القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

تاريخ تدوين اللغة وتأليف المعاجم عند العرب



تاريخ تدوين اللغة و تأليف المعاجم عند العرب



لم يعرف العرب التدوين بمناه الواسع "تدوين العلوم والمعارف الانسانية" إلا في العصور الإسلامية، حيث بدأت الحضارة الاسلامية تنشأ بعد أن استوعب العرب الأمم المجاورة، وعمّها نور الإسلام، بالإضافة إلى مشاركة هذه الأمم في بناء الحضارة الجديدة، بطابعها العربي الإسلامي، بعد أن فهموا رسالة الإسلام السامية بخير البشرية. فكانت مشاركة إيجابية تمثّلت في العشرات من أبنائها الذين نبغوا في شتّى العلوم، خصوصا العربية والإسلامية، فكان منهم علماء اللغة والتفسير والفقه والحديث، بالإضافة إلى العلوم العقلية والتجريبية.


ولقد بدأ العرب التدوين في السنوات الأولى للإسلام عندما كتب الصحابة القرآن الكريم، كما كتب بعضهم الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل عبد الله بن عمرو بن العاص.  قال أبو هريرة: " ما أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر حديثا منّي إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فإنه كان يكتب ولا أكتب"[1].

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه"[2].




وكانت الرّقاع وعظام أكتاف الإبل وسعف النخيل والحجارة الرقيقة وغيرها من وسائل الكتابة، هي المستعملة في ذاك الوقت.

هذا وقد جمع القرآن في عهد أبي بكر الصدّيق بعد معركة اليمامة من حروب الردّة، حيث استشهد سبعون من الصحابة من حفظة القرآن، ثم كتب القرآن مرة أخرى في عهد عثمان بن عفّان، وكتب منه سبع نسخ جعلت هي الأصل، وأحرقت النسخ الأخرى. وفي عهد الدولة الأموية زاد التدوين واتّسع لاتّساع  رقعة الدولة.


ويروي ابن النديم في كتاب الفهرست أن صحار العبدي من العلماء الذين دوّنوا كتبا في هذا العصر، فقد كان نسّابة عاش أيام معاوية، فقد كان له كتاب في الأمثال، ويقال أن خالد بن يزيد بن معاوية كان يدعى حكيم آل مروان كان له كتاب يسمى الحرارات، وقد كان يشتغل بالكيمياء والطب وغيرها من العلوم الطبيعية .


 وهناك سببان لاتّساع التّدوين في العصر الأموي: السبب الأول يعود إلى اتّساع الدولة وحاجتها لمن يدير شؤونها في أمور الدّين والسياسة والاقتصاد. والسبب الثاني هو ارتفاع المستوى الفكري في المجتمع العربي الإسلامي بتأثير تعاليم الإسلام الجديدة، ومساهمة أبناء الأمم المتحضرة القديمة في حضارة الإسلام الجديدة.




وقد وردت بعض الأخبار تدل على وجود كتب مدوّنة. فقد روى هشام بن عروة بن الزبير قال: "أحرق أبي كتب فقه كانت له. قال فكان يقول بعد ذلك لأن تكون عندي أحبّ إليّ من أن يكون لي مثل أهلي ومالي"[3]. فهذا الخبر يدلّ على وجود كتب موضوعة في الفقه في هذا العصر المبكّر، مع أنه لم يصلنا شيء منها.


فروى أبو فرج الأصفهاني في كتاب الأغاني "أن عبد الحكيم بن عمرو بن عبد الله بن صفوان الجمحي قد اتّخذ بيتا فجعل فيه شطرنجات ونردات وقرقات ودفاتر من كل علم، وجعل في الجدار أوتادا فمن جاء علق ثيابه على وتد منها، تم جرّد دفترا فقرأه، أو بعض ما يلعب، فلعب به مع بعضه"[4].


إذا عرفنا هذا المنتدى الأدبي كان في النصف الأول من القرن الأول من الهجرة، تبيّن لنا من وجود بواكير نهضة علمية تؤتي أكلها في القرن الثاني الهجري وما بعده. كما يذكر بن النديم في "الفهرست" :"ويوصف بحسن الخط خالد بن أبي الهيّاج رأيت مصحفا بخطه، وكان سعد نصّبه لكتابة المصاحف والشعر والأخبار للوليد بن عبد الملك"[5].


وكان خالد بن يزيد بن معاوية يكوّن حجر الزاوية في الحياة العلمية في العصر الأموي، كما ذكر خصوصا في وقت مبكّر منه، فقد كان أوّل من ترجم كتب النجوم والطب والكيمياء. وينبغي أن نذكر أن الكتب التي وجدت في العصر الأموي لم تكن كتبا بالمعنى المعروف، بل هي أوراق في الفقه والحديث والتفسير والشعر تجمع مع بعضها دون نظام. ولم تظهر الكتب إلا في الوقت الذي شارك فيه أبناء الفرس والروم وغيرهم من الأمم في الحياة العلمية بعد دخولهم الإسلام. هذا ولم يصلنا شيء من مؤلفات القرن الأول الهجري لضياعها. أو لانصراف الناس عنها إلى الكتب الجديدة الوافية. ولكنّ علماء القرن الثاني قد اطّلعوا عليها واستفادوا منها، وكانت المصادر الأولى لمدوّناتهم المطوّلة[6].


وفي القرن الثاني الهجري بدأت العلوم تتبلور وتأخذ طابع الاستقلال، فظهر علماء مختصون اشتهروا بعلوم معينة وعرفوا بها، ولعل هذا من بواكير الاختصاص في العلوم الإسلامية. يقول السّيوطي: "في سنة 142 للهجرة شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث والفقه والتفسير ... إلخ. وكثر تدوين العلم وتبويبه، ودوّنت كتب العربية واللغة والتاريخ وأيّام النّاس، وقبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم، أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة"[7].


وفي هذا القرن بدأت تظهر في عالم الثقافة طائفة من العلماء الذين أكثروا من تأليف الكتب، وكان لهم شأن كبير في إرساء قواعد الثقافة في عصرهم، وكان لهم كذلك تأثير عميق في عقول أجيال العلماء الذين أتوا بعدهم في القرون التالية، ونذكر من هؤلاء أبو عمرو بن العلاء (ولد سنة 70 ه وتوفي سنة 145 ه).





يقول الجاحظ: "حدثني أبو عبيدة قال: كان أبو عمرو أعلم الناس بالغريب[8] وبالقرآن[9] والشعر[10] وبأيام العرب وأيام الناس[11] وكانت كتبه عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب من السّقف ثم أنه تقرّأ[12] فأحرقها كلّها، فلما رجع بعد ذلك إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه بقلبه، وكانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية"[13].


ومن علماء هذا القرن أيضا سيبويه، قد وضع كتابا في النحو يعتبر أكبر كتاب موضوع في النحو العربي إلى اليوم، والخليل بن أحمد الفراهيدي ( توفي 180 ه) وضع كتاب العين، وهو أول معجم عربي. وفي هذا القرن نشأت المراكز الثقافية الكبرى في الأمصار الإسلامية كالعراق والشام والحجاز ومصر وخراسان، وكانت البصرة والكوفة في العراق أكبرها وأغناها نشاطا وثقافة، وبحلول القرن الثالث الهجري عرفت الحضارة العربية الإسلامية تطوّرا وازدهارا وقطعت شأوا كبيرا حتى دعي بعض العلماء بأن يضع مؤلفات في فهارس الكتب العربية في مختلف الفنون الثقافية لكثرتها، ومن أشهر هذه الكتب:


1-كتاب الفهرست لابن النديم، ت 385 ه.

2- فهرست بن خير الإشبيلي، ت 575 ه

3-ارشاد الأريب إلى معرفة الأديب المعروف بمعجم الأدباء لياقوت الحمري، ت 626 ه

4-إنباه الرواة على أنباه النحاة لجمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي ، ت 646 ه

5-وفيات الأعيان لابن خلكان، ت 681 ه.

6-بغية الوعاة في طبقات النحاة لجلال الدين السّيوطي، ت 911ه.

7-مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم أحمد بن مصطفى، الشهير بطاش كبرى زاده ت 968هـ.

8-كشف الظنون لحاجي خليفة، ت 1067 ه.

9-ايضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون لاسماعيل باشا البغدادي، ت 1920

10-هدية العارفين في أسماء المؤلفين لاسماعيل باشا البغدادي.

11-العقد الفريد لابن عبد ربه.

12-طبفات فحول الشعراء.لمحمد بن سلاّم الجمحي

13-لسان العرب لابن منظور.

14-القاموس المحيط لفيروس آبادي.

15-العين لخليل بن أحمد الفراهيدي



[1]  فتح البارئ 1/ 184 - 185

[2] أحمد بن حنبل 10 / 21 . هناك بعض العلمان من يعتقد أن عمرا بن العاص قد انفرد بكتابة الحديث دون الصحابة، لأن رسول الله كان يكره كتابة كلامه خوفا من الاهتمام به بدلا القرآن، وحتى لا يختلط به. وهناك روايات كثيرة في هذا الباب.

[3]  طبقات ابن سعد، 122

[4]  الأغاني 4  / 58

[5]  ابن النديم؛ كتاب الفهرست، ص 6. يعد المذكور هو القائم على خزانة الوليد بن عبد الملك.

[6]  الفهرست ص 6،

[7]  السيوطي ؛ تاريخ الخلفاء ، ص 101

[8]  أي غريب اللغة، وهي الألفاظ والتراكيب القليلة الاستعمال التي يصعب معناها فتحتاج إلى شرح وشواهد.

[9]  أي قراءة القرآن وتفسيره.

[10]  الشعر: في رواية شعر العرب القديم الجاهلي والاسلامي وشرحه

[11]  أيام العرب في حروبهم في الجاهلية والإسلام

[12]  أي تنسّك في الدنيا وانصرف إلى العبادة.

[13]  تدلّ القصة دون شك على أن بعض المتمسّكين كان يستشعر الحرج في دراسة وتدوين آثار أدبية.