القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

الاستعمار وحركات التحرر في إفريقيا وآسيا : مؤتمر برلين و تقسيم القارة الإفريقية

 


الاستعمار وحركات التحرر في إفريقيا وآسيا 
 مؤتمر برلين و تقسيم القارة الإفريقية


 مؤتمر برلين و تقسيم القارة الإفريقية

     يعتبر القرن التاسع عشر قرن التوسع الاستعماري في القارة الإفريقية، التي تسابقت إليها البلدان الأوربية لكسب الأراضي واستغلال مواردها لخدمة بلدانها التي كانت تشهد تطورا ملحوظا في مختلف مجالات الحياة. ومن أجل التخفيف من الصراع بينها عقدت مؤتمر برلين الذي انتظمت بعده الحركة الاستعمارية في القارة الإفريقية.

     انعقد مؤتمر برلين في الفترة الواقعة بين شهري نوفمبر 1884 وفيفري 1885، بمدينة برلين عاصمة ألمانيا بهدف تنظيم استعمار القارة الإفريقية بين البلدان الاستعمارية الأوربية. وتتمثل أسباب انعقاد المؤتمر في أسباب غير مباشرة وأخرى مباشرة:

أولا: الأسباب غير المباشر لانعقاد مؤتمر برلين


تتمثل فيما يلي:

-الصراع العلني بين الدول الأوربية حول القارة الإفريقية.

-سعي الأوربيين إلى بناء إمبراطوريات أوربية واسعة.

-الرغبة في تحقيق الأمجاد القومية.

-تطبيق نظريات التمييز العنصري لسيادة الرجل الأبيض.

ثانيا: الأسباب المباشرة لانعقاد مؤتمر برلين

     يعود السبب المباشر لعقد مؤتمر برلين إلى الأطماع البلجيكية بزعامة ملكها ليوبولد الثاني،[1] الذي كانت له طموحات واسعة في التوسع والاستعمار منذ كان أميرا وعضوا في مجلس الشيوخ البلجيكي(1860)، إلا أنه لم يجد دعما من أي جهة بلجيكية، لأن البلجيكيين كانوا يرون أن موارد بلادهم  لا تكفي لسد نفقات الحملات الموجهة لكل من إفريقيا وآسيا، وأنه لا يمكن لبلجيكا أن تكون لها مكانة أكبر مما هي عليه، فاعتمد على نفسه في تحقيق حلمه، وواصل محاولاته بعد أن تقلد مهام العرش سنة 1865.

     ومن بين محاولاته قيامه بالاتصال ببعض الرحالة الأوربيين في إفريقيا. أولهم ستانلي، الذي كان صحفيا ورجل أعمال، وكانت رحلاته إلى القارة الإفريقية عبارة عن مشروعات تجارية. وقد اهتم ليوبولد الثاني ملك بلجيكا بمشروعات ستانلي. فكر أولا في بلاد فرموزا ثم الفلبين ثم المغرب والكامرون والصين، وأخيرا اتجه نظره إلى الكونغو. ففي سبتمبر من سنة 1876 قام بجمع مؤتمر في بروكسل للجغرافيين الدوليين.

     شارك في المؤتمر سياسيون ومستكشفون إلى جانب الجغرافيين، بهدف تسهيل استكشاف القارة وحماية أهلها من تجارة الرقيق. حاول ليوبولد الثاني بهذه الطريقة تحقيق أهدافه الشخصية في السيطرة مُظهرا اهتمامه الإنساني.

     وقد حمل اسم "المؤتمر الجغرافي العالمي." ثم تألفت "الجمعية الدولية لكشف إفريقيا وإدخال الحضارة إليها." هذه الجمعية التي أرسلت عدة بعثات إلى شرق إفريقيا في بحيرة تنجانيقا تحديدا، حيث تم إنشاء محطة بلجيكية في كريما على بحيرة تنجانيقا، لكن سرعان ما صرفوا النظر عنها.

    كان من أبرز الموظفين في الجمعية السير هنري مورتون ستانلي -وهو إنكليزي الأصل- دعاه ليحضر أحد اجتماعات اللجنة في 25-11-1878، وعلى إثر ذلك تكونت "لجنة دراسة الكونغو الأعلى." ثم أصبحت تدعى جمعية الكونغو الدولية، وتكلف الملك بدفع رأسمالها البالغ 40 ألف جنيه من ماله الخاص، وأصبح رئيسها لمدة سنة. وعمل على أن تعترف بها دول العالم، فكانت الولايات المتحدة الأمريكية أول من اعترف بالجمعية في نوفمبر 1882 ثم تلتها دول أخرى(مثل بريطانيا)، باعتبارها دولة إفريقية مستقلة ذات سيادة باسم دولة الكونغو الحرة سنة 1885 لها علمها الخاص،[2] ويقوم بإدارتها الملك ليوبولد.

     سافر ستانلي عدة مرات إلى الكونغو وعقد 500 معاهدة مع الشيوخ والرؤساء المحليين. وأرسل الملك حملات عسكرية إلى أبعد مسافة ممكنة وفي كل الاتجاهات، (وتأسست مدينة ليوبولد فيل عام 1882.)

     وقد تم إنشاء عدة محطات تجارية(22 محطة على نهر الكونغو وفروعه) بعد عقد معاهدات مع الزعماء الوطنيين بغرض استغلال خامات حوض الكونغو الغنية(المطاط).[3]

 

 

الموقف الأوربي من الأحداث

أ-تفطنت فرنسا إلى الأهداف الحقيقية للرابطة الدولية للكونغو، وهو الحصول على أقاليم شاسعة في القارة. وكانت فرنسا تملك الأراضي المحيطة بمصب الغابون منذ عام 1858، وتمتد إلى أقاليم الكونغو وأقاليم الأوبانجي. وكان الإيطالي الذي تجنس فرنسيا –سافورينسان دي برازا- يعمل لاستكشاف هذه المناطق منذ 1875 واستعمل الطرق السلمية بالتقرب من السكان، وأعلن خضوع الأراضي الواقعة على ضفتي النهر للحماية الفرنسية.

     أما ستانلي فقد ترك الساحل وتوغل نحو الداخل، وقابله دي برازا سنة 1880، ووقع تنافس بين الرجلين والدولتين(فرنسا وبلجيكا) في أوربا، ووقع اتفاق بين الطرفين.


   ب-أثار هذا الحَدث حفيظة البرتغال التي قامت لتذكر العالم بحقوقها التاريخية على سواحل الكونغو، لأنها أول من كشف مصب النهر في القرن الخامس عشر. ودعمتها بريطانيا بغرض مد نفوذها بدل البرتغال العاجزة  ماليا. واتفقت الدولتان في 26 فيفري 1884 على أحقية البرتغال في الاستيلاء على إقليم الكونغو وحرية الملاحة الدولية في نهري الكونغو والنيجر.


     ج-وأمام عقد هذه الاتفاقية وخوف فرنسا على مصالحها، وقع تقارب بين فرنسا وألمانيا –رغم عدائهما التقليدي- واتفقتا يوم 17 أوت 1884 على المطالبة بعقد مؤتمر دولي لإفشال ما وقع الاتفاق عليه بين بريطانيا والبرتغال بخصوص منطقة الكونغو، ووَضْع الأمور في نصابها، ورفضت فرنسا وألمانيا ادعاءات البرتغال، وبناء على هذا لم تصادق بريطانيا على الاتفاقية، وتمت مراسلة دول العالم آنذاك لحضور هذا المؤتمر.


انعقاد مؤتمر برلين


     وافقت الدول الأوربية على الاقتراح الألماني بعقد مؤتمر دولي لحل مسائل النزاع في إفريقيا، والجلوس على مائدة المفاوضات من أجل تنظيم القارة بشكل لا يُحدث التعارض والتصادم العسكري بينها.

     وهكذا اجتمع المؤتمرون في برلين في الفترة من 15 نوفمبر 1884 إلى 26 فيفري 1885 بحضور أغلب الدول الأوربية (ألمانيا- النمسا- بلجيكا- الدنمرك- السويد- اسبانيا- البرتغال- إنكلترا- فرنسا- روسيا- إيطاليا- تركيا) باستثناء سويسرا ودول البلقان، كما حضرت الولايات المتحدة الأمريكية.

     عقد المؤتمر عشر جلسات كاملة، وانتهى إلى إصدار قرارات في شكل ميثاق عام يتضمن 28 مادة، وقعه مختلف ممثلي الدول المشاركة ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية. وأهم القرارات المتوصل إليها هي:


1-حرية التجارة في حوضي الكونغو والنيجر، أي التوسع في عملية حرية التجارة ككل في أواسط إفريقيا، رغم معارضة فرنسا والبرتغال اللتان سعتا إلى تضييق حدود التوسع قدر الإمكان.


2-حرية الملاحة في نهري الكونغو والنيجر، وهذا لجميع الدول وحتى في حالة الحرب(محايدة كانت أم معادية).


3-الاحتلال الفعلي وشروطه:

أ-عدم إعلان دولة ما حمايتها على منطقة ما دون أن تعلم بذلك الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق.

ب-عدم إعلان دولة ما حمايتها على منطقة ما من القارة دون أن تؤيد هذه الحماية باحتلال فعلي لها.


4-إنشاء دولة الكونغو الحرة: وقد عهدت حكومتها للملك البلجيكي، وبذلك اختفت الرابطة الإفريقية.


5-مسائل أخرى: تم التطرق إلى مواضيع أخرى في المؤتمر وفي الكواليس، منها إعلان تحريم تجارة الرقيق، بأن تسعى هذه الدول لتجنيد كل إمكانياتها لوضع حد لها ومعاقبة مرتكبيها؛ لأنها منافية لمبادئ القانون الدولي(فيينا 1815)، كما عولجت قضايا أخرى في مباحثات جانبية بين أعضاء الوفود.


نتائج مؤتمر برلين

     كان مؤتمر برلين تتويجا لجهود القوى الكبرى لتنظيم السيطرة على القارة الإفريقية. وهو ثمرة من ثمرات الدبلوماسية الأوربية في صراعها على القارة. وقد تمت معظم أعمال التقسيم خلال وبعد المؤتمر، الذي أسفر عن تغيير ملامح الخريطة السياسية لقارة إفريقيا.

     وهكذا توزعت مناطق النفوذ في إفريقيا على الشكل التالي:


1-منطقة النفوذ الفرنسي: وتشمل بلدان شمال غرب إفريقيا وإفريقيا الغربية وإفريقيا الوسطى الاستوائية.

2-منطقة النفوذ البريطاني: وتشمل غامبيا وسيراليون وساحل الذهب ونيجيريا في غرب إفريقيا بالإضافة إلى جنوبي إفريقيا وشرقها وشمالها الشرقي.

3-منطقة النفوذ البلجيكي: وتشمل حوض نهر الكونغو بأكمله.

4-منطقة النفوذ الألماني: وتشمل الطوغو والكامرون وجنوب غربي إفريقيا في الغرب، وطانجانيقا ورواندا وبورندي في شرقي القارة.

5-منطقة النفوذ البرتغالي: في غينيا البرتغالية(بيساو) وأنكولا وإفريقيا الشرقية (موزمبيق).

6-منطقة النفوذ الأسباني: الصحراء الغربية- الريف وإيفني المغربيتين – غينيا الاستوائية.

7-منطقة النفوذ الإيطالي: وتشمل ليبيا- أريتريا- الصومال.


آثار مؤتمر برلين


     -هكذا قسم مؤتمر برلين القارة الإفريقية إلى أشلاء لإشباع أطماع الدول الأوربية المستعمِرة التي عملت على استغلال القارة ماديا وبشريا طيلة عقود من السنين.

     -لم يَعْنِ المؤتمر مطلقا بحقوق المواطنين الأصليين لهذه البلاد، فلم يَنُص على احترام أملاكهم أو عاداتهم أو حسن معاملتهم، أي أن المؤتمر اجتمع دون حضور ممثلي إفريقيا الذين قسمت بلدانهم بين تلك الدول، وتحولت القارة إلى وحدات قزمية صغيرة.

     -تعتبر الوحدات السياسية المكونة اليوم بحدودها الحالية هي أثر من ذلك التقسيم الجائر، الذي لم يُراع المقومات الجغرافية أو البشرية التي تساعد على البقاء والاستمرار كوحدة سياسية؛ حيث لم تنته آثار المؤتمر المسيئة باستقلال المستعمرات، بل ما تزال تلاحق الدول الإفريقية وذلك في صورة النزاعات الحدودية البغيضة.

    -قد شهدت القارة الإفريقية في الفترة من 1885 حتى 1902 سباقا محموما بين الدول الأوربية الغربية لاحتلالها وتقسيمها فيما بينها؛ فجاءت الشركات التجارية والبعثات التبشيرية والحملات العسكرية لإثبات ملكية بلادها لمناطق مختلفة.

بعد تطبيق إنشاء دولة الكونغو الحرة وجد ليوبولد صعوبات ميدانية، فاضطر إلى جمع مؤتمر دولي في بروكسل في 18-11-1889 نتج عنه تحريم تجارة الرقيق. واتخذ قرارات إعطاء اللون الإنساني لعملية الغزو الأوربي للقارة الإفريقية.    

    -كان ممثلو الدول الأوربية يحصلون على توقيعات رؤساء القبائل على نماذج مطبوعة بالترغيب حينا وبالترهيب في أحيان أخرى كثيرة، مع جهل غالبية الزعماء الأفارقة للقراءة والكتابة وبخاصة اللغات الأجنبية. وكانت توقيعاتهم تتمثل غالبا في إشارة + أو ×.

-لقد تغيرت خريطة القارة السياسية في أقل من عشرين سنة بعد مؤتمر برلين. ففي سنة 1902 لم يبق خارج السيطرة الاستعمارية سوى أجزاء بسيطة منها تساوي 8 % من مساحة القارة، تشمل(ليبيريا- إثيوبيا- المغرب الأقصى- ليبيا).      –وأصبحت سبع دول أوربية تسيطر على القارة بعد أن اقتسمتها فيما بينها: بريطانيا- فرنسا- البرتغال- إيطاليا- إسبانيا- ألمانيا- بلجيكا.

 

 



[1] حياته(1835-1909)

[2] قطعة قماش أزرق تتوسطه نجمة ذهبية.

[3]نظرا للمشاكل التي كانت تتخبط فيها حكومة الكونغو بدأت بلجيكا العمل على ضمها منذ سنة 1891 باحتكار تجارتها. وارتكبت الحكومة البلجيكية أشد أنواع القسوة ضد السكان لتنفيذ برنامجها المتمثل في تحقيق الأرباح من موارد البلاد الغنية(المطاط)، ووقعت احتجاجات دولية. وفي 1908 وافق البرلمان على إنهاء دولة الكونغو الحرة واعتبار الكونغو مستعمرة بلجيكية تديرها الحكومة(إحسان حقي: إفريقيا الحرة بلاد الأمل والرخاء، المكتبة التجارية للطباعة والنشر، بيروت لبنان، طبعة 1962، ص: 65.)