الأسلوب والأسلوبية
الأسلوب في التراث البلاغي العربي،
الأسلوب عند الحداثيين و الفرق بين الأسلوب و الأسلوبية
إن الأسلوب هو النّهج اللّغوي الذي يشتقُّه
الأديب لنفسه و المتمثل في المادة اللغوية المتراكمة، أي نسق معين ونظام، كما أن
هذا النسق قد يكون عامًا فيُقصد به الطريق، وقد يكون خاصًّا فيُقصد به خرق النظام
اللغوي وكسر النسق.
الأسلوب في التراث البلاغي العربي
لقد اهتم
الدرس
العربي منذ القرن الثاني الهجري بدراسة الأسلوب في مباحث الإعجاز القرآني و الشعر العربي ـ حيث قام علماء اللغة
بفهم مدلول لفظة "أسلوب" و إلى
ما تشير إلي من أساليب الكلام العربي.
لقد عرف
الزبيدي الأسلوب على أنه "السطر من "النخيل"
أ و"الطريق" يأخذ فيه، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب:
الوجه والمذهب، يقال هَمَّ في أسلوب سوء، ويجمع على أساليب، وقد سلك أسلوبه: طريقته
وكلامه على أساليب حسنة، والأسلوب بالضم "الفن"، يقال أخذ فلان في
أساليب من القول أي أفانين منه" [1]
أما مفهوم الأسلوب عند ابن طباطبا العلوي (ـ
322ه) كان يقصد به طريقة الشاعر إذا رغب النظم ، فهو "
المعنى الذي يريد بناء الشعر عليه فكره نثراً، وأعد له ما يلبسه
إياه من الألفاظ التي تطابقه والقوافي التي توافقه، فإذا اتفق له بيت يشاكل المعنى الذي يرومه أثبته، وأعمل فكره في شغل
القوافي بما تقتضيه من المعاني على غير تنسيق للشعر وترتيب لفنون القول فيه بل يتعلق كل
بيت يتفق نظمه"[2].
أما الأسلوب حسب تصور ابن خلدون فهو الصورة الذهنية
التي تغمر النفس وتطبع الذوق الأساس فيها الدُربة النابعة عن قراءة النصوص الإبداعية المتفردة ذات
البعد الجمالي الأصيل، وبمثل ذلك تتكون وتتألف التراكيب التي تعودنا على نعتها
بالأسلوب؛ وإذا كانت التراكيب التي يكون الأساس الأول فيها اللغة هي الأداة المثلى
للتشكيل الصورة الذهنية "الأسلوب". حيث يقول في مقدمته عن الأسلوب" إنه عبارة عن
المنوال الذى ينسج فيه التراكيب أو القالب الذي يفرغ فيه ولا يرجع إلى الكلام
باعتبار إفادته أصل المعنى الذي هو وظيفة الإعراب أي النحو ولا باعتبار إفادته
كمال المعنى من خواص التركيب الذي هو وظيفة البلاغة والبيان ولا باعتبار الوزن كما
استعمله العرب فيه الذي هو وظيفة العروض[3]
إذن؛ الأسلوب هو أساس صناعة الشعر، يجمع بين الرؤية التي يمتلكها الشاعر والاحتراف
اللغوي والإيقاعي والجمالي، فالوظيفة الشعرية للأسلوب تتجمل في تحقيق التجانس بين
مختلف التراكيب المنتظمة في بنية أساسها اللغة، ولا يتحقق ذلك إلا بالتوفيق
بين التراكيب النحوية والبلاغية من ناحية والذوق من ناحية أخرى، وبذلك نلاحظ قرب
مذهب ابن خلدون في مناقشة مسألة الأسلوب من الأسلوبيين المعاصرين الذين يعرفون
الأسلوب على أنه إسقاط محور الاختيار على محور التوزيع [4] لتجسيد مبدأ التركيب والانزياح.
الأسلوب عند الحداثيين
ارتبط
الأسلوب
STYLE بالبلاغة
منذ البحث اللغوي القديم، وقد كانت للسانيات (دي سوسير) الأثر الكبير في نشأة ظهور الأسلوبية و
المناهج النقدية النسقية الأخرى، حيث انتهجت نفس المنهج النسقي في الوصف والتحليل
في مقاربة النصوص الأدبية، و لقد ظهرت الأسلوبية إثر
الثورة المنهجية في البحث اللغوي التي
أحدثتها لسانيات دي سوسير في مطلعَ القرن العشرين،و بذلك أصبحت وليدة
القرن العشر و لصيقة بالدراسات اللغوية ، ومن هنا اختلف مفهومها عن مفهوم
"الأسلوب" السابق في الدراسات البلاغية. ومما يجدر ذكره أنّ الأسلوبيّة قامت على ماقدمته البلاغة
التقليديّة المعياريّة والتعليميّة والتي تمثلت في الصور البيانيّة، والمحسّنات
البديعيّة، وعلم المعاني.
إذن الأسلوبيّة
هي تصوّر لغوي و نقديّ وأدبيّ جديد، وقد استفادت كثيرًا من اللسانيّات والشكلانيّة
الروسيّة والشعريّة والبلاغة الجديدة
ونظريّات الحجاج المعاصرة، والنقد الجديد، والتداوليّات، والسيميائيّات.
الفرق بين الأسلوب و الأسلوبية
إن الفرق بين الأسلوب و الأسلوبية هو أن الأسلوب
يقوم على مبدأ الانتقاء والاختيار للقول ـ أما الدراسات الأسلوبية تقوم
بمهمة التحليل من الناحية الأسلوبية ؛ وتصنف القول حسب الجمالية الفنية؛ حيث تتخذ
لغة الخطاب حقلاً للدراسة والاستقراء حيث تبدأ من النص و تنتهي إلى
النص.من هنا نجد بعض الاعتبارات التي خصت الاسلوب و هي على النحو الآتي:
- المرسل أو المخاطِب: هو التعبير
الكاشف لنمط التفكير عند صاحبه، ولذلك قالوا الأسلوب هو الرجل.
-
المتلقّي والمخاطب: هو سمات النصّ
التي تترك أثرها على المتلقّي أيًّا كان هذا الأثر.
-
الخطاب: هو مجموعة
الظواهر اللغويّة المختارة الموظفة المشكلة عدولاً, وما يتّصل به من إيحاءات
ودلالات[5]
الفرق بين الأسلوب والأسلوبيّة (علم الأسلوب)
وهي كما يلي:
- الأسلوب وصف للكلام، أمّا الأسلوبيّة فإنّها علم له أسّس
وقواعد ومجال.
- الأسلوب إنزال للقيمة التأثريّة منزلة خاصّة في السياق، أم
الأسلوبيّة فهي الكشف عن هذه القيمة التأثّريّة من ناحية جماليّة، ونفسيّة
وعاطفيّة.
- الأسلوب هو التعبير اللسانيّ والأسلوبيّة دراسة التعبير
اللسانيّ.
- أدوات التعبير
تحدد بالقيم التي يحتويها الإيصال اللساني فتعبر عن الموقف العفوي للمرسل، وتنقسم
هذه القيم إلى ثلاث وهي :
1- قيم مفهومية : وينجم منها الأسلوب الواضح والمنطقي والسليم.
2- قيم تعبيرية : وينجم منها الأسلوب الإنفعالي أو النزق أو الطفولي.
3- قيم إنطباعية : وينجم الأسلوب الحاسم والساخر والمضحك.
إذن الأسلوبية عند جيررو تتلخص بمعرفة أدوات التعبير ووصفها وتحديدها، وفي معرفة
مختلف الملفوظات، علاوة على إنشاء نموذجا للأساليب
[2]المرجع السابق ،
[3] مقدمة ابن خلدون ، دار النهضة، 2012 ، نسخة ‘إلكترونية، ص 225
[4] جورج مولينية، الأسلوبية ، ترجمة بسام بركة ، 1998 ص: 30
[5]جورج مولينية، الاسلوبية ، ص: 75