المدارس اللسانية
فرديناند دي سوسير و البنيوية
و من أهم المبادئ التي وردت في الفكر السويسري و التي
ساهمت بشكل فعال في نشأة الاتجاه البنيوي الأوروبي
- التمييز بين الدراسة الوصفية الآنية و الدراسة التاريخية للغة
لقد اعتمد دي سوسير في محاضراته على دراسة اللغة في
ذاتها و لذاتها و هذا ما سمي بالدراسة الوصفية
الآنية أي البحث في تاريخها و
ماضيها و تطورها ألزماني ، معتبرا العودة إلى ماضي و تاريخ اللغة لا يفيد و لا يضيف
لدارسها و متعلمها ، فالعودة إلى تاريخ اللغة أمر ثانوي لان ما يهم اللساني هو
دراسة اللغة في ذاتها و من اجل ذاتها أي نظامها الداخلي من خلال الإلمام و التحكم
بقواعدها و خصائصها وقوانينها ، و قد
اعتمد دي سوسير في البرهان على رأيه هذا بمثال "لعبة الشطرنج"1فالاعب الماهر
في لعبة الشطرنج ليس بحاجة إلى معرفة تاريخ اللعبة و نشأتها و أصولها الفارسية و
تطوراتها و طريقة وصولها إلى أوروبا ، فما يهم لاعب الشطرنج بالدرجة الأولى هو
التمكن منها و من قواعد لعبها لتحقيق الفوز ، نفسه الشأن بالنسبة للكلمة فمعرفة
تاريخ الكلمة لا يفيد في تحديد معناها الحالي.
إن ابتعاد دي سوسير عن المنهج التطوري الدياكروني و رفضه له لم يكن رفضا تعسفيا و عشوائيا و إنما
كان نتيجة "أبحاث قام بها اللساني في بداياته الأولى –خلال العشرين من عمره-
حيث كان قد قدم مذكرة بعنوان ( ملاحظات
حول اللغة الهندو أوروبية )"2 و قد اعتمد في هذه الدراسة على المنهج التاريخي المقارن
و لكن بعد فترة و جيزة تراجع و تخلى عن النتائج
هذه الدراسة و ذلك لما اكتشفه من نقائص و سلبيات و عيوب هذا المنهج التطوري
الدياكروني في دراسة اللغة .
- المبدأ الثاني من مبادئ دي سوسير هو مبدأ تحليل الرموز
اللغوية :
يقسم دي سوسير الدليل اللساني إلى عنصرين :
ا- الدال :هو الصورة الصوتية
ب- المدلول:المفهوم أو المعنى و هو الصورة المفهومية.
بعبارات أخرى الدال هو الاسم أو التسمية أو الإشارة
الصوتية إما المدلول فهو الفكرة الموجودة
في الذهن و بين الدال و المدلول هناك
مدلول عليه و هو المسمى أو الشيء في حد ذاته . إن المنطق السويسري في قضية
الدليل اللساني يؤكد أن وجود دال و مدلول يغنينا عن إحضار
المدلول عليه إلى أعين المتحدثين ، و يؤكد على هذين العنصرين في إنجاح عملية
التواصلية و التخاطب .
فاللساني لا يهتم
بالمدلول عليه أو كما يطلق عليه
المرجع و المحسوس المادي و الموجود في الواقع و إنما يهتم بالمفهوم الموجود
لدى المتلقي و الذي تلقاه من المتكلم باستعمال الدال .
إن الدليل
اللساني حسب دي سوسير هو اعتباطي أي أن العلاقة القائمة بين الدال و
المدلول لا تخضع لمنطق التبرير و التعليل ،إذ لا يسال المخاطب المتلقي لماذا أطلق
علي هذا الدال هذا المدلول و لماذا هذا المدلول مرتبط بهذا المدلول عليه .
إن هذا الدال أو الصورة الصوتية هي موروث جماعي مشترك
بين الجماعة الناطقة بنفس اللغة و كل دال إلا و له مدلول مطابق للمدلول عليه مخزن
في الذاكرة الفردية و هو يمثل استجابة المتلقي لرسالة المخاطب " لان الصورة
الصوتية ليست هي الصوت المادي ، لأنه شيء فزيائي محض ، بل انطباع هذا الصوت في
النفس ، و الصورة الصادرة عما تشهده حواسنا ، فالدليل اللغوي إذا كيان ذو
وجهين" 3 و لذلك نلاحظ
أن العملية الاتصالية هنا نظاما كاملا يعمل بشكل آلي يخضع لمنطق اللغة و العقل و
ذلك ما يبينه الشكل البياني التالي:
- التمييز بين اللغة و الكلام
يفرق اللساني
فرديناند دي سوسير بين اللغة و الكلام و ذلك انطلاقا من إيمانه القاطع أن اللغة
تسبق الكلام . فاللغة جماعية و مشتركة في حين أن الكلام فردي ركز دراساته على
اللغة و ليس الكلام فقد عرف اللغة بأنها
:" رصيد يستودع في الأشخاص الذين ينتمون إلى مجتمع واحد ... و بفصلنا اللسان
(اللغة) عن الكلام ، نفصل في الوقت نفسه ما هو اجتماعي عما هو فردي ، ما هو جوهري
عما هو إضافي أو عرضي " 4ان اللغة مشتركة ناتجة عن مخزون و موروث مشترك بين فئة
مجتمعية محددة ، بينما الكلام هو الاستعمال الفردي لهذا المخزون ، لذلك فان موضوع
اللسانيات هو اللغة الجماعية و ليس الكلام ذي الطابع الفردي المختلف بين الأشخاص ،
و في هذا الصدد يميز تمام حسان بين اللغة و الكلام قائلا :
" الكلام عمل و اللغة حدود هذا العمل ، و الكلام
سلوك و اللغة معايير هذا السلوك ، و الكلام نشاط و اللغة قواعد هذا النشاط، و
الكلام حركة و اللغة مظاهر هذه الحركة ، و الكلام يحسن بالسمع نطقا و البصر كتابة
، و اللغة تفهم بالتأمل في الكلام ، فالكلام هو المنطوق و هو المكتوب ، و اللغة هي
الموصوفة في كتب القواعد و المعاجم و نحوها و الكلام قد يكون عملا فرديا و لكن
اللغة لا تكون إلا اجتماعية " 5 نلاحظ أن هناك فوارق و اختلافات كبيرة بين اللغة و
الكلام م هذا ما يتفق عليه جل اللسانيين و الدارسين .
- دراسة التركيب العام للنظام اللغوي
إن وظيفة اللسان الرئيسية هي الاتصال و التواصل و
التبليغ و ذلك من خلال إمكانية استبدال كل لفظة بمجموعة من الألفاظ التي تقابلها و
التي يمكن تعويضها في نفس السياق إذ أن الكلمة لا يتوضح معناها إلى بالرجوع إلى
الجملة قال دي سوسير في هذا السياق : " إن عبارة ما في تركيب ما لا تكتسب
قيمتها إلا بتقابلها مع ما يسبقها أو ما يليها أو الاثنين معا"6 معتبرا المهم
و الأهم هو تحقيق وظيفة التخاطب و دور اللساني حسب فرديناند دي سوسير هو دراسة
خواص هذا النظام اللساني .
المراجع :
1-علم اللغة الحديث
" المبادئ و الإعلام – ميشال زكريا –المؤسسة العربية للدراسات و النشر
– بيروت – الطبعة الثانية – 1983 – ص 225
2-علم اللغة الحديث
" المبادئ والإعلام – ميشال زكريا- ص 146
3- مبادئ في اللسانيات – خولة الإبراهيمي- دار القصبة –
الجزائر -2002 –ط1- ص21
4-مبادئ في اللسانيات – خولة الإبراهيمي - ص 12
5-اللغة العربية : معناها و مبناها – الهيئة المصرية
العامة للكتاب –مصر – ط1- 1973
6-فرديناند دي سوسير