القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

العالم الإسلامي : الواقع الفكري

 




العالم الإسلامي : الواقع الفكري



الفكر ركيزة هامة في حياة الأمم ودليل على حيويتها وتقدمها أو على جمودها وتخلفها في جميع المجالات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.. والأمة القوية هي التي يجتمع أبناؤها على عقيدة واحدة ومبادئ واحدة فتكون لها وجهة نظر واحدة أي تتمتع بوحدة الفكر.

وتعتبر وحدة الفكر من أبرز ظواهر التاريخ الإسلامي، فقد انتظم مختلف وحداته ودوراته وموجاته فكر واحد وثقافة واحدة، بقيت الربط المشترك الأعظم بينها مهما اختلفت أقطارها ودولها وأنظمتها. هذا الفكر هو روح الجماعة الإسلامية والمحرك الأساسي والقالب الذي تشكلت فيه مختلف القيم والمفاهيم والتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ولعل أبرز ما يتمثل في الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية هو :


الأصالة : فقد قام الفكر الإسلامي على التوحيد والنبوة والمساواة والعدل. وهي أسس جديدة خاصة بالحضارة الإسلامية لا صلة لها بالحضارات المادية السابقة للإسلام – السريانية والفارسية والرومانية واليونانية والهندية.

ولقد أدرك الأوروبيون وفي وقت مبكر ما للفكر من أهمية في صراعهم الحضاري مع المسلمين ولمسوه يقينا بما ترتب على نتائج الحروب الصليبية – لمسوا يومها أن انتصارهم العسكري لم يجدهم شيئا أو يبق لهم وجودا في الأمة الإسلامية بعد أن دحرهم صلاح الدين ومن بعده، ولذلك اتجهوا إلى أفكار الإسلام فانكبوا على الفكر الإسلامي فترجموه وقاموا بدراسته وتلخيصه، فكانت أولى أعمالهم ترجمة القرآن الكريم إلى اللاتينية وبعدها فتح باب الدراسات الإسلامية والعربية عندهم على مصراعيه، فكانت حركة الاستشراق التي مهدت لهم طريق الاستعمار فيما بعد. هكذا عمل الأوروبيون على اكتشاف الفكر الإسلامي وترجمته من أجل إثراء ثقافتهم فقادهم ذلك إلى حركة النهضة الأوروبية وساروا فيها أشواطا. 

ثم عملت أوربا على كشف الفكر الإسلامي مرة أخرى لهدف سياسي لتضع خططها الرامية للسيطرة على بلاد الإسلام مطابقة لما تقتضيه الأوضاع في البلاد الإسلامية من ناحية ولتسيير هذه الأوضاع طبق ما تقتضيه هذه السياسة في البلاد الإسلامية لتسيطر على الشعوب الخاصة فيها لسلطانها. ومن هنا بدأ يظهر الأثر السلبي للإنتاج الاستشراقي الفكري الذي كتب عن المسلمين وأحيانا بالعربية ليمارس دور التخدير أو الاهاء ليبقى العالم الإسلامي خلوا من أي توجيه أصيل، وليبقى الباب مفتوحا لتلقي ما يصدرونه من أفكار تحكم سيطرة المستعمرين السياسية الاستعمارية تحت شعار التقدمية التي هي في الواقع ستار يخفي مطامع الغرب ووحشيته.

هذا الأسلوب هو ما نسميه : بالغزو الفكري: وهو الوسائل غير العسكرية التي اتخذها الغزو الصليبي لإزالة مظاهر الحياة الإسلامية وصرف المسلمين عن التمسك بالإسلام ، مما يتعلق بالعقيدة وما ينبثق منها من أفكار وتقاليد وأنماط حياة.

وهو من شعب الجهد البشري المبذول ضد عدو ما لكسب معارك الحياة منه ولتذليل قياده وتحويل مساره وضمان استمرار هذا التحويل حتى يصبح ذاتيا إذا أمكن، وهذا هو أقصى مراحل الغزو الفكري بالنسبة للقلوب وإن كان في الوقت نفسه هو أقصى درجات نجاح الغزاة.

وسلاح هذا الغزو : الفكرة، والرأي والحيلة والنظريات والشبهات وخلابة المنطق وبراعة العرض وشدة لدادة الخصومة، وتحريف الكلم عن مواضعه وغير ذلك.

ويتميز الغزو الفكري بالشمول والامتداد فهو حرب دائبة لا يحصرها ميدان، بل تمتد إلى شعب الحياة الإنسانية جميعا، وتسبق حروب السلاح وتواكبها، حتى تستمر بعدها لتكسب ما عجز السلاح عن تحقيقه، فتشل إرادة المهزوم وعزيمته، حتى يلين ويستكين، وتنقض تماسكه النفسي حتى يذوب كيانه، فيقبل التلاشي والفناء في بوتقة أعدائه، أو يصبح امتدادا ذليلا لهم. وقد دمغ الله سبحانه وتعالى قادة هذا اللون من الحرب بأسماء وصفات غاية في النكارة، مثل: الشياطين، السفهاء، المعوقين، المرجفين، أكابر المجرمين، وأئمة الكفر، والذين في قلوبهم مرض.

كذلك سمى هذا اللون ذاته بصفات أساليبه الخسيسة ونتائجه الخبيثة مثل: زخرف القول، الغرور، الخبال، الفتن...


وقد بين القرآن الكريم أن نتائج وغايات هذا اللون من الحرب هي أخبث وأنكد من آثار السيف والقتل – قال تعالى:(وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)(البقرة/217).

وفي مرحلة السيطرة الاستعمارية على بلاد الإسلام اهتم الغرب كثيرا بإحداث الفراغ الفكري، واقتلاع الشعوب الإسلامية من جذورها الحضارية، بإظهار تهافت كل ما تملكه من مقومات أمام عصر الذرة وغزو الفضاء، ولم يفصل الغرب في عدائه للإسلام والمسلمين أبدا بين العروبة والإسلام، وإن حاولت جامعاته وإرسالياته أن تلقن المسلمين غير ذلك،  فموروبيرجر أستاذ الشرق الأدنى بجامعة برنستون الأمريكية ومؤلف كتاب العالم العربي اليوم يقول في معرض حديثه عن معارضة الغرب للوحدة العربية:"لقد ثبت تاريخيا أن قوة العرب تعني قوة الإسلام، ونفس الشيء يمكن أن يتكرر اليوم حيث يحرز الإسلام انتصارات واسعة في أفريقيا ".

وعمل المستدمر على نقل المعركة بين أبناء البلد المغلوب على أمره، بأن استخدم من تربى في معاهده، ومن قلده، فأثارهم ضد دعاة الفكر الإسلامي في بلادهم، فتحول الأمر إلى صراع داخلي ، أثار الفوضى، وسرب في غمرته الأفكار الهدامة، وزرع اليأس في نفوس دعاة الفكر الأصيل من إمكانية التغيير. بذلك حاول الغرب والمتغربون تعطيل النشاط الفكري، فبقي النشاط السياسي بالتالي أعمى ، والأفكار دون جدوى.


وحتى يتم تعطيل دور المفكر فقد عمل الإستدمار على:

أ- تنفير الرأي العام من أفكاره بجميع الوسائل المتاحة للاستدمار .

ب- تنفيره هو نفسه من القضية التي يكافح من أجلها بإشعاره بعبث كفاحه.


فيخلق المستعمر بهذه الطريقة نمطين من المواجهة لأي مفكر يريد أن يدخل حلبة الصراع لمواجهته، حين يستغل إمكاناته الضخمة الإعلامية والثقافية وعملاءه في السر والعلن لكي يحارب شخصا وعى مشكلات بلاده، وأراد أن يوجهها بأسلوب سليم، بدايته وضع الأسس الفكرية، واستقطاب الناس حولها، وكثيرا ما تحاول حكومات بلاده التعتيم على ما ينشره أو يقوم به، وتزداد معاناته حين يواكبه قومه باللامبالاة، ويواجه بالأفكار المصدرة الملونة بالأحمر أو الأزرق، ولكنها في مضمونها تحمل القناعات الاستعمارية القديمة برداء الحرية والإخاء والمساواة، أو الماركسية والاشتراكية، وبهذا عمل الاستعمار على تحطيم المعنويات الإسلامية وبقية الروح الإسلامية التي يستند إليها وجود الأمة التاريخي بملامحها الخالدة المميزة له.

وقد شهد العالم الإسلامي تغيرات فكرية في عهد الجمود ، وقبل انهيار الخلافة العثمانية ، فنشطت دعوة المفكرين للعودة إلى الإسلام ، والتكتل الإسلامي ، أي فكرة الجامعة الإسلامية ، وإصلاح أوضاع المسلمين وعقيدتهم كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد، والدعوة السنوسية في ليبيا، والمهدية في السودان. والدهلوية في الهند، إلا أن هذه الدعوات الثلاث وما شابهها كانت محدودة النجاح حيث لم تتجاوز نطاق بيئتها الإقليمية. أما دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب فكان لها أثر في بقاع كثيرة من العالم الإسلامي.

وبعض هذه الدعوات انحصر عند حملة الأقلام والمفكرين ولم تمس عامة الناس إلا مسا خفيفا، فبقي عامة الناس على أوضاعهم العقدية، كما نشط دعاة التغريب وكان حملة الفكر في جميع الأطراف مضطرين أن يبرروا اتجاهاتهم وأفكارهم بالتوفيق مع الإسلام العميق الجذور لدى الأمة، وإن كان التخلف الفكري عندهم قد هد كيانهم وكيان الأمة، وكان من الممكن أن تنتهي الأمة في نهضتها على أسس الإسلام، ولكن الضربات الموجعة من قبل التحديات الخارجية، وشدة الانحراف عن النهج الإسلامي لدى عامة الناس كانت من الشدة بحيث حالت بين تلك العناصر المفكرة على أسس الإسلام وبين العامة. فذهبت جهود المفكرين بفائدة محدودة.


وبعد انهيار الخلافة العثمانية عام1343هـ/1924م، واجه الغرب الصليبي والشيوعية، والصهيونية الأمة الإسلامية بالتحدي الكبير فنشط الاستشراق، والتبشير،والمنحرفون من الأمة نفسها، وأصبحوا في حل من القيود، يعبثون كما شاء لهم العبث، وأخذت أفكارهم بما أوتيت من دعاية منظمة ، تجد هوى وتأييدا لدى العامة لتصبح رأيا عاما باسم التقدمية، والنهضة، والإصلاح، ومقاومة الاستعمار، وقامت مدرسة فكرية جديدة بين المسلمين ترمي إلى تقريب الشقة بين تعاليم الإسلام، وبين ما جاءت به حضارة الغرب، من أفكار ونظريات في ميادين الحياة ، فبرزت الأفكار التوفيقية وكان عماد هذا العمل هو تفسير النصوص تفسيرا عصريا يلائم الفكر السائد، ومحاولة إيجاد نقطة التقاء بين الخطين الإسلامي والمادي على تباينهما، وعلى الأقل على تباعدهما– وقد ألجأ الهجوم الفكري في هذه المدارس إلى مواقف دفاعية غريبة عن الإسلام، إذ جردته من كثير من أحكامه الصريحة ، وجاءت لها بمعان جديدة بعيدة كل البعد عما تلقاه المسلمون عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك مثل: تعدد الزوجات، والطلاق، والربا، والتماثيل، والجهاد، وأهل الذمة...


وهذه الأمور كلها بلغ فيها الإسلام الغاية العليا في الأحكام والسمو، ولكنها عادت في رؤية المدارس المغلوبة أمام الضغط الفكري الغازي – عادت مثالب أو نقاط ضعف في الإسلام تحتاج إلى دفاع– أو هي في أوهامهم – كانت فضائل صالحة لزمانها، واحتاج التطور البشري إلى تعديلها. ولووا عنق النصوص ليؤيدوا فروضهم التي وضعوها. ووجد المفكرون المسلمون الخلص أنفسهم في مؤخرة الركب، لا في الصدارة الجديرة بهم، فالإلحاديون والماديون وتلاميذ المستعمرين والتوفيقيون يسددون عليهم الطرق، ويثيرون حولهم الضجيج، ورغم ذلك ظلوا على ولائهم للفكر الأصيل وإيمانهم به فعالجوا قضايا الفكر الإسلامي ومدى ارتباطه بواقع البشر معالجة بارعة مقنعة.


وأطلت رؤس الأفكار المنحرفة بدون حاجز وبحرية كاملة، بما يملكونه من وسائل نشر ودعاية وإعلان ووظائف عليا وحراسة ، فدخل الفكر القومي والوطني والعلماني والمادي والاشتراكي والعالمي الوجودي إلى صفوف المسلمين باسم العلم وحرية البحث، والنهضة، والإصلاح، والثورة على كل قديم على حساب الرابطة الإسلامية . فمبدأ القومية يستهدف العنصرية ، وهي تستهدف إيجاد الصدع بين العرب والفرس والترك والهنود وهم جميعا مسلمون، كما تهدف إلى إعلاء شأن التاريخ الإقليمي، وفكرة العالمية تستهدف القضاء على الذاتية الإسلامية المتميزة، وهي كثيرة، كانت تلبس ثوب الرحمة والإنسانية وحب السلام والوئام منها:الماسونية والشيوعية والروحية والدعوة إلى التوفيق بين الأديان، وبين الإسلام والنصرانية منها خاصة والدعوة إلى القومية والعالمية – سارت في خط واحد من أجل معارضة مفهوم الإسلام الذي دعا إلى وحدة فكرية واجتماعية بين أهله تعلو على العنصر والقومية والدم .


وأدرك الغرب أن العالم العربي بخصائصه وحسن موقعه الجغرافي وأهميته السياسية يحسن الاضطلاع برسالة الإسلام، ويستطيع أن يتقلد زعامة العالم الإسلامي، ويزاحم أوربا وينتصر عليها، إذا هو تمسك برسالة الإسلام، ولقد مر معنا، أن الغرب في عدائه للإسلام والمسلمين لم يفصل أبدا بين العروبة والإسلام، كما مر معنا رأي موروبيرجر، والبيانات الفرنسية في حرب الجزائر كانت تعلن مصرع كذا من المسلمين في معارك الجزائر، فبعد أن حاول الفصل بين العرب والعالم الإسلامي، واجه العرب بالتحدي فأثار في مختلف أجزائه أفكارا إقليمية ضيقة تبدد أفكاره، فبرزت فيه دعوات فكرية هدامة نذكر منها:


1- الدعوة إلى الارتماء في أحضان الغرب، وأخذ حضارته دون وعي ولا تمييز، وقد ترجم هذا الاتجاه كثير من الذين تقدموا إلى الصفوف الأولى في قيادة الأمة، بعد زوال الخلافة العثمانية، مثل: طه حسين، وسلامة موسى، وقاسم أمين، وأحمد لطفي السيد، وصهره إسماعيل مظهر في مصر.

فسلامة موسى في كتابه  اليوم والغد(1345هـ/1926م)يرى أن مصر جزء من أوربا، وليست جزءا من آسيا  أي من الإسلام. ويرى:" أننا إذا أخلصنا النية مع الانجليز فقد نتفق معهم إذا ضمنا لهم مصالحهم. وهم في الوقت نفسه إذا أخلصوا النية لنا فإننا نقضي على الرجعية في مصر وننتهي منها ، فلنول وجهنا شطر أوربا" .

وطه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر ظهر سنة1357هـ/ 1938م  فيقول:"إن سبيل النهضة واضحة بينة مستقيمة ليس فيها عوج ولا التواء وهي: أن نسيرة سيرة الأوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يكره، وما يحمد وما يعاب ". وهذا شبيه بقول  أغا أوغلي أحمد  أحد غلاة الكماليين من الترك في أحد كتبه:"إننا عزمنا على أن نأخذ كل ما عند الغربيين ، حتى الإلتهابات التي في رئيهم والنجاسات التي في أمعائهم ".

وقاسم أمين يقول في كتابه المرأة الجديدة، بعد أن تحدث عن أوضاع المرأة المسلمة في مصر:"هذا هو الداء الذي يلزم أن نبادر إلى علاجه، وليس له دواء إلا أن نربي أولادنا على أن يتعرفوا شئون المدنية الغربية ويقفوا على أصولها وفروعها وآثارها، وإذا أتى ذلك الحين– ونرجوا ألا يكون بعيدا– انجلت الحقيقة أمام أعيننا ساطعة سطوع الشمس وعرفنا قيمة التمدن الغربي، وتيقنا أن من المستحيل أن يتم إصلاح ما في أحوالنا ، إذا لم يكن مؤسسا على العلوم العصرية.

وتقاطرت البعثات على الدول الأوروبية من أبناء المسلمين استكمالا لتعليمهم العالي وما ماثله، وكانت هذه هي نهاية المطاف في الإجهاز على بقايا الإسلام وطباع الشرق وعاداته في نفوس أكثرهم، حيث لا يرجعون إلا وقد تأثروا بوجهة الغرب وفلسفته، أو أخذوا طريقة العيش الأوربي، على حد تعبير المؤرخ توينبي  وبذلك أصبحوا رصيدا في حساب أعداء الإسلام بالسلوك والتربية، لإحداث الانقلاب الجذري في حياة المسلمين من حيث علموا أو جهلوا، ومن حيث أرادوا أو انساقوا مع التيار بلا فهم ولا وعي. وقد عم هذا الأسلوب بلاد الإسلام، ومن هذه الصور ما كتبه ك. ك. برج: الأستاذ بجامعة ليدن يقول:"اضطر الأندونوس من جانبهم إلى انتجاع الجامعات الهولندية لاستكمال دراستهم. نجد أولئك المعلمين ينسفون بقوة ثقافتهم الغربية من نفوس الناس اعتقادهم بالعادات القديمة واحترامهم لها–ومعنى هذا أنهم يوهنون أساس المجتمع القديم وأساس الإسلام أيضا. 

إن تغير نزعة الشباب الأندونيسي المستنير إزاء ثقافته القديمة بتأثير التعليم الأوربي وبتأثير البيئة الهولندية يشبه ما حدث عند الشباب المصري منذ نصف قرن أو ثلاثة أرباع القرن ، ومسلك الشباب الأندونيسي إزاء التعليم الغربي يسير على مثل ما سار في مصر، يظهر الشباب عداءه للعقلية الغربية ولكنه لا يستطيع في الوقت نفسه الاستغناء عن الثقافة الغربية. وهو ينزع نزعة قومية شديدة ولكنه رغم ذلك منقطع من وجوه كثيرة- بسبب ثقافته الغربية- عن جمهور الأمة التي ولد فيها".


2- احتقار الماضي الإسلامي وتربية الأجيال تربية علمانية  لادينية  حديثة :والاتجاهات الفكرية التي حملت وزر هذا، تلك التي دعت إلى الإرتباط بالماضي التاريخي الغامض البعيد، السابق على ماضيهم الإسلامي الحي، ودعوة إحياء الحضارات القديمة ظهرت في وقت واحد في كل من تركيا ومصر والشام والعراق وشمال أفريقية وفارس والهند وأندونيسيا. يقول أحد المستشرقين: "إننا في كل بلد إسلامي دخلنا، نبشنا الأرض لنستخرج حضارات ما قبل الإسلام، ولسنا نطمع بطبيعة الحال أن يرتد المسلم إلى عقائد ما قبل الإسلام، ولكن يكفينا تذبذب ولائه بين الإسلام وتلك الحضارات".

ومن الدعوات: الفرعونية في مصر التي أطلت برأسها عند غزو نابليون لمصر عام 1897م فقد استصحب معه بعثة علمية للتنقيب عن آثار الفراعنة، وأنشأ معهد الآثار الفرعونية في حي المنيرة بالقاهرة وما يزال قائما مكانه إلى اليوم. فنشط دعاتها لغزو الأقطار بها وملأوا أبصار قارئي الصحف، وأسماع شاهدي الندوات بالدعاية لها، ورسموا رأس أبي الهول على طوابع البريد وعلى أوراق النقد واتخذه النحات محمود مختار شعارا لتمثال نهضة مصر الذي وضع نموذجه في باريس عام 1920م.

واتخذت كل كلية من كليات الجامعة شعارا لها يمثل وثنا من معبودات الفراعنة، ونقلت رفات سعد زغلول بعد وفاته بثلاث سنوات إلى ضريح بني على طراز فرعوني. وأصبحت هذه الجامعة الفرعونية دعوة انفصالية، تنزع نحو الأنانية والانطواء على النفس. وتعارض الجامعة الإسلامية والجامعة العربية. ورأت في العرب غزاة دخلاء كاليونان والرومان سواء بسواء. وتزعمت صحيفة السياسة الأسبوعية هذا الاتجاه فأفسحت صدرها لدعاته، وأعان عليه رئيس تحريرها محمد حسين هيكل في شطر كبير من حياته، إلى أن عدل من اتجاهه إلى الاتجاه الإسلامي.

واثيرت الفنيقية في لبنان، والأشورية والسومرية والبابلية في العراق، والكنعانية في فلسطين، والبربرية في المغرب، والحثية في آسيا الصغرى، وماجاباهيت الهندوكية في أندونيسيا والفارسية في إيران لعزل هذه الأجزاء عن بعضها والتفريق بينها تفريقا يحول دون التقائها في وحدة واحدة قوية. وكأن ذلك كان مبررا للدعوة العبرية اليهودية في فلسطين.

وقد عرضت المناهج – مناهج الدين والتاريخ الإسلامي بالذات عرضا منفرا مغرضا يجعلها على هامش المنهج الدراسي، مما يغرس في نفوس الأطفال والتلاميذ والناشئة عامة عدم الاهتمام بهما. ويطبعهم على الإعتقاد بعدم جدواهما دراسيا. ويرسب في نفوسهم بالتالي الاستخفاف بالدين من حيث هو سلوك وعبادات، وبالتاريخ الإسلامي من حيث هو سجل لأمجاد الأمة الإسلامية.


3- العمل على تطوير المعاهد الدينية وخاصة الأزهر في مصر: الأزهر كما نعرف أعرق المعاهد الإسلامية، بل هو أعرق جامعة في العالم كله ، وقد استطاع بفضل الأوقاف العديدة التي وقفها عليه أغنياء المسلمين خلال عصره الطويل، وبفضل ما كان يتمتع به علماءه من هيبة ومكانة ، أن يحمي العلوم الإسلامية والعربية بعيدة عن أن تمتد إليها يد الملوك والحكام بالتغيير والتبديل، وظل هذا المعهد الوحيد– بمنأى عن العبث ببرامج التعليم فيه، في حين امتدت يد المحتل الأوربي إلى كل برامج التعليم في مصر، فشكلها حسب ما تقضي به مصالحه، ورسخت مكانته حتى احتل مكانا مرموقا في العالم الإسلامي كله، يتوارد عليه الطلاب من شتى بقاعه ، ثم يعودون إلى بلادهم ينشرون فيها الوعي الإسلامي ، وينشرون معه فضل الأزهر، ويشيدون به، ويدعمون مكانته في نفوس الناس . وازدادت مكانته بعد سقوط الخلافة العثمانية فأصبح رمز الجامعة الإسلامية والقلعة الإسلامية التي حسب لها أعداء الإسلام كل حساب، وكان فيه رجال يلتهبون غيرة على الإسلام ويجابهون أعداءه في الداخل والخارج بكل جرأة. وأدرك نابليون عند غزوه مصر أهمية الأزهر فحاول استمالة علمائه، فلما فشل ضربه بالقنابل من القلعة، واتخذه اصطبلا للخيل.

من أجل ذلك كله تعرض الأزهر لمقت أعداء الإسلام ، وصب اللعنات من قبل دعاة التغريب واللادينية، حتى جعلوه رأس المشاكل الثقافية في مصر، والعقبة ونفوذ المعاهد الإسلامية الأخرى كالقرويين في فاس، والزيتونة في تونس– وتهوين مركزه، حيث وقفوا في طريق علمائه ، وحالوا بينهم وبين مراكز القيادة، ومناصب الحكم، ووظائف الإدارة ، وأشاعوا بين الناس أنهم يهدفون إلى تكريم الدين، على أن يكون الإسلام على حد تعبيرهم بعيدا عن السياسة ، وبمعزل عن الحكم، فأعفوا علماء الدين من التجنيد وأسقطوا الجهاد عمن حفظ كتاب الجهاد– القرآن الكريم– فأبعد القرآن وتعاليم الدين عن المدارس والمحاكم وسائر دواوين الحكومة. قال أحد المبشرين في كلمة له في المؤتمر التبشيري الذي عقد في القاهرة عام 1906م وهو يتساءل عما إذا كان الأزهر يتهدد كنيسة المسيح بالخطر:"إن السنيين من المسلمين رسخ في أذهانهم أن تعليم العربية في الجامع الأزهر متقن ومتين أكثر منه في غيره والمتخرجون من الأزهر معروفون بسعة الاطلاع على علوم الدين  ، وباب التعليم مفتوح في الأزهر لكل مشايخ الدنيا، خصوصا وأن أوقاف الأزهر الكثيرة تساعد على التعليم فيه مجانا، لأن في استطاعته أن ينفق على 250 أستاذا" .

ثم عرض اقتراحا يريد به إنشاء مدرسة جامعية نصرانية، تقوم الكنيسة بنفقاتها، لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة، وتتكفل هذه المدرسة الجامعة بإتقان تعليم اللغة العربية. وختم كلامه قائلا:"ربما كانت العزة الإلهية قد دعتنا إلى اختيار مصر، مركز عمل لنا، لنشرع بإنشاء هذا المعهد المسيحي لتنصير الممالك الإسلامية".

وبقي الأزهر رغم ذلك مركزا من مراكز الدعاية المعادية لبريطانية كبيرة ومتعددة الإمكانيات، وكان يدرك دوره، يظهر ذلك، في البيان الذي أذاعه شيخه الأكبر سنة1349هـ/1930م عندما اشتدت حملة فرنسا على الإسلام وعلى اللغة العربية بين مسلمي البربر في المغرب الأقصى. فجند النفوذ الاستعماري عددا حملوا لواء السخط عليه من أبناء المسلمين ، وكانت بداية ذلك سنة1343هـ/1924م عندما قامت في الأزهر حركة تدعو إلى إصلاحه، وفي عام1346هـ/1927م أخذت صحيفة السياسة تطالب:"بصبغ الأزهر بالصبغة العصرية العلمية ، وهجر طرق التدريس العتيقة". مستهدفة مؤامرة قديمة كان قد عجز عن تنفيذها الإنجليز خوفا من الهياج الديني– وجاءت الآن تحت شعار الوطنية والإصلاح تارة وبسلاح البطش والاستبداد تارة أخرى، وهذه المؤامرة تستهدف: عزل الأزهر عن الحياة، واخضاع برامجه لرقابة تضمن إفناء شخصيته وفرنجته ، بحيث يصبح الدين تبعا للحياة وذيلا لها، يتبعها ويتشكل بها بدل أن يقودها ويقومها . وسار الشيخ محمد عبده في هذ المجال شوطا عن حسن نية، وربما عن شعور بالنقص، وربما كان هذا من أهم أسباب التقدير والتمجيد اللذين حظى بهما الشيخ من المستشرقين والمبشرين، ومن كرومر عميد الاحتلال في مصر.


وجاء الدكتور طه حسين، ولطفي السيد، وأضرابهما وطالبوا أن تزال هذه الصخرة العنيفة التي تعترض الجسر الثقافي العريض الذي يمتد في أوربا إلى مصر عابرا البحر الأبيض المتوسط ، زاعمين أن مصر اكتشفت هويتها غريبة مئة بالمئة. فيصوره طه حسين أثرا من مخلفات العهود المتأخرة المنحطة ومشكلة من المشاكل التي تتطلب حلا، ويقول: " ولا بد من تطور طويل دقيق قبل أن يصل الأزهر إلى الملاءمة بين تفكيره وبين التفكير الحديث، والنتيجة الطبيعية لهذا أننا إذا تركنا الصبية والأحداث للتعليم الأزهري الخالص ولم نشملهم بعناية الدولة ورعايتها وملاحظتها الدقيقة المتصلة، عرضناهم لأن يصاغوا صياغة قديمة ، ويكونوا تكوينا قديما. فالمصلحة الوطنية العامة من جهة، ومصلحة التلاميذ والطلاب الأزهريين من جهة أخرى تقتضيان إشراف وزارة المعارف على التعليم الأولي والثانوي في الأزهر ".


وصدرت قوانين تطويع الأزهر باسم تطويره تباعا من عام 1936م/1355هـ إلى عام 1976م/1396 هـ . وتم التطويع في عهد الاستقلال وكان ثمرة من ثماره ونضرب لذلك مثلين :

أ- إلغاء القضاء الشرعي جملة وإدماج محاكمه في دوائر تابعة للمحاكم الأهلية التي قامت من أول يوم على القانون الوضعي، فقد ألغيت المحاكم الشرعية المصرية عام 1955 م– 1375 هـ .


ب- إدخال القانون الوضعي في صلب البرامج الدراسية لكلية الشريعة بجامعة الأزهر وتسميتها كلية الشريعة والقانون بموجب القانون المعروف بقانون تطوير الأزهر. وهذا عمل يقصد به تقريب الشقة بين الشريعة والقانون وحل عقدة الرفض في الرؤوس والنفوس التي يخشى دائما أن تنبعث منها قيادة جادة لحركة تحكيم الشريعة وإعادتها إلى التفرد بالهيمنة على شؤون الحياة.


وكان من أثر الانتصار في تطوير الأزهر أن تم تطويع البقية الباقية في معاهد الثقافة الإسلامية خارج مصر بسرعة إما بدوافع ذاتية وإما بقوانين إجبارية، كجامع الزيتونة في تونس، والقرويين في المغرب ، والمعاهد الدينية في الهند . وكان قد أثر عن الحاكم الفرنسي ليوطي – صنو كرومر في مصر– قوله: إذا تم لفرنسا القضاء على القرويين فقد ضمنت لنفسها الخلود في المغرب.

ورغم ذلك فقد بقيت هذه المعاهد بشيوخها وشبابها، تحمل الفكر الإسلامي الأصيل وتواصل رسالته ، وأنشئت جامعات أخرى إسلامية تحمل الرسالة كالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وجامعة أم القرى في مكة المكرمة وجامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض. وكلها تهدف إلى:


أ- تعليم الأمم الإسلامية المتأخرة في المعارف وهدايتها إلى أصول الدين وإلى فهم الكتاب والسنة ومعرفة الفقه الإسلامي وتاريخ الإسلام ورجاله.


ب- إثارة كنوز العلم التي خلفها علماء الإسلام في العلوم الدينية والعربية والعقلية وهي مجموعة مرتبطة بعضها ببعض وتاريخها متصل الحلقات.


ج- عرض الإسلام على الأمم غير المسلمة عرضا صحيحا في ثوب نقي خال من الغواشي المشوهة لجماله، وخال مما أدخل وزيد فيه من الفروض المتكلفة التي يأباها الذوق، ويمجها طبع اللغة العربية.


د- العمل على إزالة الفروق المذهبية، أو تضييق شقة الخلاف بينها، فإن الأمة في محنة من هذا التفريق ومن العصبية لهذا الفرق ودراسة أسباب الخلاف دراسة بعيدة عن التعصب تهدي إلى الحق.


هـ- تخريج الدعاة الواعين على عقيدتهم، الواعين على أوضاع أمتهم ووسائل نهضتها، وتحقيق الخير لها.


4- مهاجمة اللغة العربية والدعوة إلى العامية: اللغة العربية اختصها الله لغة للقرآن الكريم، وخصها مرة أخرى لتكون لغة أهل الجنة، وخصها أيضا لغة لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. ولذلك فقد رافقت رحلة الإسلام وانتشاره إلى مختلف أنحاء العالم الإسلامي. وبها كتب المسلمون على مختلف أجناسهم وديارهم. وأثرت تأثيرا كبيرا في اللغات الفارسية والتركية والأوردية واللغات الأفريقية في شرق أفريقيا واللغة الماليزية.

وكان المسلمون يتطلعون إلى أن تأخذ الدولة العثمانية العربية لغة للدولة. غير أن التحول الذي أصاب تركيا بعد الحرب، وتغريبها وانسلاخها من العالم الإسلامي دفعها للتخلص من الأثر العربي– فعملت على تصفية اللغة التركية من الكلمات العربية، حيث عقد عدد من المؤتمرات التي قامت بإخراج 13650 كلمة عربية حلت محلها كلمات تركية وأوربية . ففقدت تركيا تراثا ضخما يتمثل في مئات المجلدات ، في الأدب والنقد والثقافة ، التي كتبت باللغة التركية العثمانية – فضلا عن أن استعمال الأتراك للحروف اللاتينية أفقدهم تصوير الأحرف المشابهة كالفاء والحاء والصاد والضاد والظاء والعين. فإن هذه الحروف لا يمكن أن تجد في اللاتينية ما يصورها بحرف واحد يقوم مقامها.


ومنذ أن اتسع النفوذ الأجنبي في العالم الإسلامي واجهت اللغة العربية مقاومة بعيدة الأثر من اللغات الثلاث: الفرنسية والإنجليزية والهولندية. فقد قطع الاستعمار الغربي الطريق على توسع اللغة بين مسلمي العالم بالعمل على:


1- نقل كثير من اللغات إلى الحروف اللاتينية وترك الخط العربي وفي مقدمتها اللغة التركية والاندونيسية .


2- شجع لغة محلية أو أكثر في كل بلد إسلامي غير عربي لتصبح لغات قومية. وهذا طبعا يتم على حساب اللغة العربية كالأوردية والسنسكريتية والبنغالية في الهند . واللغات المحلية في أفريقيا.


3-توسيع نطاق لغته وجعلها اللغة الرسمية كما فعل في الهند الإسلامية وبنغلاديش وباكستان وفي غرب أفريقيا ووسطها وشرقها.


أما في البلاد العربية فقد عمد الاستعمار إلى الدعوة لاستخدام العامية والتحريض على جعلها لغة التأليف والكتابة. كما فعل في الجزائر ومصر وبلاد الشام والعراق وتونس والمغرب.

 واجهت اللغة العربية محاولات خطيرة كادت هذه اللغة تمحى من الأساس محوا تاما، حتى أتيح لجمعية العلماء الجزائرية وقادتها عبد الحميد ابن باديس– والبشير الإبراهيمي وغيرهما أن تعيد بناء اللغة العربية من خلال ثلاث مائة مدرسة أقيمت في المساجد على نحو بارع استطاع بأن يتحقق تحت مدافع الاستعمار وفوهات بنادقه. وكان لذلك أبعد الأثر في التحول التاريخي الذي شهدته الجزائر. وقد أشار إلى ذلك المؤرخ الفرنسي جاك بيرك حين قال: "إن أقوى القوى التي قاومت الاستعمار الفرنسي في المغرب هي اللغة العربية فهي التي حالت دون ذوبان المغرب في فرنسا" فقد حاولت فرنسا جهدها لإحلال اللغة الفرنسية مكان اللغة العربية في أقطار المغرب، بعد أن عملت على التفرقة بين العرب والبربر عن طريق الظهير البربري.

أما في مصر بلد الأزهر فقد كانت الحملة أشد. وبدأت عام 1881م/ 1299هـ حين اقترح المقتطف كتابة العلوم باللغة التي يتكلمها الناس في حياتهم العامة، من غير أن تحدث هذه الدعوة أثرا. ثم هاجت المسألة مرة أخرى1320هـ/1902م حين ألف أحد قضاة محكمة الاستئناف الأهلية في مصر من الإنجليز– وهو القاضي ولمور– كتابا سماه لغة القاهرة وضع لها فيه قواعد، واقترح اتخاذها لغة للعلم والأدب . كما اقترح كتابتها بالحروف اللاتينية . فحملت عليه الصحف مشيرة إلى موضع الخطر من هذه الدعوة التي لا تقصد إلا إلى محاربة الإسلام في لغته. وفي ذلك الوقت كتب حافظ إبراهيم قصيدته المشهورة على لسان اللغة العربية:


رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي **** وناديت قومي فاحتبست حياتي

رموني بعقم في الشباب وليتني **** عقمت فلم أجزع لقول عداتي


وفي عام 1926م/1345هـ دعا مهندس الري الانجليزي– السير وليم ولكوكس إلى هجر اللغة العربية– وترجم أجزاء من الإنجيل إلى ما سماه اللغة المصرية. ونوه سلامة موسى بالسير ولكوكس وأيده. فعاد الناس لمهاجمة الفكرة. ولكنها اكتسبت نفرا من دعاة الجديد، فاتخذوا القومية والشعبية ستارا لدعوتهم وخاصة بعد حركة الكماليين في تركيا. وساعد على انتشارها المسرح الهزلي الذي اتخذ اللهجة السوقية، ثم انتقلت إلى المسرح الجدي حين تجرأت عليه وقتذاك فرقة تمثيلية تتخذ اسما فرعونيا وهي فرقة رمسيس. ثم ظهرت الخيالة– السينما– فاتخذت هذه اللهجة. ولم يعد للعربية الفصحى وجود في هذا الميدان. ثم ظهرت هذه السوقية العامية في الأدب المكتوب فاستعملها كثير من كتاب القصة في الحوار.

وفي سياسة التعليم التي خططها  دنلوب  في مصر، واتبعها المستعمرون في أرجاء العالم الإسلامي انحدر وضع مدرس اللغة العربية بقدر ما انحدر راتبه، وأصبح مادة للسخرية يتحدث الناس عن جهله، وتخلفه، وضيق أفقه، وفقره وانحطاط مستواه الاجتماعي والفكري وأصبح مادة للتندر في القصص والروايات والمسرحيات والأفلام، وانعكس ذلك على الوضع المهين على اللغة التي يدرسها ، فأصبحت موضع الإزدراء، والتحقير والنفور. وأصبحت الشكوى مرة من صعوبة اللغة العربية، وأصبح الإنسان يقارن ذلك بما عليه مدرس اللغة الانجليزية، والنظرة إلى اللغة الانجليزية!!. وتسللت الدعوة إلى مجمع اللغة العربية – فظهرت في مجلته الناطقة باسمه سلسلة من المقالات عن اللهجة العربية العامة كتبها أحد أعضائه هو عيسى اسكندر المعلوف المعروف بعدائه للعربية الفصحى. والغريب أن هذا المجمع ضم المستشرق جب المعروف بصفته الاستعمارية، وحاييم ناعوم كبير حاخامي تركيا. وأعجب من ذلك أن عبد العزيز فهمي باشا ثالث الثلاثة الذين بني عليهم الوفد المصري 1943م/1363هـ، اقترح كتابة العربية بالحروف اللاتينية. وشغل المجمع ببحث اقتراحه عدة جلسات امتدت خلال ثلاث سنوات. ودعا خلفه توفيق الحكيم في المجمع اللغوي إلى قاعدة سكن تسلم، وتبعا لهذه القاعدة فتح الباب في البلاد العربية في كليات اللغة العربية والآداب لما سمي: التراث أو الأدب الشعبي وحضرت فيه رسائل جامعية عليا.

وقد وجدت هذه الدعوة صدى لها في بلاد الشام فمنهم المتطرف كسعيد عقل وأنيس فريحة، والمتدرج كبعض المهجريين . وقد ردت هذه الدعوى بشدة وفندت مزاعمها.


وعلى كل فقد كانت الدعوات الهدامة للغة العربية تستهدف غايتين:


أ- تفريق المسلمين، والعرب خاصة ، بتفويقهم في الدين وفي اللغة والثقافة، وقطع الطريق على توسع اللغة العربية المحتمل بين مسلمي العالم ، وبذلك لا تتم لهم وحدة .


ب- قطع ما بين المسلمين وبين قديمهم، والحكم على كتابهم– القرآن الكريم– بأن يصبح أثرا ميتا كأساطير الأولين التي أصبحت حشو لفائف البردي، أو بأن يصبح أسلوبه عتيقا باليا بتحويل أذواق الأجيال الناشئة عنه. والحكم على تراثهم كله بالموت لأن هذا القديم المشترك هو الذي يربطهم ويضم بعضهم إلى بعض.


وبقي في لبنان من يصر إلى اليوم على اللهجة اللبنانية وعلى رأٍسهم الشاعر سعيد عقل ، ويسمونها : اللغة اللبنانية. ووصل به التطرف إلى كتابة هذه اللغة بحروف لاتينية وله جريدة أسبوعية محدودة الانتشار والتأثير، تطبع بالحروف اللاتينية. وأما تمويلها فلك أن تتساءل عن مصدره.

ومنهم أيضا الشاعر موريس عواد الذي يخرج قصائده بهذه اللغة الشعبية كما يسميها ، وخرج حديثا برواية من 192 صفحة كتب على غلافها:روايي باللغا اللبناني  وقد سبقه في ذلك تجربة قام بها الشاعر المصري بدر نشأت شقيق د. كمال نشأت. ومنهم الشاعر أحمد سعيد علي، ترك الإسلام وتنصر، وغير اسمه إلى  أدونيس، وقد ركز هذا الشاعر في أشعاره على استخدام قصة مهيار الديلمي الشعوبي القديم ليخدم قضيته المعاصرة.


وعلى الإجمال فاللغة العربية تهان وتنقص من عدة جهات حاليا:


1- الروايات التمثيلية التي تحكي عبارات السوقة والعقليات الجاهلية. فتحيي ألفاظا كان يجب أن تموت مكانها وتؤذي المسامع باللهجات العامية المنكورة.


2- الزعماء الذين لا يحسنون الفصحى ويحلو لهم أن يتحدثوا إلى الجمهور ساعات طويلة. تختلط كلماتهم العربية والعامية .


3- الأشخاص الذين يقلدون المنتصر والذين ذابت شخصياتهم ذوبانا تاما، فيرون من الرأي أن يكون حديثهم بأي لغة إلا العربية.


4- ورجال المجامع الذين يرون العربية تنهار أمام ألفاظ الحضارة المحدثة ومصطلحات العلوم الكثيرة، ومع ذلك فهم لا يحركون ساكنا، مع أن العربية في خطر حقيقي.


وامتد التلاعب باللغة العربية إلى لوائح الإعلانات في الشوارع العامة وأسماء المحلات والمعارض التي تكتب بخطوط عريضة ومليئة بالأخطاء اللغوية، بعد أن أقصيت من ميادين العلوم، ولحق أدبها من تشويه وغبن في ميادين الآداب والفنون.


وبالرغم من ذلك بقيت العربية الفصحى : رباط وحدة الأمة ، وأداة ارتقاء العلم والحياة .

وفي يوم 29/7/ 1408هـ -17/3/ 1988م عقد مؤتمر اللغة العربية العالمي الأول بدعوة من جمعية نشر اللغة العربية في كراتشي تحت شعار: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . وشارك فيه ممثلون عن تسع عشرة دولة وعدد من العلماء المهتمين باللغة العربية . واستمر مدة ثلاثة أيام .


وتضمنت أعماله خمسة محاور هي :

1- دور اللغة العربية بوضعها أداة ربط بين الدول الإسلامية .

2- التنسيق والتعاون في تعليم اللغة العربية بالدول الإسلامية .

3- إسهام غير العرب في نشر اللغة العربية .

4- وسائل وتقنيات مختلفة في تعليم اللغة العربية .

5- دور القرآن الكريم في نشر اللغة العربية بين المسلمين .


وقد صدر عن المؤتمر التوصيات التالية :

1- تأسيس اتحاد عام للجمعيات التي تعمل على نشر اللغة العربية في الأقطار العربية والإسلامية .

2- دعوة الدول العربية والإسلامية إلى تشريع قانون للحفاظ على سلامة اللغة العربية .

3- دعوة الدول العربية للحفاظ على الحرف العربي في الكتابة ليظل التواصل قائما بين اللغة والدين .

4- دعوة الدول العربية إلى تخصيص منح دراسية للطلبة المسلمين الناطقين بغير العربية .

5-دعوة الدول العربية إلى تزويد الجمعيات والمدارس والجامعات المعنية بتدريس اللغة العربية بالكتب والأشرطة وما يلزم ذلك .

6- الاهتمام بالبحث التربوي في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها .

7- تبادل الوفود والزيارات العلمية بين الجمعيات والمدارس المهتمة بهذا الموضوع .

8- دعوة الدول الإسلامية إلى إيجاد برامج تعليمية باللغة العربية في وسائل إعلامها المرئية والمسموعة والمقروءة .

9- قيام جمعية نشر اللغة العربية في كراتشي بجميع المناهج المؤلفة في هذا المجال من المؤسسات العلمية كافة .

10- قيام الجمعية باعداد دليل بأسماء الجمعيات والمراكز والهيئات التي تعني بنشر اللغة العربية .

11- الدعوة إلى جعل اللغة العربية من المقررات الرئيسية في المدارس الثانوية في الدول الإسلامية .

12- مناشدة الصحف في الدول الإسلامية تخصيص صفحة عربية في كل واحدة منها .

13- قيام الجمعية بطبع بحوث هذا المؤتمر في كتاب وتوزيعه .

14- مناشدة الدول والمؤسسات والمحسنين بتقديم الدعم المالي لهذه الجمعية لتتمكن من أدا رسالتها .

15- اعتماد الأعضاء المشاركة في هذا المؤتمر أعضاء عاملين في جمعية نشر اللغة العربية .

16- عقد مثل هذا المؤتمر في كل عامين في إحدى الدول العربية أو الإسلامية ونظرا لدور المملكة العربية السعودية الريادي في نشر اللغة العربية يأمل المشاركون أن تتبنى احدى الجامعات السعودية عقد المؤتمر القادم .

17- دعوة الحكومة الباكستانية الموقرة إلى تبني هذه التوصيات عن طريق الاتصال بالدول العربية والإسلامية .

18- تشكيل لجنة متابعة لهذه التوصيات من قبل الجمعية وعرض نتائج المتابعة في المؤتمر القادم بإذن الله .


5- اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية من الغرب :

وجدت المدارس الأجنبية في بلدان العالم الإسلامي ، وأطلق غلاة المبشرين والقساوسة وأضرابهم في وضع برامج التعليم لمدارسهم ، حتى أن الموضوعات العلمانية التي تعلم من كتب غربية وعلى يد مدرسين غربيين تحمل معها الآراء النصرانية.

والواقع أن الاستعمار كان حريصا على توجيه التعليم لتخريج طائفة من المتعلمين يخدمون صالح الحكومة والشركات، ويهدف أساسا إلى القضاء على الثقافة الإسلامية بالطعن فيها وإثارة الشكوك من حولها والشبهات في أعماقها .

فسيطر على المدارس الوطنية – التي تضم عامة أبناء الأمة ممن يقدرون على التعليم – عن طريق رجاله وعملائه الذين تولوا وضع المناهج الجديدة والسهر على تنفيذها وخدمة أغراضها القريبة والبعيدة كالخطة التي رسمها كرومر في مصر ونفذها القس الإنجليزي دنلوب وتلاميذه من بعده ، ولا تزال لها آثار وذيول سيئة تطبع بعض جوانب التعليم المصري ومقلديه في العالم العربي المسلم. فقد  استطاع أن ينزع من برامج التعليم الدين وروح الأدب العربي وتاريخ الإسلام وصلة مصر بالعرب والعربية ثم أدخل في برامج المدارس أن مصر فرعونية . وفي كل وحدات العالم الإسلامي نجد الهدف نفسه قد أعد بصورة أخرى ففي الهند الإسلامية يحاول التعليم التركيز على الحضارات الوثنية، وفي تركيا يجري الاهتمام بالتاريخ الطوراني وأمجاد جنكيز خان. وفي أندونيسيا يركز على تاريخ ما قبل الإسلام وكلها محاولات للقضاء على العوامل الجامعة للعالم الإسلامي.

وحرض النفوذ الاستعماري أن يجعل من جامعاته ومعاهده مصدرا لتخريج القادة والحكام في العالم الإسلامي . فقد أوصى المؤتمر التبشيري المنعقد عام 1906م/1324هـ في القاهرة– بوجوب إنشاء جامعة علمانية على نمط الجامعة الفرنسية لمناهضة الأزهر والذي قالوا عنه : إنه يهدد كنيسة المسيح بالخطر. واتبع الانجليز سياسة تتفق مع مثلهم المشهور: " Slow but Sure " أي " بطيء ولكنه أكيد المفعول".

فعين اللورد كرومر أول معتمد بريطاني على مصر المستر دنلوب  القسيس المبشر مستشارا لوزارة المعارف المصرية. فكان في يده السلطة الفعلية الكاملة، ففتح مدارس جديدة تعلم العلوم الدنيوية مهملة الدين، ويعين خريجوها في دواوين الحكومة. وأما خريج الأزهر فكان لا يجد عملا، وإذا وحده ففي إقامة الشعائر في المسجد، وفرق في الراتبين كبير. فأصبح لا يذهب للأزهر إلا الفقراء الذين يعجزون عن دفع مصاريف المدارس الحديثة, وطبعا هذه السياسة نفسها التي اتبعها الانجليز في الهند المسلمة. وفي الأقطار الإسلامية الأخرى التي ابتليت باستعمار الانجليز .

ولذلك حرصت الجامعات منذ إنشائها على اقتباس الأنظمة والمناهج اللادينية ، فحين قام سعد زغلول ولطفي السيد وزملاؤهما في مصر بإنشاء الجامعة المصرية كان النص الأول من شروط إنشائها: هو ألا تختص بجنس أو دين بل تكون لجميع سكان مصر على اختلاف جنسياتهم وأديانهم فتكون واسطة الألفة بينهم . فخلت الجامعة من علوم الإسلام .

ويقول اللورد لويد ممثل بريطانيا في مصر في حفل كلية فكتوريا بالاسكندرية عام 1926م:"إن أبناء هذه الكلية من ثمانية أجناس أو تسعة أجناس مختلفة.. كل هؤلاء لا يمضي عليهم وقت طويل حتى يتشبعوا بوجهة النظر البريطانية " فهو يكشف عن الغاية من التعليم البريطاني– خلق جيل يؤمن بانجلترا ويتعاطف معها مغضيا عن استعمارها ونفوذها في بلاده. والجامعة الأمريكية في بيروت معروفة الأهداف والمرامي.

كان التعليم الحديث علمانيا منذ البداية ، وتعدى الأمر المناهج إلى أسلوب التربية وفلسفة السلوك فقد طبق الاختلاط بين الذكور والإناث في معظم جامعات العالم الإسلامي  وأدخلت التقاليد الغربية المنافية للإسلام في صلب النظام الجامعي، أو شيدت في إطاره معاهد عليا للرقص والتمثيل والنحت والموسيقى باسم براق– الفنون الجميلة– فقد قال قاسم أمين: "لعل أكبر الأسباب في انحطاط الأمة المصرية تأخرها في الفنون الجميلة– التمثيل والتصوير والموسيقى". وقد أصبح في مصر وفي غيرها من أقطار العالم الإسلامي جيوشا من هؤلاء فماذا كانت النتيجة؟!

وأدخلت أنظمة التعليم الإسلامي – العلوم– بصورتها الغربية المعادية للدين دون تفريق بين دين ودين ، صحيح أن الاستعمار فرض تلك الأنظمة فرضا ولكنها لا تزال بعد رحيله كما كانت أو أشد بل أنها لتطبق في بلاد لم تطأها لمستعمر قدم كتركيا . ودخلت الأفكار الغربية في هذه المناهج:فالفرويدية تجدها مقررة في أقسام علم النفس في الجامعات قاطبة على أساس أنها نظرية علمية . وإن لم يذكر فرويد. والداروينية ، تدرسها مناهج العالم الإسلامي على أنها حقيقة علمية في مواد كثيرة كالأحياء والتاريخ الطبيعي وعلم الأرض سواء ذكر داروين أو لم يذكر. وفي أقسام الاجتماعيات تدرس نظرية دور كهايم بل يدرس علم الاجتماع بأكمله على المنهج الغربي المبني على أساس لا ديني .

وفي أقسام الكيمياء والفيزياء والفلك والطب...تدرس مناهج محشوة بايحاءات فلسفية أو وثنية، في العبارات المسمومة مثل: المادة لا تفنى ولا تستحدث . خلقت الطبيعة هكذا. هيأت الطبيعة.

وكذلك تعمد المناهج إلى تفسير الزلازل والبراكين وسقوط النجوم والكسوف تفسيرا ماديا صرفا– فكل المناهج تتصف بالطابع المادي .

وأما المقررات الأدبية البحتة فنجد أنها فاقت المقررات العلمية ، فصيغ التاريخ في قالب غربي مقسم إلى ثلاثة عصور كبرى :العصور القديمة ، والعصور الوسطى ، والعصور الحديثة .

وكلها تبين أهمية الحضارة الأوربية وتغفل الحضارة الإسلامية المميزة. كما تخفي هذه المناهج الاستعمار الأوربي وخاصة في العالم الإسلامي . والعالم الجديد . وتظهر الأوربيين بمظهر رسل الحضارة، وأهل الفكر والعلم. وأن الحضارة الأوربية هي خلاصة الحضارات وأهمها، ولا تتقدم الأمم إلا باحتذائها، وأخذها .

كما حشيت مقررات التاريخ بدسائس المستشرقين وسموم المبشرين وكتبت بأسلوب شديد التأثير بالأساليب الغربية التي تفسر التاريخ تفسيرا ماديا أو فلسفيا خاصا أو اقتصاديا ، وكتب التاريخ الإسلامي على شكل سلسلة عنيفة من الصراعات والدسائس والفتن وأغفلت الدعوة الإسلامية تماما، ودور المسلمين في الرقي البشري، وما قدمته الحضارة الإسلامية في انتشال الأمم من وهدة الجهل والانحطاط والجاهلية.

ونجد في كتب التاريخ إحياء الثغرات الإقليمية الجاهلية وعرضها من زواياها البراقة التي تغري باعتناقها والإعتزاز بها والإهتمام بمعرفته كما حدث بالنسبة لتاريخ الفراعنة والأشوريين والسومريين والبابليين والفنيقيين والكنعانيين وغيرهم. وأخطر من هذا أن المناهج تقوم بنصب مثل عليا جديدة أمام أجيال المتعلمين المسلمين فتعرض لهم تاريخ أوربا وحياة أبطالها وعلمائها ومذاهبها الفلسفية والاجتماعية ونظرياتها العلمية بطريقة لامعة جذابة ليتم استقطاب المسلمين عن دينهم بإحدى الطريقتين:


أ- الاعتزاز بما قبل الإسلام وفي هذا فرقتهم وتباعدهم .


ب- طريق الفناء في الحضارة الغازية وفي هذا محوهم وردتهم ، وحتى مادة المطالعة فكأنما هي ملخص موجز للغزو الثقافي الغربي إذ تحوي موضوعات منوعة يجمعها الإعجاب بالغرب وتمجيد حضارته ورجالها والإقليمية والطبقية، وتخلو من التصورات الإسلامية والقيم الإيمانية إلا قليلا.


6- استيراد المذاهب اللادينية في الفكر والأدب: كان من أخطر الأدوات العصرية التي اعتمد أعداء الإسلام عليها الصحافة باعتبارها أكثر شيوعا وأبعد تأثيرا سواء كانت محلية أو مستوردة مجلوبة من وراء البحار والحدود ، تحمل للمسلمين قيما جديدة وتحفل بضروب من الأفكار المخربة وأحاديث الجنس الفاضحة والصور العارية والقصص البذيئة والمقالات والبحوث التي تتناول كثيرا من المقدسات بالنقد والتجريح في غير ما حرج.

وليس من قبيل الصدف أن تنشأ الصحافة في بلاد الإسلام على يد النصارى ففي مصر قلب العالم الإسلامي نشأت الصحافة على يد الموارنة النصارى، فدار الأهرام لآل تقلا، ودار الهلال لآل زيدان، ودار المقطم لآل صروف. وازدهرت هذه بحماية الحراب الانجليزية ، وعاثت فسادا وتشويها لكل القيم في ظل الاحتلال.

يقوب جب : " وللوصول إلى هذا التطور البعيد . . يجب ألا ينحصر الاعتماد على التعليم في المدارس – بل يجب أن يكون الاهتمام الأكبر منصرفا إلى خلق رأي عام والسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على الصحافة ". ثم يقول: "الصحافة هي أقوى الأدوات الأوربية وأعظمها نفوذا في العالم الإسلامي ".

وبالصحافة سارت النهضة الفكرية والأدبية الحديثة مسارا غريبا حتى آل الأمر إلى الواقع الفكري والأدبي المعاصر، فنقلت الدارونية والفرويدية إلى مجال الأدب بطريق الترجمة أولا ثم الدراسة المستفيضة، كما استورد المسلمون المذاهب الفكرية الحديثة مثل الإلحاد والشك واللاأدرية واللامعقول. فعملوا بذلك على تفريغ الكلمة العربية والحرف العربي من مدلوله ومعناه باسم الرمزية وباسم العقل الباطن وباسم القاموس الخاص بالمفكر أو الأديب. وتعرض الأدب إلى ظاهرة التقسيم والتجزيء .

وكان من ضمن القائمين بهذه الحركة إسماعيل حمد أدهم(ت1353هـ/1940م) وهو مستعرب من أصل مزيج تركي روسي، كان على صلة بالاستشراق الروسي. وجاء إلى مصر من تركيا بعد إعلان العلمانية وحاول نشر الإلحاد فيها: فألف رسالة صغيرة عنونها : لماذا أنا ملحد ؟ وطبعها في مطبعة التعاون بالاسكندرية بين فيها أنه من جماعة: المجمع الشرقي لنشر الإلحاد.

وأما اسماعيل مظهر(ت1382هـ/1962م)فقد ركز على فكرة الدراونية والأصل الحيواني للإنسان في مقالاته فيقول بخبث وتلاعب بالألفاظ: "اكتفت الأديان بالقول بأن الغاية من خلق الإنسان والجن هي أن يعبدوا الله، فكرة حسنة ولكنها غير صحيحة، إذ لو صح هذا ، إذن لاعتقد بجانبه بأن الله في حاجة لأن يعبده الإنس والجن! ولظهر النظام الكوني في مجموعه بمظهر شيء ما خلق ليعضد الحياة الإنسانية التي يجب أن تسخر لعبادة الله ، وهذا في معتقدي أبعد الأشياء عن أن يكون الغاية من وجود الإنسان".

وتحرر منصور فهمي(ت1378هـ/1958م) في أطروحته:  حالة المرأة في التقاليد الإسلامية وتطوراتها بإشراف المستشرق اليهودي ليفي برول  من الإلتزام بحقيقة الوحي في تفسير سلوك النبي صلى الله عليه وسلم وعلاقاته وتشريعاته. وطرح الشيخ علي عبد الرازق قضية العلمانية لأول مرة في صميم الفكر الإسلامي في كتابه الإسلام وأصول الحكم، ولا ترجع خطورة الكتاب لدقته في البحث ، فالكتاب يمتاز بجمال أسلوبه أكثر من امتيازه بالتزام المنهج العلمي ، فهو يعتمد على المستشرقين فيما لا يوثق بهم فيه ، ويفرط تفريطا ظاهرا في الرجوع إلى المصادر العربية الأصيلة على كثرتها وأهميتها وتوافرها. ويكثر من وضع الفرضيات التي تنقلب بعد قليل عنده إلى نظريات مسلمة، وهو جريء وعنيف في مصادمة عواطف الناس وفي تحدي مشاعرهم وفي التشكيك الساخر أحيانا– فيما تطمئن إليه نفوسهم دون أن يقدم الأدلة القوية الواضحة على ما يذهب إليه . وقد صدر الكتاب في ظروف إسلامية حرجة بعد سقوط الخلافة العثمانية . وخطورة الكتاب في الواقع تكمن أنه استند لأول مرة في التاريخ الفكري الإسلامي لتبرير العلمانية ضمن إطار الإيمان الديني ذاته وليس من منطلق العلمانية الخالصة المنافية للدين. وفي هذا تكمن خطورة أفكاره.

كما أصدر الدكتور طه حسين كتابه في الشعر الجاهلي عام 1345هـ/1926م مستخدما منهج الشك الديكارتي والنقد التاريخي الأوربي في غربلة الروايات والنصوص الدينية بما في ذلك آيات القرآن الكريم . وهنا تكمن خطورة هذا الكتاب وليس في مجرد تشكيكه بمصادر الشعر الجاهلي . ومن هذا المنطلق كان طه حسين يؤكد وقتها أن العلم في ناحية والدين في ناحية أخرى وأن التوفيق بينهما محال.

واستمرت أفكار الغرب المنحرفة تظهر في الأدب العربي من إسماعيل مظهر إلى لطفي السيد ومنصور فهمي وأمينا لخولي وطه حسين إلى صادق جلال العظم، تخفى بعضهم تحت أقنعة البحث العلمي أو التمذهب الأدبي حتى لا يصدم مشاعر المسلمين فتنصرف عن إنتاجه وبعضهم هاجم مشاعر المسلمين وعقيدتهم بكل جرأة وصراحة، بل أن بعض الأدباء في محاضراتهم وكتاباتهم زيفوا التاريخ ووضعوه في إطار عجيب من الأفكار المتناقضة المنحرفة كجورجي زيدان في رواياته عن تاريخ الإسلام. والدكتور لويس عوض المستشار الثقافي للأهرام إذ جعل– في محاضراته بمعهد الدراسات العربية– المعلم يعقوب العميل الذي استغله المحتل الفرنسي في غزو نابليون مصر بداية القومية المصرية والكفاح القومي، وهو نفسه الذي كون فيلقا لضرب الشعب المصري وتحطيم ثورته ونهب أمواله . كما يعتبر الحملة الفرنسية هي بداية تاريخ مصر القومي وتحريرها، ويشيد الدكتور عوض بمحاكمة الفرنسيين لسليمان الحلبي قاتل كليبر ، ويفسر الصراع أثناء الحملة الفرنسية بأنه بين قوتين أجنبيتين: الفرنسيون والأتراك. الأول يحمل مباديء الثورة الفرنسية ويسعى لإيقاظ القومية المصرية، والثاني يختص بكل الموبقات والصفات الكريهة .

كما وضع السيد عمر مكرم ومحمد الكريم والمحروقي وحسن طوبار وسليمان الحلبي في كفة والجنرال يعقوب وفرط الرمان في كفة أخرى على قدم المساواة بل يفضل من كان في جانب فرنسا لأنهم يمثلون حسب رأيه الجانب الأفضل لأنهم كانوا مع التطور.. مع التاريخ .. مع بعث القومية.. فيعقوب هو حامل بذور القومية المصرية. ويستحق أن يوضع كما يقول الدكتور : مع محمد علي وعلي بك الكبير وعبد الناصر لأنهم كانوا جميعا أدوات في يد هذا الشعب العظيم!! .

وفي المسرحيات تمسخ القيم والمبادئ ففي مسرحية لعبد الرحمن الشرقاوي مثلا:لم يذكر من أهداف المقاتلين الجزائريين شيئا من الإسلام والعروبة – بل يعري الثورة الجزائرية من حقيقتها حين يصر على أن أهدافها: الحرية– الإخاء – الأمن والحب – وحياة أفضل – بل ويجعل البطلة الفرنسية العاهرة سيمون هي بطلة القصة – مات زوجها في الهند الصينية فجاءت إلى الجزائر لتقوم بأهم عمل ثوري في المسرحية– وتنشد هذه : من أجل فرنسا ما أصنع ! وتتعانق مع هند الجزائرية .

ويشتد في المسرحية الحرص المبالغ فيه على كرامة فرنسا وشرفها، وإظهار الحنان المسيحي من الفرنسيين– أما الإسلام فلا شيء في حياة الثورة الجزائرية . إلا للجواسيس والمجانين. والمسرحية تحجب طبيعة الحرب الصليبية التي تشنها فرنسا ممثلة الغرب الصليبي ضد الثورة الإسلامية الجزائرية وجهادها.

وظهرت أيضا الأفكار الغربية المنحرفة عند الشعراء وخاصة شعراء العراق كالرصافي والزهاوي . فامتلأ ديوان جميل صدقي الزهاوي(1355هـ/1936م) بالأفكار الإلحادية التي لا تخرج في جملتها عن نظرية دارون فمن رباعياته:                                        

ما نحن إلا أقرد **** من نسل قرد هالك

فخر لنا ارتقاؤها **** في سلم المدارك


وكان من نتيجة شيوع هذه الأفكار في الفكر والشعر والصحافة التمهيد لانتشار الأفكار المادية ولا سيما الشيوعية وتغذيتها بروح الشك العام في كل شيء تقريبا حتى أصبح الشباب المتعلم في العالم الإسلامي فريسة الشكوك القاتل والوساوس الشيطانية فانتظم كثير منهم في صفوف المنظمات اليسارية أو القومية وغيرهما من الأحزاب اللادينية لا سيما بعد الحرب العالمية الثانية حتى أصبحت الاشتراكية موضة العصر كما يقولون .

فبعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا عام 1917م/1336هـ تحولت للاهتمام بالشرق وأسست الأممية الثالثة عام1919م/ 1338هـ وهو التاريخ الذي اتخذ منه اليساري اللبناني يوسف يزبك تقويما جديدا محل التاريخين الميلادي والهجري . وقد انحصرت الأفكار الشيوعية قبل ذلك في نطاق العلمانيين النصارى ، ثم بدأت تتسلل في أوساط المتعلمين المسلمين على نطاق ضيق أولا فقام الكاتب المصري مصطفى حسنين المنصوري(ت1946م/ 1348هـ) بتأليف كتابه تاريخ المذاهب الاشتراكية ليصبح بهذا العمل أول اشتراكي مسلم في العالم العربي . وتأسس الحزب الاشتراكي المصري عام 1920م/1339هـ. وترجم خالد بكداش زعيم الحزب الشيوعي السوري البيان الشيوعي عام 1933م/1352هـ .

وبدأت أفكار القومية تغزو المسلمين بمفهوم علماني على أيدي النصارى أولا إلى أن تبناها ساطع الحصري1880– 1968م / 1298– 1388هـ  الذي أنكر أن يكون الدين عنصرا في القومية، وتكونت الأحزاب ذات الأفكار المستوردة كالحزب القومي السوري عام 1932م/ 1351هـ وتبلور حزب البعث عام 1940م/ 1359هـ .

وساهمت المذاهب الأدبية مع المذاهب الفكرية في انزلاق المسلمين إلى التردي الفكري فالرومانسية وجدت لها صدى في روايات جرجي زيدان التي شوه فيها التاريخ الإسلامي ليحاكي الرومانسيين الانجليز، وترجمت أعمال معظم أدباء أوربا المشهورين من شكسبير إلى تولستوي ومع أن بعضها روائع إنسانية فقد كان الاتجاه الإباحي هو الطاغي على الترجمات كما في أعمال الكسندر دوماس وأميل زولا وأناتول فرانس. وظل الاتجاه الإباحي يسيطر على حركة الترجمة تقريبا تحت ستار الواقعية حتى الحرب العالمية الثانية. ثم ظهرت أصدار اللامعقول على أثر نضوجها في الغرب حينذاك . كما ظهرت الكتابة الأسطورية التي اتخذها سارتروكامو أسلوب التعبير عن فلسفة الضياع والعبث، إلا أنهما استخدما أساطير اليونان، أما العرب أمثال طه حسين  في على هامش السيرة وعلي وبنوه وتوفيق الحكيم في أهل الكهف وزينب.  فقد استخدموا التاريخ الإسلامي والقصص القرآني .

وقد أسهمت وسائل الإعلام – من صحافة وتلفزيون وإذاعة ومسرح التي يدير معظمها أناس علمانيون– اسهاما قويا في تنمية الاتجاه الإباحي في الفكر وتعميمه وبالتالي في هبوط الأدب أسلوبا ومضمونا كما في كتابات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وشيعتهما نثرا، وأعمال نزار قباني وزمرته شعرا .

وظهرت شعارات علمانية تطالب بفصل الأدب عن الدين بل عن الأخلاق ، فنجد شعارات: الفن للفن، الأدب غير الملتزم، والأدب للشعب، والأدب للواقع. ومن الذين نادوا بفصل الأدب عن القيم الدينية سلامة موسى .

وكما برزت الوجودية في انتاج أنيس منصور والماركسية في كتابات نجيب محفوظ، برز الاتجاه الضائع الناهج نهج اللامعقول في شعر بدر شاكر السياب العراقي والشاعر اللبناني الملقب أدونيس واسمه الأصلي أحم سعيد علي والذي تنصر.

والاتجاه إلى اللامعقول لم يفض إلى الثورة على الأدب الأصيل في مضمونه ومحتواه بل تعداه إلى الشكل والأسلوب فظهر ما يسمى بالشعر الحر الذي بدأه باكثير وبدر شاكر السياب بترجمة الشعر الأوربي إلى عربية منثورة، بعد الحرب العالمية الثانية في الوقت الذي كان يتسلل فيه إلى العالم العربي صراخ وعويل من ركام أوربا شعرا ونثرا وقصصا ملأى بالثورة والنقمة والشبق وبكل ما يدهش ويثير.

ومن الذين اشتهروا بهذا الشعر نزار سليم وحسين مروان وبلندر الحيدري وعبد الوهاب البياتي ورفعت الجادرجي وحسين مروان في العراق ونزار قباني في الشام ومحمود درويش في فلسطين المحتلة .

يقول الشيخ محمد الغزالي : بعد أن أورد هذا الشعر. ودعك من أضغاث الأحلام التي ينقلك إلى جوها هذا الكلام المفكك ، ودعك من تقطع الروابط العقلية بين هذه الألفاظ المتصيدة فهي كما قيل : سمك ، لبن ، تمر هندي . .

ولكن الشيء الذي لا تدعه والذي يثير انتباهك حتما هو جراثيم الاستدمار الثقافي أو الغزو الصليبي الذي سيطر على هذا الشاعر الهائم ، فهو في القاهرة المدينة المعروفة بشمسها الزاهية، ومآذنها السامقة وصبغتها الإسلامية الأولى ، ولكن التبعية الفكرية والنفسية الغالبة على هذا الشخص التائه جعلته لا يرى إلا الغيوم وأبراج الكنائس والرهبان القلقين ورنين النواقيس وكأنه في لندن أو روما لا في مصر.

وقد لجأ بعض الأدباء إلى الغوص، بهدف تسميم أفكار الشباب باسم الحداثة التي أحيطت بهالة إعلامية كبيرة . وهي مذهب فكري غربي ، تلت الرمزية في الظهور ، ووجد هذا المذهب من يدعو إليه في عالم الإسلام،

ويدعو إلى تغيير وظيفة اللغة الوضعية بإيجاد علاقات لغوية جديدة تشير إلى مواضع لم تعهدها من قبل. وتغيير وظيفة الحواس من طريق اللغة الشعرية بحيث لا يستطيع القاريء أو السامع أن يجد المعنى الواضح المعهود في الشعر الرمزي ، بما يحويه من تمرد الشعر على التراث  وعلى الماضي، وقطع أية صلة له مع المباديء الأخلاقية والدينية . . .

ومن هؤلاء الكتاب: أدونيس المنظر الفكري الأول للمحدثين العرب، وصاحب كتاب  الثبات والمتحول  الذي وصفه بعضهم بأنه انجيل الحداثيين . وقد ركز فيه على رموز الإلحاد والزندقة وأهل البدع في التراث، واعتبرهم أهل المعاناة في سبيل حرية الفكر وتجاوز السائد. ومنهم محمد جبر الحربي، ومحمد التبيتي ، وعبد العزيز المقالح ، والبياتي، وصلاح عبد الصبور، وحسين مروة الأب الروحي للحزب الشيوعي اللبناني والذي قتل في لبنان، وعبد الله العروي، ومحمد عابد الجابري، وأمل دنقل، وبدر شكر السياب، ومحمود درويش ، وأحمد الربيعي ، وقاسم حداد. وغيرهم.

واستبعد الحداثون العرب الدين من معاييرهم وموازينهم ، إلا أن يكون ضمن ما يسمونه بالخرافة والأسطورة . فهم يسعون من خلال الغموض إلى إنشاء وإيجاد واقع فكري جديد منفصل ومقطوع عن واقع الأمة الفكري، وعن ماضيها العلمي والعقلي والأدبي ، في الشكل والمضمون . فهم يحطمون الإطار العام للغة العربية لتحويلها مع الزمن – من خلال استبدال مفرداتها وتراكيبها ومعارفها – إلى لغة جديدة لا صلة لها باللغة العربية الفصحى المعروفة ، تماما كما حصل للاتينية التي تحولت بهذه الطريقة إلى لغات متعددة.

وقصائد أهل الحداثة وكتاباتهم لا تخلو من الحط من الدين ، والنيل من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، والحط من القرآن الكريم ، والتاريخ . ومن نشر الرذيلة، وسوء الخلق ، والترويج للأفكار الهدامة . كما في قصائد من ذكرنا من أسماء.

إن ما وصل إليه حرب الفكر هذا أكبر وأشد من القتل لأنها فتنت أجيالا متتابعة من المسلمين ولا تزال – فتنة عارمة وتركتهم على الردة الصامتة البالغة غاية الفكر حين دثروها لهم بثوب زور ودلسوها عليهم باسم التقدم والحضارة ثم بلغت الغفلة غاية مداها حين قابل المسلمون ذلك بالإقبال وكان خليقا أن يستثير فيهم عزائم النزال والجهاد .

ورغم هذه الأعراض الفكرية التي غلبت على واقع المسلمين اليوم، إلا أن الفكر الإسلامي الأصيل بقي حيا وشق طريقه في أوساط الأمة بأصالته حتى اضطر أصحاب الأباطيل أن يغيروا وأن يبدلوا في أساليبهم بل أن ينحنوا في كثير من الأوقات أو أن يتراجعوا عن أفكارهم.