القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

فقه اللغة - علاقة اللفظ بالمعنى : المعنى الجرسي - المحاكاة و التأليف -


 

فقه اللغة

علاقة اللفظ بالمعنى

المعنى الجرسي

 - المحاكاة و التأليف -


يعود البحث في علاقة اللفظ بالمعنى إلى  ما لاحظه فقهاء اللغة من ارتباط  بين الكلمة ومعناها ، وقسموا ذلك إلى قسمين : المعنى الجرسي و المعنى العرفي أو المعجمي .

1-   المعنى الجرسي


ويقصدون به الارتباط  بين جرس الكلمة وأثره في دلالتها في بعض الحالات ، وسجلوا ذلك تحت عنوانين :

أ‌-  المحاكاة

وهي دلالة الكلمة بجرسها على مدلولها . وأول من لاحظ هذه الظاهرة اللغويون الإغريق فسموها onomatopoeia   ولكن هذه الظاهرة شائعة في جميع اللغات الإنسانية ، وقد أرجع البعض إليها النشأة الأولى للغة ، فجعلوا اللغة في نشأتها محاكاة لأصوات الطبيعة . وقد لاحظ اللغويون العرب هذه الظاهرة في كلمات مثل " الخرير"و " الفحيح (للأفعى) " و " الحفيف" و " الزئير". وتسمى الألفاظ  ذات الجرس المعبر. وصنفها البعض في فصول منها:

1-   الألفاظ الدالة على أصوات الحيوانات وضوضاء الأشياء ، كنباح الكلب ، وعواء الذئاب ، وخوار البقر، ونقيق الضفادع ، وهديل الحمام ، وزفير النار، وأزيز القدر عند الغليان ...الخ.

2-   الأصوات الدالة على بعض أفعال الإنسان كشرب ، ورشف، و سعل، وعطس،وهمس،وضج وعج.

3-   الأصوات الدالة على أسماء أنواع من الحيوان أو الأشياء ، كالزرزور (وهو حشرة مجنحة تعيش بين الأشجار ، واسمها حكاية لصوتها ) والصفصاف(وهو شجر معروف اسمه مشتق من فعل صفصف ، ومعناه في اللغات السامية صفر، وما يزال له هذا المعنى في العربية والعبرية ) وكالخلخال والدف والبوق والصنج  والقبقاب ....

4-   أكثر الأفعال الرباعية المضاعفة التي وزنها (فعفع) تدل على حكاية أصوات مختلفة منها : تمتم ، غمغم ، رجرج، (أي تردد في الكلام عن عي ولم يوضحه) قهقه ، ولول (ناح بصوت مرتفع) حمحم الحصان ، مأمأ الخروف.

كما أرجع اللغويون إلى المحاكاة بعض ظواهر الاشتقاق " الكبار" في نحو " قطع " و" قطف " و " قطم " و" قط " وكذلك " قصف " و" قصم "و "لكم "بمعنى ضرب بجمع يده فأوجع و " كلم " أي ضرب فجرح.ويقول ابن جني في باب  " تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني " إن مجرد الاشتراك في بعض الحروف  يكفي أحيانا للاشتراك في الدلالة ، من ذلك قول الله سبحانه:  

 (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا )   سورة مريم الآية 83 أي تزعجهم و تقلقهم . فهذا في معنى تهزّهم هزّا . والهمزة  أخت الهاء، فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين . وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء ، وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهزّ ، لأنك قد تهزّ ما لا بال له كالجذع وساق الشجرة ونحو ذلك "[1]

ب‌- التأليف

والمقصود به تركيب الكلمة من أصوات يحسن أو يقبح تجاورها لما بينها من قرب المخارج أو بعدها ، فإذا تقارب المخرجان نشأ التعقيد اللفظي كما في " مستشزرات "[2] و" الهعخع" [3] ، وإذا تباعد المخرجان خفت مئونة النطق بالكلمة.

ولقد لاحظ الأقدمون أن الكلمة العربية إذا أريد لها أن تكون فصيحة مقبولة فإنها تتطلب في مخارج حروفها أن تكون متناسقة ، ولا تتسامح اللغة فتتخلى عن هذا المطلب إلا في أضيق الحدود في حالات الزيادة والإلصاق ونحوهما.[4]

قال السيوطي في كتابه " المزهر " : قال ابن دريد في الجمهرة : اعلم أن الحروف إذا تقاربت مخارجها كانت أثقل على اللسان منها إذا تباعدت ، لأنك إذا استعملت اللسان في حروف الحلق دون حروف الفم ودون حروف الذلاقة [5] كلفته جرسا واحدا وحركات مختلفة. ألا ترى أنك لو ألفت بين الهمزة والهاء والحاء فأمكن لوجدت الهمزة تتحول هاء في بعض اللغات لقربها منها نحو قولهم في أم والله ، هم والله . وقالوا في أراق هراق ، ولوجدت الهاء في بعض الألسنة تتحول ، وإذا تباعدت مخارج الحروف حسن التأليف.

قال واعلم أنه لا يكاد يجئ في الكلام ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة لصعوبة ذلك على ألسنتهم"



[1] - الخصائص ج2 ص 146

[2] - شزر الحبل : فتله ، وشزر فلانا : نظر إليه بمؤخر عينه ، وأكثر ما يكون في حال الإعراض أو الغضب ، وشزره بالسنان طعنه عن يمين وشمال . وردت كلمة (مستشزرات) في معلقة امرئ القيس.

[3] - سئل أعرابي عن ناقته فقال : " تركتها ترعى الهعخع "

[4]- نحو قوله تعالى :  - لتُبْلَوُنّ في أموالكم - اللام واقعة في جواب قسم مقدر . تبلون: فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون المحذوفة لتوالي الأمثال . والواو المحذوفة لالتقاء الساكنين في محل رفع نائب فاعل، ونون التوكيد لا محل لها من الإعراب . وأصل الفعل : لَتُبْلَوُونَنّ.

[5] - حروف الذلاقة :  (  ل ر ن ب ف م )