القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

فقه اللغة - علاقة اللفظ باللفظ : اللغات السامية، اللغات الحامية واللهجات العربية

 




فقه اللغة


علاقة اللفظ باللفظ

 المقارنات السامية ( اللغات السامية - الحامية )

والمقارنات العربية ( اللهجات العربية )



يعرف الدكتور صبحي الصالح فقه اللغة بأنه منهج للبحث استقرائي وصفي ، يعرف به موطن اللغة الأول وفصيلتها وعلاقتها باللغات المجاورة أو البعيدة ، الشقيقة أو الأجنبية ، وخصائص أصواتها وأبنية مفرداتها وتراكيبها ، وعناصر لهجاتها ، وتطور دلالتها ، ومدى نمائها قراءة وكتابة .(دراسات في فقه اللغة ط 8 ص 22)

فيذكر من بين بحوث فقه اللغة علاقة اللغة باللغات المجاورة . وفي تحديد موضوع فقه اللغة رأى الدكتور تمام حسان أنه يتناول الكلمات المفردة ويدرسها من حيث علاقتها باللفظ والمعنى والاستعمال ، وفي علاقة اللفظ باللفظ ذكر المقارنات السامية ( اللغات السامية - الحامية ) والمقارنات العربية ( اللهجات العربية ) .

1-   المقارنات السامية     

قسم علماء اللغة اللغات الإنسانية إلى إحدى وعشرين فصيلة أهمها الفصيلة الهندية الأوروبية ، والفصيلة الحامية – السامية ، والباقية ثانوية متفرقة في أنحاء مختلفة من العالم . وقسموا الفصيلة الحامية – السامية إلى مجموعتين هما:

أ‌-      مجموعة اللغات الحامية 

وفيها المصرية والبربرية والكوشيتية، وتشمل اللغة المصرية المصرية القديمة والقبطية . ويقول الدكتور صبحي الصالح عن البربرية هي لغة السكان الأصليين لشمال إفريقية (تونس ومراكش والجزائر وطرابلس والصحراء والجزر المتاخمة لها، وأهمها اللغة القبيلية kabyle  والتماشكية Temachek  وهي لغة قبائل التوارج Touareg  الطوارق )

وأما الكوشيتية فهي لغة السكان الأصليين للقسم الشرقي من إفريقية ، وبها يتكلم نحو ثلث سكان الحبشة . وهنالك  مناطق في الحبشة تتكلم بلغة سامية.

ب‌-   مجموعة اللغات السامية

يطلق العلماء اليوم على الشعوب الآرامية والفينيقية والعبرية والعربية واليمنية والبابلية – الآشورية لقب الساميين . وكان المشتغلون باللاهوت اليهودي والمسيحي منذ العصور العربية الأولى قد أحسوا أن ظواهر اللغة العربية ربما مكنتهم من فهم بعض غوامض  النصوص المقدسة  ، ففطنوا عن هذا الطريق إلى أوجه شبه بين العربية والآرامية والعبرية .فلما كان عام 1798م عُني (عنى) الباحث الألماني شلوتزير schlozer    بلغات هذه الشعوب ، وأطلق عليها اسم (اللغات السامية).

وقد شاركه عالم ألماني آخر هو إيكهورن Eichorn . والتسمية لم تخترع اختراعا، فهي مقتبسة من الكتاب المقدس الذي ورد فيه أن أبناء نوح هم سام وحام ويافث، وأن القبائل والشعوب تكونت من سلالتهم .قال الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175 هـ) : " وكنعان بن سام بن نوح ينسب إليه الكنعانيون وكانوا يتكلمون بلغة تضارع العربية"

ووضح ابن حزم الأندلسي (ت 456 هـ) صلة العربية بالعبرية والسريانية توضيحا علميا يدل على إلمامه باللغات السامية ، وعلى إدراكه اتفاقها في الأصول واختلافها في الفروع ، وينم على فهمه عوامل التطور المؤثرة في توحد اللغات وتفرقها ، فقال : " من تدبر العربية والعبرانية والسريانية أيقن أن اختلافها إنما هو من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم ، وأنها لغة واحدة في الأصل "

فلما أدرك المستشرقون الغربيون عامة والألمان خاصة هذه الحقيقة أولوا المقارنة بين الساميات ما لم يولها أبناؤها ، وراحوا يدرسون أصواتها وألفاظها ونحوها وصرفها دراسة علمية دقيقة .... ثم حذا حذوهم الباحثون العرب ، فكشفت بحوثهم عن حقائق هامة وعن مجموعة من أوجه الشبه بين الساميات يمكن إيجازها بما يلي:

1-   اللغات السامية قليلة الاحتفال بحروف المد (ا، و، ي) ولهذا أضافت الحركات إلى الاسم .  

2-   أغلب ألفاظها مشتقة من جذور ثلاثية ، ومعظم أسمائها متحدرة من الأفعال خلافا لرأي البصريين، أي أصل  المشتقات في الساميات الفعل، وبذلك يقول الكوفيون.

3-   الساميات متشابهة في الضمائر وفي أسلوب اتصال الضمائر بالأفعال والأسماء والحروف .فضمائر الرفع العربية : أنا، أنتَ، أنتِ، هو ، هي، نحن ، أنتم، أنتن ، هم، هن. تقابلها في العبرية: أَنِي ، أَتَّا ، أَتْ، هُوُ، هِي ، نحنو، أتِّمْ، أتِّنْ، هِمْ، هِنْ.

4-   الساميات متشابهة في ألفاظ العدد، فالأعداد العربية : واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة ، ستة، سبعة، ثمانية ، تسعة، عشرة.يقابلها في العبرية: إِحادْ، شِنايمْ، شِلوشا، أرْبعا، خمشا، شِشّا، شِقْعا، شِمونا، تشعا، عسرا.

5-   صياغة الأسماء المشتقة كاسم الفاعل واسم المفعول واسمي الزمان والمكان متشابهة.

6-   كلتا اللغتين تتضمن حروف الإطباق والحلق التي تفتقر إلى معظمها معظم اللغات غير السامية (ص ، ط ، ظ ، ح ، ع ، غ ) وتتميز العربية بحرف الضاد.

ولا شك أن مقارنة اللغات السامية تعين على الكشف عن كثير من الظواهر في اللغة العربية ذاتها ،وتمكن الباحثين من تفسير أمور ربما أثارت الحيرة لو لم تُعِن هذه المقارنة على تفسيرها .

واللغات السامية  - بوجه عام – تشترك في عدد من الخصائص الدالة على وحدة أصلها ، فهي تمتاز عن سائر اللغات الأخرى بأن أصول كلماتها تتألف غالبا من ثلاثة أصوات ساكنة مثل (ض ر ب ) وإن كان بعض العلماء المحدثين يجنح إلى ثنائية الأصول السامية، كالأب مرمرجي الدمنيكي في كتابه (هل العربية منطقية ؟ أبحاث ثنائية ألسنية )(1947) .

والقائلون بثلاثية الأصول السامية يردون الرباعي منها إلى الثلاثي ، فيردون دحرج مثلا إلى دحر أو درج لما فيهما من معنى الإبعاد والدفع . واللغات السامية تمتاز في دلالتها على المعنى الأصلي باعتمادها على حروف المباني ، وفي تفرقتها بين المعاني المتكافئة باستخدامها حروف المعاني أو الحركات ، نحو لفظ( م ل ك ) فهو يدل على معنى مشترك بين عدد من الكلمات التي تتألف من هذه الأصول الثلاثة ، فمنه مَلَكَ، مُلِكَ، مَلِكٌ، مُلْكٌ، مَلَكٌ الخ.        

 

2-  المقارنات العربية (اللهجات العربية )

تعرض اللغويون والنحاة إلى المقارنة بين اللهجات العربية لما وجدوه من كثرة الألفاظ على المعنى الواحد ، ولما وجدوه من اختلاف في بعض القواعد النحوية والصرفية ، من ذلك ما رواه ابن جني عن الأصمعي قال :« اختلف رجلان في الصقر فقال أحدهما : الصقر بالصد وقال الآخر السقر بالسين فتراضيا بأول وارد عليهما فحكيا له ما هما فيه . فقال : لا أقول كما قلتما ، إنما هو الزقر . أفلا ترى إلى كل واحد من الثلاثة ، كيف أفاد في هذه الحال إلى لغته لغتين أخريين معها، وهكذا تتداخل اللغات  » الخصائص ج1 ص 374

وذكر النحاة في كتبهم أن (ما ) الحجازية تعمل عمل ليس و (ما ) التميمية لا تعمل وإن النافية في لغة أهل العالية مثل (ما) في لغة الحجاز . وذو في لهجة طيء ترد بمعنى (الذي) .قال سنان بن الفحل الطائي[1] :


فإنّ الماءَ ماءُ أبي وجدّي **** وبئري ذو حفرتُ وذو طويتُ


ويورد فقهاء اللغة مجموعة من المقارنات بين لغة قريش ولغة تميم ، من ذلك أن تميما تقول: تِعلم ونِعلم بكسر حرف المضارعة ، وحمْر و جمْعة بتسكين الميم ، وحقِد يحقَدُ، ومديون ومُرْية وهيهات. وتقول قريش: تَعلم ونَعلم بفتح حرف المضارعة ، وحمُر و جمُعة بضم الميم ، وحقَد يحقِدُ، ومدين ومِرْية وأيهات.

وفي كتب اللغة إشارات إلى بعض المذموم من لهجات العرب ، من ذلك ( الكشكشة ) ، وهي في ربيعة ومضر ، يجعلون بعد كاف  الخطاب في المؤنث شينا ، فيقولون: رأيتكِشْ، وبكِشْ، وعليكِشْ. فمنهم من يثبتها حالة الوقف فقط.وهو الأشهر، ومنهم من يثبها في الوصل أيضا ، ومنهم من يجعلها مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف فيقول : منْش، وعَلَيْش. وتوجد ( الكشكشة ) في أسد أيضا  ، يبدلون الكاف شينا ، وينشدون:

فعَيْناشِ عيناها ، ، وجيدُشِ جيدُها. ولوْنشِ ، إلا أنها غيرُ عاطل.

وتوجد  في ربيعة ( الكسكسة ) أيضا،  يصلون بالكاف سينا  ، فيقولون: عليكِسْ.

ومن ذلك ( الفحفحة ) في لغة هذيل ، يجعلون الحاء عينا فيقرأون  " حتى حين " عتى عين .

ومن ذلك الطمطمانية في لغة  حِمْير كقولهم :   طاب امهواء أي طاب الهواء . وكقول رجل منهم يسأل الرسول (ص) : هل من امبر امصيام في امسفر ؟ يقصد : هل من البر الصيام في السفر؟ فيجيبه : ليس من امبر امصيام في امسفر.

ومن ذك ( العجعجة ) في لغة قضاعة يجعلون الياء المشددة جيما ،يقولون في تميميّ : تميمج  . وقال أبو عمرو بن العلاء : قلت لرجل من بني حنظلة : ممن أنت؟ قال: فُقَيْمج ، فقلت : من أيهم؟ قال: مُرِّج.أراد فقيميّ و مُرِيّ. ولذلك اشتهر إبدال الياء جيما مطاقا في لغة فقيم.

ومن ذلك ( شنشنة اليمن ) . تجعل الكاف شينا مطلقا كلبيش اللهم لبيش . أي لبيك اللهم لبيك.  

        وقد ارتفعت لهجة قريش في الفصاحة عن تلك العادات اللغوية المذمومة فكانت أنقى اللهجات العربية فنزل بها القرآن الكريم.

 



[1] - ذكره أبو تمام في حماسته (1/231)