أهمية البحث في اللغة
- الأهداف، الخصائص و الخطوات -
مكانة اللغة
اللغة أخطر الظواهر الاجتماعية والإنسانية على الإطلاق، ذلك أنّ كلّ تطوّر اجتماعي كُتب له الكمال، ما كان له أن يتِمّ إلاّ بوجود اللغة. و يرجع ذلك إلى أنّ:
- اللغة هي أقوى رابطة تاريخية توحِّد
الأجيال المختلفة من الشعب الواحد.
- اللغة هي وعاء التجارب الشعبية و العادات
و التقاليد و العقائد التي تتوارثُها الأجيال.
- اللغة من أقوى الأسلحة النّفسية للسيطرة
على الأفكار و الأشياء؛ فهي أداة التأثير في الغير و التأثّر به.
- اللغة هي السّبيل للتعارف بين الشّعوب،
فكلّما انتشرت لغة ما خارج حدودها ازداد مستعملوها و محبوها... و قائمة محاسن
اللغة كثيرة لا تحصى و لا تُعد.
فإذا
كانت اللغة كلَّ هذا و ذاك، فحَرِيٌّ بها أن تكون محلّ عناية العلماء و موضع
اهتمام الباحثين.
أهميّة البحث اللغوي
يُمكن
اختصار هذه الأهمية في أنّ البحث في اللغة يُعين على فهمها و حسن توظيفها في مختلف
المواقف التواصليّة، و ذلك من حيث البحث في:
-
طريقة اشتغالها التي تُحيل على الدلالات التركيبية؛ أي البحث في قواعد اللغة وتنظيمها
و تبسيطها ليتسنّى للكلّ أن يستعملها في تواصله مع الآخرين.
-
معجمها و ما يطرأ عليه من تغيّرات مستمرّة في دلالات مفرداتها.
-
طرق التعبير باللغة ( الحقيقة/المجاز، الصور البيانية، المقامات...إلج).
- تجاوز
النقص في المعجم (الفجوات المعجمية) لتغطيّته بالاشتقاق، أو التعريب، أو الاقتراض،
أو التّغيُّر الدلالي.
و
يفيد البحث اللغوي، بالنسبة لنا، من حيث أنّه ضروري لفهم القرآن و إفْهامه لعَوام
الناس، واستنباط الأحكام الشّرعية التي تساعد في بناء المجتمع الصالح. كما يساهم
في بقاء اللغة حيَّة، فانقراض اللغات هو نتيجة لإهمالها من قِبًل مستعمليها. و قد
يترتّب عن هذا الإهمال عواقب وخيمة، كفَقْد الترابط بالأمة الذي قد يؤدّي إلى ما
يُعرف حاليا بظاهرة "التغريب"، لإنّ اللغة شاهدة على ذاكرة
الشعوب و وِعاء تجاربها.
و
لذلك كلّه كان أوّل ما اهتمّ به العلماء المسلمون هو البحث في اللغة العربية؛
نحوها و معجمها وبلاغتها. و ظلّ الأمر مستمرّا على هذا الحال إلى غاية عصر
الانحطاط حيث ساد الاعتقاد بأنّ القدامى قد قالوا كلّ شيء فلم يعد هناك مجال
للاجتهاد... و كان لا بدّ من انتظار أواخر القرن 19م لتعود الروح مجدَّدا للبحث في
اللغة مع الدعوة إلى تجديد مناهج البحث بما يتماشى و التطوّر الذي أحدثه الغربيون
في هذا المـجال.
أهداف البحث اللغوي
يمكن
تلخيصها في ما يلي:
-
الهدف الأسمى للبحث اللغوي هو الوصول إلى الفهم الدقيق للمنتوج اللغوي وتسْهيل
التواصل به.
-
تيسير اللغة و مرونة التواصل بها؛ و يستهدف بشكل خاص تيسير نحوها، و إثراء معجمها،
و تبسيط قواعدها الإملائية، و طريقة كتابتها...
- اختزل
مناهج تحليل اللغة (أيّ كانت) باقتراح نظريات علمية تساهم في فهم تراكيبها وتحليل
نصوصها. و ذلك هو هدف اللسانيات المعاصرة.
خصائص البحث اللغوي المعاصر
و يمكن
تلخيصها في ما يلي:
-
السعي إلى استقلالية المناهج اللغوية عن مناهج العلوم الأخرى؛ و هو ما لخّصه
"دي سوسير" – رائد اللسانيات الحديثة – في عبارته الشهيرة " دراسة
اللغة لذاتها و بذاتها".
-
إخراج الدراسات اللغوية من التبعية للفلسفة و المنطق و ما يدور في فلكهما من
العلوم الإنسانية. و على سبيل المثال، فإنّ قواعد النحو العربي نموذج لتبعية اللغة
للمنطق، فقد تأثّر إلى حدّ بعيد بالمقولات العشر (الجوهر- الكم- الكيف- الزمان-
المكان- الإضافة- الوضع- الملك- الفاعلية- القابلية) و هي كلّها مقولات في علم المنطق
عند اليونان؛ فللشيء عندهم" جوهر و كم و كيف، وهو في زمان و مكان، ثمّ هو
يُفهم بالإضافة إلى شيء آخر، و يُدرَك في وضع، و قد يكون مالكا أو مملوكا، و فاعلا
أو مفعولا".
-
بدأت معالم الاعتراف باللغة على أنها علما مستقلا وفرعا خاصا من فروع المعرفة،
تتبلور مع نهاية القرن 19م. يقول "سابير (Sapir)"
" و لقد كوّن اللغويون الذين درسوا اللغات الهند- أوروبية لأنفسهم، بالتدريج،
منهجا قد يكون أكثر قربا للكمال من منهج أي علم آخر يتناول النُظُم
الإنسانية". و من خصائص هذا المنهج أنه
يعتمد على الصيغة الوصفية المؤسَّسة على وصف البُعْدين الـمُشكِّلين للغة، وهما:
الشكل و الوظيفة. و هو- على خلاف المنهج المعياري- لا يُصدر أحكاما و لا يفرِّق
بين اللغات، بل يكتفي بوصف كيفية اشتغال اللغة مهما كانت مكانتها.
خطواته
يهتمّ
البحث اللغوي بدراسة الظاهرة اللغوية ضمن لغة واحدة، أو لغات متعدِّدة. ويعتمد في
دراسته -عموما- على المنهج الوصفي، إلى جوار مناهج أخرى، كالمنهج المقارن والمنهج
التاريخي و المنهج التقابلي؛ و هي كلّها ذات مَنْزَع وصفي.
و
من سمات المنهج الوصفي أنّه يتوقَّف عند وصف أنظمة اللغة (الصوتي، الصرفي، النحوي،
العجمي...) و كيفية اشتغالها، دون إصدار الأحكام القيميّة.
يتأسّس
المنهج الوصفي المعتمد في الدراسات اللغوية على الخطوات التالية:
-
تحديد إشكالية البحث.
-
جمع المادّة، و تُسمّى أيضا المدوَّنة (corpus).
-
تصنيفها وفق مبدأي الائتلاف و الاختلاف.
-
تحليل المادّة.
-
استخلاص الميكانزمات التي تتحكَّم في تشكُّلها و وظيفتها.
-
استقراء النتائج في شكل قواعد.