القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

اللسانيات التطبيقية - ماهيتها خصائصها موضوعاتها و مجالاتها -



 - اللسانيات التطبيقية -

 ماهيتها خصائصها موضوعاتها و مجالاتها


 اللسانيات التطبيقية : تقديم

استطاعت اللسانيات في إطار التطور المعرفي الذي توصلت إليه من خلال الدراسة العليمة والموضوعية للظاهرة اللغوية أن تنتقل من المجال النظري المبني في أساسه على ضبط الخصوصيات التي يقوم عليها النظام اللغوي بكل مكوناته، إلى فضاء أكثر فعالية ودينامية؛ إنّه المجال الذي حاول فيه أصحابه استثمار نتائج النظرية اللسانية من أجل معالجة القضايا الإجرائية التي تقتضيها اللغة. وقد أملى هذا التنقل التحول العلمي الذي مسّ الدرس النظري في اللسانيات وغيرها من العلوم حيث أضحت المجالات العلمية المعاصرة لا تقبل إلا بالنتائج النظرية التي تقبل التطبيق، لقد أضحى هذا الأخير الإجراء الفعلي العملي الذي يحقق البعد العلمي للدرس اللساني.

 اللسانيات التطبيقية : مفهوم و ماهية المصطلح 


قبل تحديد ماهية "اللسانيات التطبيقية" لابد أن نشير إلى الضبابية التي ظلت تحيط بها من حيث مصطلحها وطبيعتها وموضوعاتها، فقد ذكر عبده الراجحي أنّه منذ ظهور هذا العلم والباحثون مختلفون بشأنه؛ فليس ثمة اتّفاق على تحديد قاطع لمعناه ولا لطبيعته، يظهر ذلك في أمرين؛ في مجالات هذا العلم والمصطلح الذي استقر عليه.


فـ"اللسانيات التطبيقية La Linguistique appliquée"  قبل أن تثبت على هذا المصطلح اُقترحت لها اقتراحات عديدة، ويظهر أنّ تعلّقها في بداية ظهورها بالجانب التعليمي للغة الداعي الأساسي إلى ربط معظم المقترحات بالجانب التعليمي، فمعظم دراساتها كانت مقتصرة على تعليمية اللغات، ولذلك وُضعت مصطلحات عدة لربط هذا العلم بهذا الجانب منها:

-اقتراح "ولكنز Wilkins" تسميتها بـ"الدراسة العلمية لتعليم اللغة الأجنبية".

-اقتراح "ماكاي Mackey" تلقيبها بـ"علم تعليم اللغة Language didactics".

-دعوة "سبولسكي Spolsky" تسميتها بـ"علم اللغة التعليمي Educational linguistics".

-اقتراح بعض العلماء الألمان تلقيبها بـ"تعليم اللغة وبحث التعلم Sprachlehr und Lernforschung".


وغيرها من الاقتراحات التي ارتهنت في بدايتها بحقل تعليمة اللغة، ولكن المصطلح الذي شاع بين الدارسين في هذا المجال  هو "اللسانيات التطبيقية"، ومما دعم ذلك اتساع وتنوع موضوعاته لتشمل كل القضايا العملية والمهنية التي تقتضيها اللغة.


أما من حيث المفهوم فقد تعدّدت حدودها وتنوعت، وهذا بسبب طبيعة هذا الحقل من جهة، ونوعية موضوعاتها من جهة أهرى، قد نركز في هذه المناسبة على المفاهيم التالية:

-عرّفها "كوردر Corder" بأنها "استعمال ما توافر لدينا عن طبيعة اللغة من أجل تحسين كفاءة عمل عملي ما تكون اللغة العنصر الأساسي فيه".

-حددها "كريستال Cristal" بأنّها "تطبيق نتائج المنهج اللغوي وأساليبه الفنية في التحليل والبحث في ميدان غير لغوي... وعلم اللغة بهذا المعنى ما هو إلا وسيلة لغاية معينة أكثر منه غاية في ذاته".

-ذكر مازن الوعر أنّ اللسانيات التطبيقية "تبحث في التطبيقات الوظيفية التربوية للغة من أجل تعليمها وتعلّمها للناطقين ولغير الناطقين بها، وتبحث أيضا في الوسائل البيداغوجية المنهجية لتقنيات تعليم اللغات البشرية وتعلّمها".


ولعل أهم شيء تحيل عليه هذه المفاهيم هو إجراء "التطبيق" الذي يقتضيه هذا الحقل؛ ولكن هذا اللفظ لا يملي التطبيق الحرفي لنتائج النظيرة اللسانية؛ بل يقصد به مجموع الأبحاث والدراسات التي تستخدم النتائج التي توصلت إليها اللسانيات وغيرها لحل المشاكل والقضايا التربوية والعملية والمهنية المتعلقة باللغة.


فمصطلح "التطبيق" ههنا يتعلق بعمل المتخصص الذي يحاول معالجة الإشكالات المتعلقة باللغة، والتي تقتضي منه الإفادة من مختلف النتائج العلمية التي من شأنها أن تسهم في احتواء الإشكالية المطروحة ومعالجتها.

ومن الضروري ههنا أن نشير إلى اللسانيات التطبيقية لا تعتمد على نتائج النظرية اللسانية فحسب؛ بل هي ميدان تلتقي فيه علوم مختلفة حين تتصدى لمعالجة القضايا اللغوية، فهي علم ذو أنظمة علمية متعددة يستثمر نتائجها في تحديد المشكلات اللغوية وفي وضع الحلول لها. ولذا حتى وإن كانت اللسانيات أهم مورد لمجالات هذا الحقل؛ فإنّنا لا ننكر إسهامات بعض العلوم في إثراء موضوعاته؛ فمجريات العملية التعليمية على سبيل المثال محتاجة إلى نتائج النظرية اللسانية، كما أنها في حاجة إلى نتائج علم التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع وغيرها، وكلها تعتبر مصادر للاقتراحات والتصورات التي يستثمرها المتخصص في اللسانيات التطبيقية من أجل ترقية هذه العملية.


 اللسانيات التطبيقية : خصائص اللسانيات التطبيقية


لعلنا نكون قد أدركنا، انطلاقا من المفاهيم السابقة للسانيات التطبيقية، الطبيعة الإجرائية العملية لهذا الحقل، وهي طبيعة تقتضي مجموعة من السمات من أبرزها:

-الانتقائية: باعتبار أن اللسانيات التطبيقية ليست تطبيقا لكل النتائج التي توصلت إليها النظرية اللسانية؛ بل طبيعة القضية المعالجة تقتضي انتقاء النتائج التي تسهم في مناقشتها وتحليلها وبالتالي إيجاد الحلول لها.

-البراغماتية: لأنها مرتبطة بما كل ما هو نفعي ويفي اللساني التطبيقي في إثراء مجالات اللسانيات التطبيقية.

-الفعّالية: وهي خاصية تابعة للسمتين السابقتين باعتبار أن انتقاء النتائج النظرية يبقى مرهونا بما هو فعّال في إثراء الموضوع المعين.


 اللسانيات التطبيقية :  موضوعات اللسانيات التطبيقية


إذا كانت اللسانيات التطبيقية قد اقترنت في مبدأ الأمر بحقل تعليمية اللغات الأجنبية فإنها سرعان ما احتوت موضوعات أخرى اقتضتها القضايا الأخرى التي طرحتها الظاهرة اللغوية والتي استدعت الإفادة من النظرية اللسانية وغيرها. يقول "كوردر Corder": "وهناك بالطبع فائدة من النظريات الخاصة بطبيعة اللغة البشرية لأناس آخرين بالإضافة إلى كونها مفيدة لمعلم اللغات، وإنه لمن الخطأ أن نربط ربطا مطلقا بين اللغويات التطبيقية وتعليم اللغات؛ فثمة أناس آخرون يطَّلعون بأنشطة عملية تلعب فيها اللغة دورا رئيسيا، ومن ثمة فمعرفتهم بطبيعتها مفيدة عند معالجة المشاكل التي تنشأ عن عملهم، وتضم تلك الفئة من الناس -على سبيل المثال- أخصائي علاج عيوب الحديث، والناقد الأدبي، ومهندس المواصلات السلكية واللاسلكية...".


 وفي رحاب هذا التوسع يمكننا ربط اهتمامات اللسانيات التطبيقية بالمجالات الأساسية التالية:

أولا-تعليم اللغات: وهو من أهم موضوعات هذا الحقل، ولهذا السبب وجدنا الكثير من اللسانيين من يجعل نشاط هذا العلم هو نفس نشاط اللسانيات التطبيقية.

إنّ جوهر اهتمام علماء اللسانيات التطبيقية ضمن هذا الحقل يرتبط بضرورة بناء نظرية عامة في تعليم اللغة الأم أو اللغة الأجنبية، ارتكازاً على حقيقة علمية مفادها أنه لا يمكن أن نصل إلى النتائج المرجوة في عملية تعليم اللغة إلا إذا توافرت لدينا معرفة علمية دقيقة وشاملة عنها بجميع مقتضياتها سواء تلك المتعلقة بالمعلم أو المرتبطة بالمتعلم، أو المادة المقررة، أو الوسائل التعليمية أو الطريقة المعتمدة في التعليم أو غير ذلك.

ولذلك يسعى العلماء ضمن هذا المجال إلى الاهتمام بالقضايا الأساسية التالية:

أ-طرائق تعليم اللغات القومية أو الأجنبية.

ب-مناهج تعليم اللغات.

جـ-وضع المقررات التعليمية.

د-الاختبارات اللغوية.

هـ-المهارات اللغوية.

و-الأخطاء اللغوية.


ثانيا-الأمراض اللغوية: وتتعلق بالاضطرابات الكلامية التي قد تحدث للفرد المستعمل للغة المعينة. وقد جرت العادة لدى الباحثين في هذا المجال تصنيف عيوب النطق إلى قسمين؛

-عيوب ترجع العلة فيها إلى أسباب أو عوامل عضوية؛ وعيوب ترجع الأسباب فيها إلى دواعٍ وظيفية.


ثالثا-التخطيط اللغوي: أو ما يعرف بالسياسة اللغوية، يتصل بالتوجه العام الذي قد تقوم عليه المؤسسات المعنية به سواء في تعليم اللغة الأم أو اختيار وتعليم اللغة الأجنبية المعينة، والتي تقتضي الأخذ بمجموعة من الاعتبارات اللغوية والعلمية وغيرها.


رابعا-الصناعة المعاجم: والغاية ههنا هو طرح التقنيات التي تسهم في تأليف مختلف الأصناف المعاجم سواء أكانت موحدة اللغة، أو متعددة اللغات، أو كانت متخصصة أو عامة، أو تعليمية.


خامسا-اللغة ودورها في الإعلام والإعلان والإشهار: واللسانيات التطبيقية ضمن هذه الأنشطة عامل أساسي في ضبط نوعية الخطاب اللغوي وطبيعته والتي تختلف من نمط إلى آخر، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار بقية العوامل غير اللغوية التي تسهم في ذلك.


سادسا-الترجمة: وقد تكون عادية، وقد تتحقق بوساطة الحاسوب فتدعى "الترجمة الآلية"؛ وقد تطور هذا الحقل مع بروز نتائج الدرس اللساني اعتبار أنّ الترجمة في معناها العام هي استبدال لغة بأخرى للتعبير عن معاني محددة، وهو عمل يبقى ناقصا ما لم تؤخذ بعين الاعتبار نقاط الاتفاق والاختلاف بين نقاط الاتفاق والاختلاف بين اللغتين، و"عالم اللغة هو وحده القادر على أن يحدد مواضع الاتفاق والاختلاف بين نسقين لغويين، ويكشف بدقة عن القسمات المشتركة بين لغات العالم".


بالإضافة إلى مجالات أخرى، ومع هذا تبقى اللسانيات التطبيقية حقلا مفتوحا لاحتواء كل الإشكالات الإجرائية أو التربوية أو العملية المتعلقة باللغة.


و ختاما فــ "اللسانيات التطبيقية فرع جديد من فروع اللسانيات الحديثة، ظهرت في الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت له مقرراته المتميزة، ومؤسساته المعنية التي تجاوزت الجهود القديمة الجزئية المتبعثرة لتجعل من هذا القطاع الجديد مجالا واسعا للبحث والتدريب والإجراء والتطبيق.


المصادر والمراجع :

-علم اللغة التطبيقي وتعليم العربية، د.عبده الراجحي.

- مدخل إلى علم اللغة، د.محسن عبد العزيز، القاهرة دار الفكر الإسلامي.

- دراسات لسانية تطبيقية، د.مازن الوعر، سوريا دار طلاس.

- البحث اللغوي، د.محمود فهمي حجازي.

-شارل بوتون، مدخل إلى اللغويات التطبيقية، ترجمة د.جمال صبري، مجلة اللسان العربي، مكتب التنسيق والتعريب، 1976.

- أسس تعلم اللغة وتعليمها، دوجلاس براون، ترجمة د.عبده الراجحي ود.علي أحمد شعبان، بيروت دار النهضة العربية.

- أمراض الكلام، د.مصطفى فهمي.

-علم اللغة وصناعة المعجم، علي القاسمي، بيروت مكتبة لبنان.

-المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق، علي القاسمي، بيروت مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 2003.