القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

الاستعمار وحركات التحرر في إفريقيا وآسيا : الاستعمار الأوربي في جنوب إفريقيا

 












الاستعمار وحركات التحرر في إفريقيا وآسيا 


 الاستعمار الأوربي في جنوب إفريقيا


Colonialism and liberation movements
 in Africa and Asia
 European colonialism in South Africa

يقع هذا البلد في أقصى جنوب القارة الإفريقية، يحده ناميبيا من الشمال الغربي وبوتسوانا وزيمبابوي من الشمال، وموزمبيق وسوازيلاند من الشمال الشرقي، أما لوزوتو فتقع أراضيها داخل تراب جنوب إفريقيا، أما باقي حدودها فتقع على المحيط الهندي والأطلنطي.

     مساحتها 1,22  كم2، تمتد في وسطها صحراء كلهاري التي تصل أطرافها الغربية إلى دولة ناميبيا. عاصمتها بريتوريا، بلغ عدد السكان سنة 2017: 56,88 مليون نسمة. وهم موزعون على الشكل التالي: 80 في المائة زنوج- 9 في المائة بيض- 9 في المائة مولدون- 2 في المائة أسيويون.

     اللغة الرسمية هي الأفريكانية(هولندية مع تأثيرات البانتو وكلمات ألمانية وإنكليزية) والإنكليزية إلى جانب اللهجات الإفريقية الكثيرة. العملة هي: Rand أهم مورد هو الذهب والماس والأورانيوم... تعتبر أول قوة اقتصادية في القارة، اقتصادها الأكثر تجهيزات بمعدات حديثة تغطي كل البلاد.

المناخ متوسطي، لكنه يختلف فصوله عنا، إذ هي معاكسة لفصولنا الأربعة.


تاريخ استعمار المنطقة

     كان البرتغاليون أول من وصل بزعامة بارثليميودياز(Bartholomew Diaz)، الذي حل بالكاب سنة 1488 وسماه رأس العواصف. ثم جاء الهولنديون سنة 1652، واحتل فان بريك الكاب نيابة عن شركة الهند الشرقية الهولندية وصدروا القمح والخمور.

     وفي منتصف القرن الثامن عشر ثار السكان وطردوا حكام الشركة بسبب الإفلاس. وفي سنة 1688 وصل الهوغونوت الفرنسيون المطرودون واستقروا بالمنطقة. وفي سنة 1814 استولى البريطانيون على المنطقة بموجب معاهدة فينا مقابل تعويضات مالية بلغت ستة ملايين جنيه لهولندا.

     وفي سنة 1820 جاء الآلاف من الإنكليز للاستيطان، ووقع الصراع على الأرض مع الهولنديين البوير الذين أرغموا على الهجرة(Grand Trek 1837-1850)، وتتبعهم الجيش البريطاني، وكلما كونوا مستعمرة أخذها منهم الإنكليز، وكانت حرب البوير الأولى 1880-1881، وفي السنة الأخيرة عقد الصلح بين الطرفين واعترف باستقلال ذاتي للترنسفال. ثم كانت حرب البوير الثانية 1899-1902 واستنجد الجيش البريطاني بقوات من مصر بقيادة كيتشنر. وهُزم البوير وطلب كروجر الصلح الذي تم في ماي 1902 في بريتوريا. وتم جمع المستعمرات الأربع: الكاب- النتال- الترنسفال- الأورنج. ليتكون منها "اتحاد جنوب إفريقيا."

 

بريطانيا العظمى سيدة البحار التي لا تغيب عنها الشمس

     كانت بريطانيا أول دولة ظهرت بها الثورة الصناعية، بينما كانت بقية الدول الأوربية تعيش مشاكل داخلية، لذلك فإن التطور الصناعي هو الذي وجه أنظار بريطانيا إلى المجال الاستعماري.

     كما أن رجال الأعمال البريطانيين كانوا يعتقدون في تفوقهم عن غيرهم، وأنهم الأولى بقيادة العالم(الأنكلو- سكسون)[1] ورأوا في التوسع الاستعماري طريقا لتحقيق مهمتهم في رفع مستوى الشعوب الأخرى، وأن ذلك ضروري لبناء الإمبراطورية الكبرى، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.

     وفي سنة 1880 لم تكن إفريقيا تمثل سوى محطة في الطريق إلى الهند وأستراليا. وابتداء من سنة 1882 بدأ اهتمام بريطانيا بإفريقيا وبخاصة بعد احتلالها لمصر والاحتكاك بالمسألة السودانية.

وقد تأثرت الحكومة البريطانية برجالها في إفريقيا أصحاب المال مثل: سيسل رودس في جنوب إفريقيا- ماكينون في شرق القارة- هاري جونسن في نياسالاند وغولدي في نيجيريا. فمالت إلى بناء إمبراطورية في إفريقيا، كما أن مؤتمر برلين زاد من رغبتها في الاستيلاء على المناطق المذكورة، وكانت جنوب إفريقيا من أهم هذه المستعمرات.

     وأثناء الوجود البريطاني في جنوب إفريقيا توافدت طوائف من الأسيويين للعمل فيها وبخاصة في منتصف القرن التاسع عشر، وهم من العمال الهنود وتلاهم التجار وأصحاب المهن من طبقات مختلفة ومستويات متباينة مما أدى إلى التنافس بين القادمين الجدد والبوير.

     لم يُسمج لهؤلاء القادمين بالتمتع بحق المواطنة وبخاصة قانون 1895. كما مُنع الهنود من الانتقال من مكان إلى آخر إلا بتصريح كتابي، ولا يعتبر زواجهم قانونيا إلا إذا اعتمدته حكومة نتال بعد تسجيله بواسطة مندوب حكومة الهند للهجرة في جنوب إفريقيا. وقد قاوم الهنود هذه السياسة العنصرية، وكان غاندي(1893-1914) على رأس المقاومين مما أدى إلى سجنه مرارا.


تأسيس النظام العنصري

      في سنة 1909 خرجت بريطانيا من جنوب إفريقيا وسلمت الحكم للأقلية البيضاء في أراضي المستعمرات التي تكون فيها اتحاد جنوب إفريقيا. وفي سنة 1910 أصبحت البلاد دومينيون بريطانية.

     وفي الخامس من جوان 1918 ظهرت مؤسسة أفريكانية (L’afrikaner broederbords) في جوهانسبورغ، وهي مؤسسة سرية نشأت بهدف تجميع وتدعيم السكان الأفريكانيين، وهم البيض ذوي الأصول الهولندية والفرنسية والألمانية والإسكندنافية. كان هدفها أيضا التقسيم بحسب الأعراق الإثنية للشعوب.

     في سنة 1912 تأسس حزب العمال على أساس عنصري. وفي 1/7/1914 ظهر الحزب الوطني تحت إشراف الجنرال هرتزوق(Hertzog) ويضم البيض فقط. اعتمد على الفلاحين من إقليم الأورانج وعلى الأفريكانيين الخائفين من التوجه الحكومي نحو بريطانيا، وخوفا على لغتهم وثقافتهم، والقلقين على وظائفهم في المدن بعد مجيء هجرات من السود. دخل الحزب البرلمان سنة 1915 ب 27 نائبا، وبذلك رُتب بعد حزب جنوب إفريقيا(54 مقعدا) والحزب الاتحادي(40 مقعدا).

     وفي سنة 1924 تآلف حزب العمال والحزب الوطني لمواجهة السود. وفي 26 ماي 1948 حاز الحزب الوطني على أغلبية مقاعد البرلمان، كان يرأسه دانيال مالان(المؤسس) وهو قس الكنيسة الهولندية الإصلاحية. وأصبح وزيرا أول، وضع أسلوبه السياسي الأبارتيد(L'apartheid). وفي سنة 1949 صدرت عدة قوانين عنصرية للتقسيم جغرافيا وسياسيا واجتماعيا، أولها منع الزواج المختلط.


سياسة التمييز العنصري

     التمييز العنصري هو سياسة ذات نظرة عنصرية تجاه الآخر، وهي تعني تفوق الأبيض على الأسود، وهذا ناتج عن إحساس الجنس الأبيض بتفوقه حضاريا على غيره من الأجناس. (مهارة- لغة مكتوبة- وسائل دفاع مناسبة- دين سماوي- كتاب مقدس..)

     بدأت هذه السياسة في جنوب إفريقيا منذ استقرار البيض بها في القرن السابع عشر. وهي تعني هنا عزل الأفارقة عن المجتمع الأبيض في أراض خاصة بهم حفاظا على الوجود الاستعماري، وخوفا من ثورة السود يوما ما نظرا لكثرتهم.. ويطلق على هذه الظاهرة تسمية أبارتيد. بدأت بوادرها سنة 1913 وتشددت بظهور حكومة الحزب الوطني سنة 1948. وفي سنة 1950 ظهر قانون مناطق الجماعات الذي أعطى الحكومة سلطة تقسيم البلاد إلى ثلاث منطق: البانتو- الأوربيون- الملونون. وقسمت المدن نفسها –مثل جوهانسبورغ- إلى مناطق للبيض وأخرى للسود، قاسى فيها السود ألوانا من الاضطهاد المنظم بقصد الإفناء.

     وقد شملت سياسة التمييز العنصري مختلف جوانب الحياة العامة: في التعليم والكنيسة وحق الانتخاب والتمثيل والتملك وحرية التنقل والسكن والعمل والاقتصاد والأرض.

     وقد أصدر الحزب الوطني الحاكم أكثر من مائتي قانون وإجراء، وكرس ما كان قد سبق ذلك منذ عام 1933. وهي تقضي بأن يعيش العنصران الأسود والأبيض كلا في مناطق مختلفة ومحددة لا يحق لإحداها تجاوزها. وفي سنة 1950 تعززت التفرقة العنصرية في ميدان السكن في المنطقة الأوربية بوضع قوانين تتعلق بالصفقات التجارية في المنطقة الأوربية. وفي سنة 1953 ظهر قانون التفرقة في الأماكن العامة وآخر بشأن النقل العمومي عام 1955 قد أمكن تطبيق مبدأ التقسيم الجغرافي عن طريق الرقابة الشديدة وحظر التجول من منطقة إلى أخرى دون جواز مرور مسبق.

     وكان شعار الحزب الوطني: لنبق أغنياء وليخدمنا الآخرون ويأكلون من فتاتنا." وجاء في بيان الحزب الوطني ما يلي: "يجب الإبقاء على الأوضاع القبلية وحماية مصالح البيض... وليس أمامنا إلا أحد أمرين: إما أن نندمج مع الأفارقة، وسيكون ذلك انتحارا قوميا للبيض على المدى الطويل، وإما أن نمارس الأبارتيد.

في 1915 احتلت جنوب إفريقيا جنوب غرب إفريقيا(ناميبيا) الألمانية (ألمانيا عدو بريطانيا). في 1961 سميت جمهورية جنوب إفريقيا وانسحبت من الكومنولثCommonwealth of Nations) ) ويرمز لها بـ(CN).


الحركة الوطنية في جنوب إفريقيا

     لم يتوان سكان جنوب إفريقيا عن النضال والمقاومة ضد جيوش الاحتلال الأوربي منذ وطئت أقدامهم  الأوربيين الأراضي الإفريقية، وقد قام شعب الزولو بحركات مقاومة رغم الأسلحة البسيطة التي كان الأفارقة يملكونها في مواجهة أسلحة متطورة فتاكة.

    وفي سنة 1882 تشكلت أول هيئة منظمة تضم مجموعة من المثقفين سمت نفسها: "رابطة المثقفين الوطنيين." وكان مقرها بمدينة الكَابْ، وهي أول بذرة لحزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" الذي سيظهر بعد حين. وكانت مطالبهم هي النضال ضد مختلف مظاهر التمييز العنصري، وقد تخرج قادة هذه الحركة من مدارس المبشرين الأوربيين الذين تشبعوا بالأفكار الإنسانية على الطريقة المسيحية الأوربية.

     وكانت آخر ثورة لشعب الزلو قد اندلعت سنة 1906 بزعامة مامْباتا ضد مختلف أشكال العنصرية للسكان البيض، وكانت نهاية الثورة مأساوية أدت إلى مقتل ما يزيد عن ثلاثة آلاف(3000) إفريقي. وأهم الأحزاب الإفريقية التي كان لها الدور الأساس في التحرر من النظام العنصري هو:

أ-حزب المؤتمر الوطني الإفريقي(Africain National Congres)

     تشكل هذا الحزب رسميا في 18 جانفي 1912 للمطالبة بحق المواطنين الأفارقة في المساواة بينهم وبين البيض، وتطوير أوضاعهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وقد ضم الحزب مجموعة من نخب الأفارقة كالمحامين والزعماء القبليين والبرجوازيين ورجال الدين. وقد نشط زعماء الحزب من أجل المساواة بين سكان جنوبي إفريقيا مهما كانت أصولهم وألوانهم. ومن نشاطاتهم أنهم زاروا لندن وقابلوا وزير المستعمرات البريطاني وقدموا له مذكرة تتضمن مطالبهم من حكومة جنوبي إفريقيا مذكرين بما قدموه من خدمات للبريطانيين في مواجهة البوير.

    واحتج هؤلاء –عند زيارتهم للندن وفرساي سنة 1918- على نظام توزيع الأراضي، وطالبوا بإلغاء نظام بطاقات المرور وطالبوا بحق الأفارقة في الحصول على الوظائف والأعمال. واتبع الحزب سياسة المهادنة والطرق السلمية لتحقيق الأماني الوطنية، ولجأ إلى الطرق الدستورية كتقديم العرائض والمقترحات وإرسال الوفود إلى لندن وبريتوريا للمفاوضة السلمية.

     وفي سنة 1942 قام شباب حزب المؤتمر بمحاولة لإخراج الحزب عن جموده، فأسسوا "رابطة الشباب" التي قادها مناضلون أمثال أوليفر تامبو[2] ونلسن مانديلا. هدفهم العمل الجاد ورفض سياسة التعقل والمهادنة.

     وفي سنة 1945 نظمت الرابطة مظاهرة كبيرة جمعت عشرين ألف إفريقي لمناهضة السياسة العنصرية لنظام الحكم. وفي سنة 1948 حاول المناضلون تكوين جبهة من الأفارقة لمناهضة تشريعات ميلان رئيس الوزراء التي كان القصد منها الحد من نضال الأفارقة، وعقد اجتماع في 18/12/1948 ضم زعماء حزب المؤتمر والاتحاد التجاري الصناعي، تمكن على إثره الثمانية ملايين إفريقي من انتخاب مستر سام كاهن كأول نائب إفريقي لبرلمان جنوب إفريقيا ضمن الثلاثة من البيض الذين يمثلون الوطنيين في البرلمان.

     وفي أوائل سنة 1949 قام الأفارقة بإضراب كبير واجهته السلطات الحاكمة بالعنف، مما أدى إلى مقتل ثمانية عشر إفريقيا، وتجددت المظاهرات في 26 جوان من السنة نفسها بتضامن مختلف الفئات والاتجاهات المعادية للعنصرية في جبهة واحدة.

     وفي سنة 1952 نظم حزب المؤتمر مظاهرة بزعامة نلسن منديلا، وهو أحد شباب الرابطة، مما أسفر عن سجن تسعة آلاف مواطن، ووصل في هذه الفترة من انضم إليه حوالي عشرة آلاف مواطن. وفي سنة 1955 تحالف حزب المؤتمر مع رابطة الهنود الديمقراطيين ورابطة الملونين واتحاد النقابات غير العنصري، وسموا تحالفهم هذا بـ "ميثاق الحرية"، وقد أعلنوا ما يلي:

1-جنوب إفريقيا ملك لكل السكان.                          

2-جميع الأفراد متساوون في الحقوق والواجبات.

3-ضرورة سيادة السلام والمحبة بين جميع أفراد السكان.   

4-المطالبة بإعادة توزيع الأراضي.

5-إنشاء حكومة من البيض والسود.                         

6-ضرورة الالتزام بمبدأ تكافؤ الفرص.


     وواجهتهم حكومة البيض بالاعتقال وفرض الإقامة الجبرية والقتل. وفي سنة 1960 نظمت القوى الوطنية مظاهرة سلمية في مدينة شاربوفيل(Sharpeville) القريبة من جوهانسبورغ، تدخلت فيها قوات البيض في عهد الحزب الوطني وأطلقت النار على المتظاهرين مما أدى إلى مقتل سبعين منهم، فثار الوطنيون في جهات مختلفة أعقبتها حوادث دامية.

     وقد تحول حزب المؤتمر في هذه الفترة -1960- إلى العمل السري بقيادة الرئيس ألبرت لوتولي(1898-1967)، وكان والتر سيسولو هو الأمين العام للحزب آنذاك. وأرسل الحزب دُعاته إلى الخارج لكسب مزيد من الدعم والمساندة وبخاصة من الدول الإفريقية المستقلة. أما نلسن مانديلا فقد قاد الجناح المسلح في الحزب الذي يدعى بـ "رمح الوطن."

    وفي سنة 1961 قام الأفارقة بإضراب عام، وتحول المضربون إلى ثوار التجأوا إلى الجبال وحملوا السلاح. وقامت منظمة رمح الوطن بحملة عنيفة ضد مصالح البيض. ودعا مانديلا الشعب إلى الثورة لتحقيق طموحاته. وفي سنة 1962 تم إيقافه وسجنه، وفي سنة 1964 حكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة الخيانة العظمى.

     وقد قامت منظمة الوحدة الإفريقية بدور مهم لدعم كفاح شعب جنوب إفريقيا ضد الأقلية العنصرية. وهذا منذ تأسيسها سنة 1963. وقد عقد الحزب مؤتمراته في البلدان المجاورة وبخاصة في دار السلام عاصمة تانزانيا حيث مقر لجنة تحرير إفريقيا، والتي تتكون من 15 دولة مكلفة بالتنسيق للمساعدة المقدمة من قبل الدول الأعضاء، وهي تسهر على خلق الوئام والتعاون والتضامن بين المنظمات المسلحة والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسيء إلى قضية التحرر. وقد أقام الحزب مكاتب له في البلدان الإفريقية الصديقة وقام باتصالات مع الاتحاد السوفييتي وشعوب العام الحر المحبة للسلام والعدل.

أما الأحزاب الأخرى فهي: -الاتحاد التجاري الصناعي (1919)- -الحزب الشيوعي(SACP)- (1921) -اتحاد كل الأفارقة(عموم الأفارقة) -1919.


نهاية حكم الأبارتيد

     منذ تأسيس اتحاد إفريقيا الجنوبية في مطلع القرن العشرين تواصل النضال ضد النظام العنصري من قبل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وحزب إفريقيا الجنوبية الشيوعي(SACP) وحزب المؤتمر الهندي لجنوب إفريقيا، الذي اتبع الطريق السلمي على طريقة غاندي مؤسس حزب المؤتمر الهندي للنتال سنة 1894، إلى جانب حزب عموم الأفارقة الذي انضم إليه بعض البيض المعارضين للعنصرية.

     ووقفت البلدان الصديقة تدعم النضال ضد العنصرية وبخاصة المجاورة منها. فعندما استقلت أنغولا سنة 1975، بدعم من الإتحاد السوفييتي، عملت على مساعدة التنظيمات المعارضة لنظام جنوب إفريقيا، إلى جانب زامبيا وزيمبابوي. وسميت هذه البلدان بدول الطوق، التي سمحت بإقامة مراكز للتدريب على الكفاح المسلح على أراضيها.

     وفي جوان 1976 نظم تلاميذ سويتو مظاهرات اصطدمت بالشرطة، وطالت الأزمة حتى شهر فيفري من السنة الموالية 1977، أدت إلى مقتل 575 شخصا. في هذه الفترة تدخلت دولة جنوب إفريقيا في قضية أنغولا لتوجيه الأنظار إلى خارج حدودها.

     وكانت قضية التمييز العنصري قد عُرضت على الأمم المتحدة في 8-11-1955، وبعد نقاش دام أسبوعين وافقت اللجنة السياسية للجمعية العامة للأمم المتحدة على الاقتراح الذي تقدمت به 17 دولة أفرو-أسيوية، نصت التوصية على أن تسمح حكومة جنوب إفريقيا للجنة الثلاثية المعينة من قبل الأمم المتحدة لبحث موقف الأجناس في دولة جنوب إفريقيا والتعاون معها. وقد قدمت اللجنة تقريرا سلبيا حول نظام جنوب إفريقيا، وطلبت من الأمم المتحدة ضمان الحقوق السياسية لسكان الأراضي جنوب غربي إفريقيا.

     وقد تواصل دعم الأمم المتحدة والشعوب المستقلة لحركات التحرر عامة ولجنوب إفريقيا بخاصة، وصدرت عدة قرارات جهوية وأممية تطالب بمقاطعة النظام العنصري. وفي جوان 1964 أدان مجلس الأمن نظام الأبارتيد وأمر بدراسة العقوبات اللازمة ضد جنوب إفريقيا. وفي نوفمبر 1977 صدر قرار أممي يدعو إلى منع بيع الأسلحة لجنوب إفريقيا.

     وأمام إصرار الحركة التحررية على مواصلة الكفاح المسلح من جهة وازدياد الضغط الدولي على نظام جنوب إفريقيا من جهة أخرى، بدأ التفكير في إدخال إصلاحات على هذا النظام من قبل حكومة النظام نفسه. فقد أدت سياسة التمييز العنصري المتواصلة إلى ظهور معارضة داخلية قوية وبخاصة بعد أن تأثر الوضع السياسي والاقتصادي لجنوب إفريقيا نتيجة العزلة الدبلوماسية والعقوبات المسلطة عليها.

     ففي منتصف الثمانينيات ظهر تيار لبرالي يطالب بإصلاحات جذرية، واقترح ممثلوه المساواة مع السود بشرط احتفاظ البيض بالحكم. في هذه الظروف اضطر الرئيس بيير بوطا إلى الاستقالة من زعامة لحزب الوطني في 2 نوفمبر 1989 محتفظا برئاسة الدولة. وقد فاز بالمنصب فريديريك دوكليرك أمام منافسيه الأربعة.[3]

     وفي 13 مارس اتفق الجميع(داخل الحزب الحاكم) على أن يصبح دوكليرك رئيسا للجمهورية وفي سبتمبر 1989 جرت انتخابات تشريعية فاز فيها الحزب الوطني بالأغلبية المطلقة(95 مقعدا من بين 165) على الحزب المحافظ والحزب الديمقراطي. واتضحت سياسة التفتح في الحكم الجديد على الوطنيين الأفارقة للخروج من الحصار الذي تضربه الأمم المتحدة والدول الكبرى.

وفي أكتوبر 1989 تم إطلاق سراح عدة زعماء من المعارضة، والمسجونين منذ سنة 1963، منهم والتر سيزيلو(ANC) وأحمد كاترادا(شيوعي).

-وسُمح لحزب المؤتمر بإقامة تجمعاته في سويتو(Soweto)

- إنشاء 14 منطقة سكنية متعددة الأجناس في عدة مقاطعات.

-تم رفع الحظر عن الأحزاب السرية(َANC-Pac-SACP).

-التخلي عن حكم الإعدام، والإفراج عن المعتقلين السياسيين منهم نلسن مانديلا(75 سنة) في 11-2-1990.

-ومن جهته أعلن ANC عن إرادته في فتح المفاوضات مع الحكومة.

-في ماي 1990 التقى الزعيمان في(Groode Schuur) للحوار بمشاركة عدة زعماء من المعارضة.

-تعهدت الحكومة بتحرير المعارضين وعودة المنفيين وإنهاء حالة الطوارئ.

-تمسك مانديلا بمبدأ دولة وحيدة يسيرها رجل واحد ولها صوت واحد.

-تمسك دوكليرك بمنطق الجماعات الإثنية، حفاظا على الهوية الأفريكانية، ورفض المجال الشامل في دولة موحدة.

-في 6 أوت 1990 أعلن(ANC) عن تخليه عن الكفاح المسلح، وفتح الحوار الرسمي بين الطرفين.

-في سبتمبر 1990 فتح الحزب الوطني صفوفه لغير البيض.

-ألغيت القوانين العنصرية في النقل والأماكن العامة.

وتواصل الإلغاء من مارس إلى جوان من سنة 1991.

-في مارس 1992 وقع استفتاء للبيض حول السياسة الجديدة، فصوت لصالحها 68,7 في المائة لصالح سياسة الإصلاح.

-اعتبرت مرحلة 1990-1993 كمرحلة انتقالية نحو الديمقراطية. -في ماي 1993 فاز نلسن مانديلا برئاسة الدولة في مواجهة دوكليرك. -في 22 ديسمبر 1993 صادق البرلمان على الدستور الجديد الذي يلغي سياسة العنصرية.

-كانت نتيجة الانتخابات التشريعية كالتالي:

حزب المؤتمر الوطني(ANC) فاز بـ 63 %.   الحزب الوطني(NP): 20 %.  حزب الإنكاتا: 10 %. الحزب الديمقراطي: 2 %.  البقية: 5 %.

     وهكذا تحرر شعب جنوب إفريقيا بفضل نضاله الطويل الذي قاده زعيمهم نلسن مانديلا عندما كان حرا كما كان له دور مهم وهو في السجن حيث أصبح رمزا للنضال ضد العنصرية. فقد مكث 27 عاماً في السجن، في جزيرة روبن آيلاند أولاً، ثم في سجن بولسمور وسجن فيكتور فيرستر.

     وبالموازاة مع فترة السجن، انتشرت حملة دولية للضغط على حكومات البيض العنصريين، من أجل إطلاق سراحه، الأمر الذي تحقق في عام 1990 وسط حرب أهلية متصاعدة، صار بعدها مانديلا رئيساً لحزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وقاد المفاوضات مع الرئيس دو كليرك لإلغاء الفصل العنصري وإقامة انتخابات متعددة الأعراق في عام 1994، تلك الانتخابات التي فاز فيها حزب المؤتمر.

     وعندما انتخب مانديلا رئيساً شكل حكومة وحدة وطنية في محاولة منه لنزع فتيل الصراعات العرقية. كما أسس دستوراً جديداً  ولجنة للحقيقة والمصالحة من أجل التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي. واستمر شكل السياسة الاقتصادية الليبرالية للحكومة، وعرضت إدارته تدابير لتشجيع الإصلاح الزراعي ومكافحة الفقر وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الصحية. [4]



 

[1] سلم الحضارة في زعمهم يجري على الشكل التالي: 1-البريطانيون. 2- الأمريكيون. 3-الشعوب السكسونية. 4- الشعوب اللاتينية. 5-الأسيويون والأفارقة.

[2](1917-1993). Oliver Tambo

[3] هم: جان كريستيان(وزير التنمية الدستورية)- بيك بوطا(وزير الشؤون الخارجية)- قيريت فيلجوان- بارند بليسيس(وزير المالية).

[4] الرؤساء: نيلسن مانديلا(1992-1999)- تامو مبيكي(1999-2008)- جاكوب زوما(2009-2018).