بدأت تتغلغل بالمجتمع الاوربي في القرنين 15و 16 م، فالمفاهيم الدينية المألوفة في العصور الوسطى أخذت تتغير فتحررت مع ذلك العقلية الاوربية من سيطرة الدين وتراجع نفوذ الكنيسة أمام الفكر العلماني بمجال السياسة والعلوم والاقتصاد، قامت الحركة الانسانية في عصر النهضة ببعث الثقافة الكلاسيكية، وبفضل ظهور الطباعة انتشرت الافكار الجديدة التقدمية. 

كل هذه الملامح الحضارية تنم عن ميلاد عصور تاريخية جديدة مختلفة عن ماسبقها هذه العصور هي العصور الحديثة.

 

سقوط الامبراطورية الرومانية

الامبراطورية الرومانية هو اخر عهد من تاريخ الحضارة الرومانية، هذه الحضارة التي بدأت مع تأسيس روما سنة 753 قبل الميلاد واستمرت حتى سقوطها سنة 476 ميلادية. 

مرت هذه الحضارة بثلاثة عهود : عهد المملكة الرومانية 753 ق.م - 510 ق.م، عهد الجمهورية 510 ق.م - 27 ق.م، عهد الامبراطورية 27 ق.م - 476 م.

كانت الامبراطورية الرومانية أكبر امبراطورية في التاريخ فقط أحاطت بالبحر الابيض المتوسط من كل الجهات، وبلغت أوج امتدادها في القرن الثاني الميلادي.

بدأ يظهر ضعف الامبراطورية ابتداءا من القرن 3م. فأزمة القرن الثالث كانت أزمة شاملة عسكرية، سياسية، اجتماعية واقتصادية ولم تكن انعكاساتها على روما فقط بل على كل مقاطعاتها في القارات الثلاث.

 

عوامل ضعف وانهيار الامبراطورية الرومانية

- الصراع على كرسي العرش وتدخل الجيش في السياسية وفي اختيار الامبراطور فحصلت اضطرابات وتمردات و فوضى كبيرة ألحقت أضرارا كبيرة بالمدن والأرياف. وتمرد الجيش على القوانين الرومانية وعلى حقوق المواطنين وعلى المؤسسات الدستورية  مما أسهم في ضعف الامبراطورية.

- لقد سببت الفوضى والحروب الداخلية تدهور الزراعة من خلال ترك مساحات شاسعة من الاراضي دون زراعة مما أثر على الإنتاج وضعف التبادل التجاري بسبب حالة اللأمن في الطرق وبين المقاطعات، ومما زاد الامور سوءا هو استمرار الحكومة في عملية جمع الضرائب المجحفة من سكان المدن.

- نتيجة الوضع الاقتصادي السيئ، هاجر الكثير من ابناء الطبقة الوسطى الى الريف وأصبحت هذه الطبقة تحت سلطة الملاكين الكبار اصحاب الأراضي لذلك أخذ المجتمع ينحدر الى مستوى العبودية والرق هذه الامور جعلت الملاكين الزراعيين يحصلون على امتيازات سياسية واقتصادية .

- كانت الامبراطورية الرومانية تتكون من اقاليم عديدة لكل منها نظمها الادارية الخاصة بها ونتيجة ضعف المركز ضعفت الانظمة الادارية وحصلت تناقضات فاستغل الموظفون هذه الحالة فحصل فسادا في الجانب الاداري وبقية الجوانب الاخرى.

 ان الامبراطورية الرومانية كانت محاطة بقبائل عديدة منها القبائل الجرمانية التي كانت متواجدة فى قلب اوروبا فضلا عن الفرس في الشرق والعرب في الجنوب الشرقي منها. وهذه الشعوب استغلت ضعف الامبراطورية وهاجمتها من كل النواحي وساهمت في انهيارها وكانت الضربة القاضية على يد شعوب البرابرة الجرمان. 


البرابرة الجرمان

سقطت الامبراطورية الرومانية بصورة تدريجية على يد البرابرة الجرمان وكانت هذه الهجمات من الاسباب التي أدت الى اضعافها اضافة الى الأزمات الداخلية  من مشاكل اقتصادية وحروب وفوضى.

من أهم المصادر التي تتحدث عن شعوب البرابرة هي كتب يوليوس قيصر وهو قائد روماني عاش مابين سنتي 100 و44 ق.م وكان واليا على غاليا بين سنتي 58 و52 ق.م عنوان الكتاب هو مذكرات عن الحرب الغالية. مصدر أخر عن الجرمان هو كتاب جرمانيا للمؤرخ تاسيت الذي عاش في فترة بين  55  و 120م

أطلق اليونان و الرومان كلمة برابرة على كل الشعوب التي لا تتكلم اليونانية أو اللاتينية، وأهم هذه الشعوب : الكلت والسلاف والجرمان.    

وتشكل الجرمان من شعوب عديدة أهمها القوط الشرقيون، القوط الغربيون، الواندال، الألان، البرجنديون، اللومبارديون، الفرنجة، الأنغلوسكسون، الألمان، النورمانديون وغيرهم
الموطن الأصلي للجرمان  هي المناطق المحيطة بـ" بحر البلطيق" ، ومن هناك انحدروا نحو الجنوب حتى وصلوا حدود الإمبراطورية الرومانية، وكانوا في البداية يهتمون بتربية الحيوانات و الصيد أكثر من الزراعة، كما كانت تسود بينهم العلاقات القبلية البدائية، فقد عاشوا على شكل قبائل متفرقة وأحياناً كانت تتحد عدة قبائل بقيادة زعيم واحد لتنفيذ عملية حربية معينة.

أسباب هجومات البرابرة الجرمان على الامبراطورية الرومانية

ـــــ الظروف المناخية السيئة في موطنهم في شمال أوربا.

ــــ زيادة عدد سكان الجرمان فبدؤوا بالتحرك نحو نهر الراين ونهر الدانوب بعد أن ضاقت بهم سبل العيش.

ــــ مهاجمتهم من طرف قبائل الهون، القبائل المغول الاكثر وحشية، القادمين من أواسط اسيا والذين اضطروهم للزحف على الاقاليم الرومانية .

ــــ انبهار الجرمان بحياة الرومان وبالازدهار الاقتصادي الذي نعمت به الامبراطورية الرومانية.

بدأ  الجرمان بمهاجمة الحدود الرومانية منذ القرنين الأول والثاني على عهد الامبراطور ماركوس أوريلوس (161م-180م)  وزادت غارات "الجرمان" في القرن الثالث الميلادي لأن الإمبراطورية الرومانية تعرضت في هذا القرن إلى أزمة اقتصادية خانقة بسبب ثورات العبيد وتمرد الفرق العسكرية، وقد حصل تبادل حضاري بين الرومان و الجرمان نتيجة الاصطدامات الحربية من جهة و العلاقات السلمية والتجارية من جهة أخرى. فقد كان بعض "الجرمان" يزورون "روما" ويتلقون فيها الثقافة اللاتينية.

وقد حاول الاباطرة الرومان استيعاب الجرمان والاستفادة من أعدادهم الكبيرة ومهاراتهم في القتال عبر تعيينهم كجنود مرتزقة في الجيش الروماني. كما أنهم منحوا لهم بعض الاراضي للاستقرار عليها وتشكيل شريط حدودي ودفاعي لحمايتهم من هجومات قبائل الهون الوحشية القادمة من اسيا الصغرى.

وفي القرن الخامس ميلادي بدأت تتشكلل تدريجيا ممالك بربرية على الاراضي الرومانية  :

 كمملكة القوط الغربيين في جنوب غاليا،

مملكة القوط الشرقيين في ايطاليا، مملكة الوندال في شمال افريقيا،

مملكة الانغلوسكسون في بريطانيا

ومملكة الفرنجة في غاليا.

وتمكن الجنود المرتزقة الجرمان بقيادة أدواكر من عزل رومولوس أوغسطولس اخر امبراطور روماني وأسقطوا عرش الامبراطورية الرومانية الغربية الى الابد كان ذلك سنة 476م. واعتبر المؤرخون هذه السنة بداية للعصور الوسطى.

 

المصادر :

نعيم فرح، تاريخ أوربا في العصور الوسطى، دمشق 1978

محمد سعيد عمران، حضارة أوربا في العصور الوسطى، بيروت 1998

نور الدين حاطوم، تاريخ العصر الوسيط في أوربا، دمشق1982

سعيد عاشور عبد الفتاح، تاريخ أوروبا في العصور الوسطى، بيروت، 1976

السيد الباز العريني، تاريخ أوربا في العصور الوسطى، بيروت، 1968