القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

منهجية و تقنيات البحث العلمي : اختيار موضوع البحث، إشكالية موضوع البحث و الهوامش ( من الألف إلى الياء )



منهجية و تقنيات البحث العلمي
اختيار موضوع البحث، إشكالية موضوع البحث و الهوامش
( من الألف إلى الياء )



 اختيار موضوع البحث :  الدوافع، القواعد، المصادر المساعدة و صياغة العنوان

أوّلا : دوافع اختيار الموضوع

مما لا شك فيه أن اختيار الطالب الباحث لموضوع معين للبحث خلفه دوافع شخصية وأخرى تجعله يميل إليه، و يشير بول ياكسون في كتابه إرشادات علمية لإعداد الرسائل والاطروحات الجامعية إلى أربعة دوافع مهمة تجعل الطالب الباحث يقبل على موضوع البحث وهي  :[1]

-الاهتمام الخاص

-الاتصال بمورد إعلامي ذي امتياز خاص )منصب ،وظيفة(

-إثارة الانتباه من طرف عالم أو محاضر.

-الوعي بالقصور الذي يطبع عادة تناول الموضوع .

فياكسون يعطي الأسبقية في الدوافع إلى الاهتمام الخاص للباحث فلكل باحث مجال اهتمامه الخاص، لأن الدافع الشخصي محض، وهو المهم قبل أي دافع لأن الرغبة الشخصية في البحث هي بمثابة الطاقة التي تحرك هذا العمل، وبدونها لا يمكن الاستمرار فيه.

أما قضية الاتصال بمورد مالي فهي تتعلق بوظيفة الطالب الباحث أو منصبه وما لها من تأثير في اختيار بحثه فالباحث بحكم عمله في ميدان معين أو توليه مسؤولية معينة، فلو أخذنا مثالا لأستاذ للغة العربية في ميدان التعليم، يمكنه اختيار موضوع بحث يتعلق بتحسين فهم الطلاب للنحو العربي انطلاقا من تجربته الخاصة في ميدان التعليم، أولا لوقوفه على القصور الموجود في هذا الموضوع ، وثانيا لتوفر المعطيات التي يحتاجها الطالب الباحث والعينة التي يمكنه أن يجرب عليها الطرق التي يتوصل إليها في تحسين فهم النحو العربي للطلاب.

ويبقى لاتصال الأستاذ المشرف وتأثيره على الطالب دوره في اختيار الموضوع وتوجيهه إليه في كل الأحوال واجب ومطلوب.

ثانيا : القواعد الأساسية لاختيار موضوع البحث

حدد الباحثون قواعد أساسية في اختيار أي موضع للبحث يتقدم به الطالب أو الطالب الباحث، وقد حدد الدكتور مهدي فضل الله قواعد في اختيار موضوع البحث منها  :[2]

أولا :أن يكون بحثه عن الحقيقة مجردا من غاية أو منفعة أو مصلحة.

ثانيا: ان يشمل بحثه كل تفاصيل الموضوع الذي يعالجه بحيث يغطي كافة جوانبه.

ثالثا: أن يجري في بحثه على أسس من العقل والمنطق السليم المؤيد بالأدلة والحجج والبراهين .

رابعا: أن يتتبع في بحثه منهجا متماسكا خاصا به يقوم على آلة لغوية دقيقة.

ويشير الدكتور منذر الضامن إلى قاعدة أساسية في اختيار موضوع البحث متعلقة بعامل الوقت وتكلفة البحث، أي ما يرتبط بظروف الطالب الباحث التي يجب مراعاتها في اختيار الموضوع[3] ". وهي  ظروف لا يجب أن يتحجج بها الطالب الباحث في عدم الجدية في البحث والتساهل في اختياره ؛ لأنها تخرج العمل عن هدفه الذي وجد من أجله، أي أن "اختيار موضوع الرسالة ينبغي أن لا يخضع لاعتبارات ظرفية جانبية مثل ضيق الوقت وصعوبة العمل وكثرة النفقات، وإلا انتقل الغرض من الحرص على الانجاز العلمي إلى الظفر بشهادة بيسر من التضحية ،وإنما الواجب أن يكون العامل في اختيار الموضوع الرغبة في إحقاق حق أو إبطال وهم، أو إيجاد تسوية أو سد ثغرة، أو إظهار مجهول، أو تعويم مغمور"[4].وهذا الغرض الشريف من البحث الذي وجب السعي إليه .

ومن القواعد التي ينبغي الاهتمام بها في اختيار موضوع البحث :

-حداثة الموضوع: يجب على الباحث البحث عن الحداثة في المواضيع، والابتعاد عن تلك التي أنهكت بالبحث واستهلكت.

-الابتعاد عن المواضيع المعقدة والمثيرة للجدل: ينبغي للباحث الابتعاد عن المواضيع التي كثر التعقيد فيها حتى لا يتورط في متنها بسوء الفهم أو سوء البحث، كما يجب عليه الابتعاد عن المواضيع التي تثير الجدل أو تثير اللغط في مجتمعه العلمي أو بيئته الاجتماعية، لأن الإثارة لهذه المواضيع يجلب للباحث المشاكل في عدة جوانب، ولا يمكنه التصدي لها بأي حال من الأحوال.

-إتقان اللغات الأجنبية: كلما كان إتقان الباحث للغات الأجنبية جيدا، كان مجال اختياره لمواضيع البحث واسعا واستطاع أن يل م بموضوع بحثه في الدراسات العربية والأجنبية والعكس صحيح ، فتخلف الباحث في هذا الجانب يوجب عليه الابتعاد عن الموضوعات التي تعتمد بشكل كبير على الد راسات الأجنبية ،فمثلا الباحث الذي تدفعه الرغبة في البحث في موضوعات اللسانيات الغربية أو الآداب الأجنبية أو الأدب المقارن ، لا يمكنه طرق هذه الموضوعات ما لم يكن متمكنا من لغة اجنبية واحدة على الأقل وإلا ظل في متاهات البحث .

ثالثا : المصادر المساعدة في اختيار موضوع البحث 

قد لا تكفي رغبة الباحث في اختيار موضوع بحث ما، أو توهمه الإلمام به، لأنه يضطر إلى الاستعانة بمصادر تعرف من خلالها على موضوع بحثه ويختاره بدقة. ومن بين هذه المصادر نذكر:

أ- المشرف :

الأستاذ المشرف أو المؤطر له دور كبير في اختيار موضوع البحث، نظرا لمستواه المعرفي من جهة ومعرفة بطالب الباحث عن قرب.

ب-الأساتذة المتخصصون داخل الجامعة وخارجها :

يمكن للباحث أن يستعين بأساتذة من أصحاب التخصص في الجامعة خارجها واستشارتهم حول اختيار موضوع البحث، لما لهم من خبرة ورصيد معرفي يستفيد منه الباحث في الإحاطة بموضع البحث.

ج-المكتبات و أرشيف المذكرات والأطروحات:

يمكن للباحث أن يعود إلى المكتبات باختلاف أنواعها للبحث عن موضوع للبحث في تخصصه أو التأكد من التأليف فيه إذا كان له تصور أولي حوله، كما تساعد المكتبات في حصر المصادر والمراجع التي تخدم موضوع البحث، مما يعطي للباحث انطباعا أوليا على صلاحيته للبحث وقدرة الباحث على طرقه أو تركه .

والأمر نفسه بالنسبة لأرشيف المذكرات والأطروحات داخل الجامعة وخارجها، فهو يعطي للباحث فكرة عن المواضيع التي لم تحظ بالبحث فيطرقها أو التي لم تستوف حقها من البحث فيوسع فيها ويتم النقص فيها .

والجدير بالإشارة هنا أن تكنولوجيا المعلومات قد سهلت من مهمة البحث عن الموضوعات في أرشيف المذكرات والأطروحات في الجامعات.

د-مواقع البحث الأكاديمية على شبكة الأنترنت:

يمكن للباحث أن يستفيد مما تتيحه شبكة الانترنت من مواقع الكترونية توفر معلومات كثيرة عن البحوث الاكاديمية والأطروحات .

رابعا : صياغة عنوان البحث

عنوان البحث سمته التي تميزه وتعطيه خصوصيته العلمية، ولهذا يتوجب على الباحث التركيز في صياغة عنوان مناسب لبحثه، بحيث يكون هذا العنوان اسمه الأكاديمي الذي يصلح لهذا المنتج العلمي.

وتأتي أهمية صياغة عنوان البحث بالنسبة للباحث من عدة أسباب منها:

-عنوان البحث يقدم فكرة عامة عن محتوى البحث.

-عنوان البحث هو أول اتصال للقارئ أو الباحث المتخصص به وبالتالي هو ما يدفعه للاطلاع عليه أو المرور عليه مرور الكرام.

-عنوان البحث مهم في فهرسته في المكتبات وقواعد البيانات الالكترونية .

-عنوان البحث هو ما يميز عمل الباحث عن غيره من البحوث ويحفظ له حقوقه العلمية والأدبية لدى المؤسسات العلمية.

ويختلف العنوان العلمي عن العنوان الأدبي في كون الثاني يسمح بفضاء تخيلي لمضامين العمل الإبداعي، و يبيح قراءات متعددة دلالية وسيميائية له ،بينما العنوان العلمي يسير في نسق خطي لا يسمح بتأويله أو رسم حقول متخيلة لمضامينه إلا في حدود تخصصه العلمي؛ لأنه يقرر حقيقة علمية يتجه إليها الباحث من خلاله، في حدود تخصصه الدقيق، أي أن العنوان العلمي يحصر نطاق محتوى العمل العلمي في حدود ميدانه وتخصصه، ويشير إلى الحقيقة التي يريد أن تقرر من خلاله أو النتيجة التي استخلصت منه.

ويقدم الدكتور ذياب البداينة ملاحظات مهمة في اختيار عنوان البحث أهمها  :

1-  أن يكون محددا وشاملا لأهم مفردات البحث، على أن لا يتم إدخال الكثير من المفردات لأن ذلك يجعل العنوان طويلا وغير محدد.

2-  أن لا يكون العنوان عاما.

3-   أن يشمل العنوان المفردات الأساسية للبحث .

4-    استخدام اللغة المتخصصة في العنوان وتجنب اللغة الصحفية أو العامية.

لعل الشرط الاول لمناسبة العنوان لموضوع البحث أن يكون ملخصا له، وينصح الدكتور منذر الضامن كل باحث بالتركيز على ضبط عنوان البحث قائلا: "ويفترض في العنوان أن يلخص الفكرة الأساسية للورقة او البحث الذي تريد كتابته قدر الامكان. وأن تحدد المتغيرات التي سيتم بحثها وعلاقتها مع بعضها البعض ".

ولكي نحكم على عنوان ما أنه مناسب للبحث يجب أن تتوفر فيه شروط شكلية وأخرى متعلقة بمضمونه :

أمّا الجانب الشكلي للعنوان فمهم جدا لأنه الصورة البصرية التي يتواصل بها القارئ أو الباحث الأكاديمي مع البحث في المكتبات وعبر وسائط الاتصال الرقمية. ويجب الاهتمام في الجانب الشكلي للعنوان بالعناصر التالية:

أ-الجانب اللغوي: الجانب اللغوي في العنوان مهم للغاية؛ لأن الخطأ فيه يخرجه عن مضمونه أو قصده، ويحمله على مضامين قد تتعارض مع مضمونه، أو تحط من قيمته العلمية، وتزري بالباحث أمام لجنة المناقشة أو عند القارئ المتخصص.

ب-الخلو من الأخطاء: ويكون بتجنب الأخطاء اللغوية التي تنفر منه، ومراجعة أسماء الأعلام و الأماكن التي يمكن أن يحتويها ، كما يجب مراجعة المصطلحات العلمية العربية والأجنبية وكتابتها كتابة سليمة.

ج-حسن الصياغة: حسن الصياغة ضرورية في عنوان البحث، لأنها تعطيه صورته الحسنة، وتقرب فهمه للباحثين الأخرين.

د-أن يكون واضحا لا يحتمل التأويل.

ه- الوسطية فلا يكون العنوان طويلا مطنبا أو قصيرا مخلا.

و-أن يكون العنوان مبتكرا وغير تقليدي.

أمّا من ناحية المضمون فيجب الاهتمام بالعناصر الآتية:  

-علاقة العنوان بمضمون البحث علاقة وثيقة، لأنه يختصر محتواه في بعض الكلمات الدالة عليه، وبتالي فكل كلمة في العنوان مهمة، بحيث يصبح حذفها أو الزيادة فيها مخرجة للبحث عن إطاره.

فلا ينبغي التقديم والتأخير في الألفاظ أو العبارات المستعملة في العنوان بشكل عشوائي، لأن كل كلمة لها مدلولها في العنوان وهي الدالة عليه والمعرفة به عند الفهرسة وعند بحث المهتمين بموضوعه في المكتبات ومراكز المعلومات.

-العنوان يكون مناسبا لموضوع البحث إذا دل عليه ولخصه في كلماته.وكما هو معلوم أنه " تقتضي الدراسة العلمية المنهجية الوصول إلى عنوان واضح ودقيق ، يوحي للقارئ بفحوى مضمون البحث ومدى استفادته منهكما يمكننا معرفة مناسبة العنوان للبحث من خلال استشارة الاساتذة من ذوي الكفاءات والتخصص، "لهذا من الضروري استشارة الأساتذة الأكفاء لإبداء آرائهم ومقترحاتهم حول عنوان البحث ومناقشته مدلوله والتعرف على أبعاده ويزيد هذا من اطمئنان الباحث في الوقوف على اختلاف وجهات النظر"  .

وفي الأخير ننصح الباحث بالابتعاد عن العناوين الجاهزة أو التي يكثر استعمالها في البحوث ، فكل بحث يجب أن يصنع لنفسه مكانا بين البحوث العلمية القيمة، وهذا ما ينبغي له أن يدركه حين يختار لبحثه عنوانا، إذ عليه أن يميز بحثه بعنوان يفرقه عن باقي البحوث التي تناولت ذات الموضوع ، حتى يتمكن القارئ من التمييز بينه وبين بقية البحوث الأخرى المهتمة بنفس الموضوع.

 

 

إشكالية موضوع البحث :  المفهوم و مراحل الصياغة

 

         إنّ لكل تخصص علمي مواضيع ومشكلات بحث ودراسة، بعضها احترق وأتى أكله وبعضها الآخر لم يبصر النور فهو يحتاج للبحث والتفسير والتوضيح. وطرح مشكل أو موضوع بحث ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى صياغة وقولبة علمية تحدد المشكل العلمي المطروح وحدود تداخله مع إشكالات وموضوعات أخرى ومحاولة رسم تصور لطريقة معالجته أو الإجابة عن تساؤلاته. وهو ما ندعوه صياغة إشكالية الدراسة أو البحث. فماذا نعني بإشكالية البحث؟

أوّلا: مفهوم الإشكالية

إنّ للإشكالية في البحث العلمي تعريفات متنوعة منها: ما ذكره "موريس أنجرس" إذ يرى أنّ الإشكاليّة عبارة عن عرض الهدف من البحث على هيئة سؤال يتضمّن إمكانية التقصّي والبحث بهدف الوصول لإجابة محددة.[5] وترى رجاء دويدي أنّ الإشكالية عبارةٌ عن سؤالٍ يهدف إلى معرفة العلاقة التي تربط بين متغيّرات البحث، ويتحقق الغرض من البحث بالإجابة عن هذا السؤال[6]. أمّا الباحثان لارامي وفالي: فيريان أنّ "الاشكالية هي بناء من المعلومات يؤدي ربطها إلى احداث فجوة لدى الباحث تترجم إلى حالة من الدهشة أو يثير لديه تساؤلا من القوة بحيث يدفعه إلى القيام بالبحث."[7]

بناءً على ما سبق نخلص إلى أنّ الإشكالية مجموعةٌ من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات، والتي تُطرح من قِبل الباحث أثناء قراءته حول موضوع البحث، ويُجيب عنها الباحث بعد اتّباعه لأساليب البحث والتقصّي، وعند كتابة البحث يتم صياغة تلك التساؤلات على هيئة سؤالٍ واحد أو عِدّة أسئلةٍ بحثيّة.[8] فكلُّ بحثٍ يتميّز بإشكاليةٍ خاصة تُميّزه عن غيره من الأبحاث التي تبحث في نفس الموضوع أو المشكلة.

وحتى يتسنى للباحث أو الطالب الباحث طرح مشكلة بحثية جديرة بالدراسة والاهتمام العلمي يشترط بعض الشروط مثل :


-أن يكون مشرف ومؤطر الدراسة هو من اقترح هذه الإشكالية على الطالب الباحث لدراستها أو يكون المشرف قَبل الموضوع المقترح من طرف الطالب ووجه وأطر طريقة طرح الإشكالية .


-يمكن أن تكون المشكلات العلمية المطروحة للبحث بغرض تقديم حلول من اقتراح مؤسسات أو مخابر علمية تشتغل في نفس حقل تخصص الطالب أو الباحث .


-يمكن أيضا للدراسات السابقة التي تناولت نفس المشكلة أن تكون مصدرا لصياغة مشكلة بحثية / إشكالية اعتماد على التوصيات والمقترحات التي توصلت إليها الدراسات السابقة .


-يعتبر التخصص الذي تكَون فيه الباحث والخبرة التي أكتسبها من هذا التخصص عاملا مهما أيضا في توجيه الباحث لاختيار مشكلات وموضوعات بحث جدية . 


ومن أجل أن تكون الإشكالية المطروحة قد تمت صياغتها بطريقة علمية وسليمة، يجب توفر الشروط التالية :

· ضرورة تعبير الإشكالية عن مشكل / أو إشكال علمي حقيقتي يبين حيرة الباحث اتجاه الصعوبة والإبهام والغموض الذي يكتنف هذه المشكلة البحثية التي على الباحث أن يكشف عنه ويوضحه .

· أن تستمد الإشكالية من المجال المعرفي للباحث ومن تخصصه.

· ضرورة أن تكون مضبوطة وبدقة ولا تتضمن إطنابا ولا حشوا لفظيا ولا تناقضا.

· ضرورة أن تكون واضحة في مصطلحاتها ومفرداتها العلمية.

· ضرورة أن تطرح المشكلة المدروسة في صيغة إشكالية تنطلق من تصور / بناء يتدرج من الأفكار والتوضيح العام والكلي إلى ما هو خاص وجزئي بمعني ينطلق من نظرة كلية إلى نظرة جزئية (من الكل إلى الجزء).

· يجب أن تتضمن الإشكالية متغيرين أو عدة متغيرات يتم الربط بينهما أو بينها جميعا.

· على الباحث تجنب طرح التساؤلات المغلقة في الإشكالية والتي تتم الإجابة عنها بلا أو نعم، بل عليه طرح تساؤلات تثير نقاشا وتفكيرا حول مشكلة معينة .

· على الباحث صياغة إشكالية تقبل الاختبار الميداني والتحقق منها في الواقع من خلال عملية البحث والبرهنة .

وهكذا نرى أن الإشكالية ركن أساسي في البحث العلمي ولا يمكن للباحث الاستغناء عنها ، فهي تقدم إضافة كبيرة للبحث العلمي ، وتساعد الباحث على الوصول للحل ، كما تقدم العون للقارئ ، وتسهل عليه مسألة فهم البحث العلمي .


ثانيا: مراحل صياغة الإشكالية

صياغة إشكالية للبحث مهمة يجتهد الباحث فيها مع بداية الاشتغال على موضوع البحث، فهي العنصر الذي ترد إليه كل أسئلة يحاول البحث الإجابة عنها، كما أنها النقطة التي يراجعها الباحث في كل مرة ليتفقد معالم حدود البحث. وفيما يأتي  الخطوات الأساسية التي يجب إتباعها لصياغة إشكالية :

1-مرحلة الإحساس بالمشكلة : وهذا من خلال تحديد الباحث للمجال المعرفي للتخصص الذي تكَون فيه وقيامه بصياغة عنوان البحث محل الدراسة والذي سيحول هذا الإحساس بالموضوع إلى قلق علمي يحاول الباحث أن يجيب عليه.

2- مرحلة الإحصاء والاستطلاع: يتعلق الأمر بجمع المعطيات والمعلومات والبيانات الخاصة بمشكلة البحث ومحاولة استطلاع هذه المشكلة في الواقع وفي الميدان.

3- مرحلة التحليل: يقوم فيه الباحث بتفكيك وتحليل البيانات والمعلومات المستطلعة بغرض ضبط العناصر المكونة لمشكلة البحث.

4-مرحلة صياغة الإشكالية : وهي مرحلة التعبير اللفظي والكتابة للمشكلة بناء على مختلف العناصر التي تتكون منها والمستقاة من المراحل السابقة والتي تُطرح في شكل تساؤلات واسئلة علمية حول المشكلة .

 

 

الهوامش : المفهوم، طرق التهميش و كيفية التوثيق

يُعتبر التزام الباحث بقواعد كتابة الهوامش والحواشي أحد علامات قوة بحثه، ودليلاً على فهمه للمادة العلمية التي يبحث فيها، وحرصه على وضعها في الموضع الذي ينبغي أن تكون فيه، وفي نفس الوقت شهادة له بالأمانة العلمية، التي تفرض عليه أن ينسب كلَّ رأي إلى صاحبه، يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في ذلك: "من بركة العلم أن يُضاف القولُ إلى قائله".

أوّلا : تعريف الهامش

جاء في القاموس المحيط للفيروز أبادي أنّ: "الهامش حاشية الكتاب".[9]  وذكر الإمام النووي "حشو.... قال الأزهري في تفسير هذا اللفظ: الحاشية الناحية، وحاشية الثوب وكل شيء ناحيته، وحاشية كل شيء طرفه الأقصى، وكذا حشي كل شيء ناحيته...."[10]. فالهامش والحاشية لفظتان تستعملان استعمالًا مترادفًا وهنا آثرنا كلمة "هامش" تغليبًا للاستعمال. هذا لغة أمّا اصطلاحا فتقول الدكتورة ثريا عبد الفتاح ملحس: أطلقت لفظ الهامش ...على الفسحة التي تقع خارج المتن في أسفله، على أن تبقى لفظة الحاشية على الفسحات التي تقع خارج المتن عن يمينه ويساره"[11]

"وقد أصبحت الهوامش جزء لا يتجزأ من البحوث الحديثة، ويراد بها بيان المصادر التي استخدمها الباحث في بحثه وكأنها مستنداته في الدراسة، فهو يقدمها للقارئ وكأنما يقدم أدلته وبراهينه على ما يسوق من أفكار ...[12]"

فالهامش إذن هو المادة التي تظهر في أسفل الصفحة أو في نهاية الكتاب أو البحث من أجل توضيح فكرة أو إعطاء معلومات عن مرجع تم الإشارة إليه أو الاقتباس منه فهي مُدونات خارجة عن المتن، وهي في نفس الوقت جزءٌ لا يتجزأ منه، فالغرض الرئيس من الهوامش هو التوضيح، لا إضافة معلومات جديدة أو استطراداتٍ لا يحتاجها الباحث، ولا يلجأ الباحثُ إلى الحواشي إلا عند الضرورة، وعليه أن يُراعي عدم اشتمالها على معلومات أساسية تُضافُ من حين إلى آخر، فالغرض منها - كما أشرنا - هو التوضيح والتوثيق، لا إضافة معلومات جديدة فاتت الباحثَ ويُريد أن يُسجلها.

ويستعين الباحث بالهامش ليذكر جملة من الأمور منها:


1-اسم المصدر أو المرجع أو المخطوط... الذي اقتبس منه أو استفاد منه المعلومات أو الأفكار، وذلك لكي يتيح الفرصة للآخرين كي يتحرّوا عن صدق هذه المعلومات أو الأفكار بأنفسهم، ولكي يتوسعوا في الاطّلاع عليها.


2- عنوان المحاضرة (عامّة، خاصّة)، التي استند إليها، ومكان وزمان تلك المحاضرة، إضافة إلى ذكر اسم المحاضر.


3- مكان وتاريخ المقابلة أو المراسلة التي تمّت مع بعض الأشخاص فيما إذا استند إليه.


4-توضيح بعض الأمور الواردة في المتن، والتي لا يمكن إثباتها في سياق النصّ، لأنّ ذلك غير ضروري أو جوهري. كتفسير بعض الألفاظ القديمة، أو التعريف ببعض الأشخاص ( علماء، شعراء، ملوك، قادة)، والأماكن (قم، وخرسان..)، والمعارك (النهروان، وصفين..)...


5- توجيه القارئ إلى أجزاء أخرى من الرسالة تتناول ذات الموضوع بمزيد من الشرح أو التحليل ،أو إلى جداول معنية تحتوي على بيانات تؤيد أو تعارض الفكرة التي يتم عرضها في النص أو توجيه القارئ إلى مراجع معينة لقراءتها لمزيد من التفصيل عن الموضوع.

ويستحسن إذا كان الأمر يتعلّق بتوضيح ما، أن يشار إلى ذلك في متن النص، بعلامة (*) لتمييز التوضيح عن المرجع، الذي يشار إليه عادة بالترقيم العددي: (1) (2) (3). وإذا تعدّت الحاجة إلى التوضيح لأكثر من مرة في الصفحة الواحدة، كانت الإشارة إلى ذلك بتعدّد الحاجة. فإذا كان التوضيح للمرّة الثانية، وضع مقابلة: نجمتان (**). وإذا كان التوضيح للمرة الثالثة، وضع مقابلة: ثلاث نجمات (***) وهكذا...

 

ثانيا : طرق التهميش:

للتهميش ثلاث طرق يتخير منها الباحث الطريقة التي يستحسن السير عليها ، وينبغي أن يستقر رأيه

على واحدة منها حين البدء ، فيلتزم السير عليها حتى نهاية البحث ، وفيما يأتي عرض لهذه الطرق:

1-تدون الهوامش بأسفل الصفحة : ويكون هذا بطريقة من الطرق الآتية:

·  وضع أرقام مستقلة لكل صفحة على حدة ، من رقم 1 مدونا في أعلى نهاية النص ، أو الفكرة يقابله الرقم المماثل في الهامش ، وكل صفحة مستقلة بهوامشها و مراجعها ، ويفصل بين المتن و الهامش بخط أفقي تتلوه الهوامش ، وهي أهم الطرق و أسهلها و أكثرها شيوعا ، حيث بإمكان الباحث إضافة أو حذف رقم دون أن يحتاج إلى تغيير أرقام الهوامش الأخرى.

·  وضع أرقام متسلسلة لكل فصل على حدة:  ويبدأ أيضا من رقم 1 ويستمر إلى نهاية الفصل، مع السير اختصاص كل صفحة بهوامشها و تعليقاتها.

· وضع أرقام متسلسلة للبحث كله : يبدأ برقم 1 ويستمر إلى نهاية البحث و يدون في أسفل كل صفحة هوامشها.

2- التهميش في نهاية كل فصل : وضع أرقام متسلسلة لكل فصل على حدة ، يبدأ برقم 1 ويستمر حتى نهاية الفصل ، وتجمع الهوامش و التعليقات لتدوينها في نهاية الفصل.

3- التهميش في نهاية البحث: جمع الهوامش كلها في نهاية البحث ، وإعطائها رقما متسلسلا من بداية البحث حتى نهايته.


 

ثالثا : كيفية توثيق الهوامش

إن موضوع الإشارة إلى المصادر ليست مسألة ضرورة من باب الأمانة العلمية فحسب، بل إن الأمر يتعدى إلى تقرير صحة البحث واستناده إلى ما يدعم ما جاء فيه من معلومات من عدمه. فالباحث مثلا ينقل عبارات النص من المصادر أو المراجع، أو يقتبس منها المعلومات، ثم يضع في نهايتها رقما ليوثقه في الهامش. ويتم ترقيم الاقتباس في متن البحث لتوثق في الهامش بنفس الرقم. فعندما يذكر المصدر او المرجع لأوّل مرة في البحث تذكر المعلومات الخاصة بالمصدر كالآتي:

-الإشارة إلى كتاب من مؤلف واحد :

تذكر المعلومات بالتسلسل الآتي : - اسم المؤلف، عنوان الكتاب، طبعة الكتاب واسم المطبعة أو دار النشر، مكان الطبع ) الدولة ( ، سنة الطبع، رقم الصفحة المقتبس منها . وكمثال على ذلك :

أحمد شلبي ، كيف تكتب بحثا أو رسالة ، الطبعة السادسة ، مكتبة النهضة ، مصر، 1968 م، ص .102

ملاحظة : يشار إلى المصدر إذا كان الاقتباس من أكثر من صفحة بالنحو الآتي: ص 155 – 159

-الإشارة إلى كتاب من مجموعة مؤلفين ) أكثر من ثلاثة مؤلفين (:

تذكر المعلومات بالتسلسل الآتي :

 - اسم المؤلف، عنوان بحث داخل الكتاب، مجموعة باحثون أو ) الاسم الأول وآخرون(، عنوان الكتاب، طبعة الكتاب، اسم المطبعة او دار النشر، مكان الطبع، سنة الطبع، رقم الصفحة المقتبس منها . وكمثال على ذلك:

  - غسان سلامة، حالة التعددية السياسية في المشرق العربي، في مجموعة باحثون، التعددية السياسية والديمقراطية في الوطن العربي، الطبعة الأولى، منتدى الفكر العربي، عمان، 1989 ، ص 148 .

-الإشارة إلى مقالة أو بحث في مجلة علمية . تذكر المعلومات بالتسلسل الآتي :

- اسم كاتب البحث أو المقالة، عنوان البحث أو المقالة، اسم المجلة، العدد والسنة للمجلة، مكان صدور المجلة، تأريخ صدور المجلة، رقم الصفحة المقتبس منها . وكمثال على ذلك:

  -محمد مشبال، السرد الحجاجي في رسائل الجاحظ ، مجلة البلاغة وتحليل الخطاب ، العدد 2 ، السنة2013م، المغرب، ص 83.

-الإشارة إلى رسالة أو أطروحة  :

تذكر المعلومات بالتسلسل الآتي :

 - اسم الباحث، عنوان الرسالة أو الأطروحة، ) رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه  غير منشرة)، اسم الجامعة والكلية، السنة، رقم الصفحة المقتبس منها . وكمثال على ذلك:

- صوافي بوعلام ،محددات الأنا و الآخر في المتن الروائي الجزائري الجديد ، ) أطروحة دكتوراه غير منشورة ( ، جامعة وهران ،كليةالآداب و الفنون، 2015 ، ص 123 .

-في حالة كان كتاب مترجم:

تذكر المعلومات بالتسلسل الآتي :

 - اسم المؤلف، عنوان الكتاب، اسم المترجم ، طبعة الكتاب، اسم المطبعة أو دار النشر، مكان الطبع، سنة الطبع، رقم الصفحة المقتبس منها . وكمثال على ذلك

 - راي جاكندوف، علم الدلالة والعرفانية، ترجمة وتقديم : عبد الرزاق بنور، مراجعة : مختار كريم ، منشورات سيناترا- المركز الوطني للتًرجمة، تونس، 2010 ،ص 150 .

-كيفية الإشارة إلى المصدر في الهامش بعد تكرار استعماله :

 -إذا كانت الإشارة إلى المصدر المكرر على التوالي، تكتب عبارة ) المصدر نفسه والصفحة المقتبس

منها ( بالنسبة للمصادر العربية وعبارة( ( Ibid    بالنسبة للمصادر الأجنبية . وكمثال على ذلك :

- عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان ،كتابة البحث العلمي صياغة جديدة، دار الشروق، جدة ، المملكة العربية السعودية، ص 34 .

- المصدر نفسه، ص 56.

-Chomsky, Noam(1975).Reflection on language. Pantheon, New York,p 14            

 -Ibid.p 43 .

إذا كانت الإشارة إلى المصدر المكرر ليس على التوالي، يُكتب ) اسم المؤلف، المصدر السابق والصفحة المقتبس منها ( بالنسبة للمصادر العربية، وتُكتب عبارة  op.cit )) بالنسبة للمصادر الأجنبية . وكمثال على ذلك :

-أحمد شلبي ، كيف تكتب بحثا أو رسالة ، الطبعة السادسة ، مكتبة النهضة ، مصر، 1968 م، ص .102

-المصدر نفسه ، ص 105.

-راي جاكندوف ، مصدر سابق، ص. 98

-المواقع الإلكترونية:

- اسم المؤلف، تاريخ النشر ،عنوان المرجع ، تاريخ اطلاع الباحث على الانترنيت، رابط الموقع الإلكتًروني.

وكمثال على ذلك :

-سوسن باقري ، 13 أكتوبر 2010 ، الرواية العربية الحديثة نشأتها و تطورها، 12 مارس2015م، الرواية-العربية 25310 /https://www.arabstudentportal.com/   .

 



[1]  بول باكسون، إرشادات عملية لإعداد الرسائل والأطروحات الجامعية، ترجمة أحمد عريف، دط ،مطابع الأطلس، الرباط 1981 ص 3 -5.

[2]  مهدي فضل الله، أصول كتابة البحث وقواعد التحقيق ،ط 2،دار الطليعة ،بيروت لبنان 1998 .ص 20.

[3]  منذر الضامن، أساسيات البحث العلمي، ط 1 ، دار المسيرة للنشر والتوزيع،،عمان ، 2007 ، ص35.

[4]  كمال اليازجي ،إعداد الأطروحات الجامعية، دط، دار الجيل، لبنان دت، ص16.

[5]  أنجرس موريس، منهجية البحث العلمي في العلوم الانسانية، تدريبات عملية، تربوزيد صحراوي وآخرون، الجزائر، دار القصبة، 2002.

[6]  كمال عويسي (2-2019)، معايير ومصادر صياغة الإشكالية البحثية الجيدة، صفحة 1,6,7,8.

[7]   أ.الرامي وب.فالي، البحث في الاتصال. عناصر منهجية، تر فضيل دليو وآخرون، ط2 ،مخبر علم الاجتماع والاتصال للبحث والترجمة، قسنطينة، 2002 ،ص 721

[8]  رقية بوسنان، مشكلة البحث، المفهوم، الصياغة، الخصائص، جامعة الأمير عبد القادر: مجلة الباحث العلمي، صفحة 79، جزء العدد 39.

[9]  الفيرٌوز أبادي ، القاموس المحيط ، مادة )همش(.

[10]  النووي؛ يحيى بن شرف : تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص65.

[11]  ثريا عبد الفتاح ملحس ، منهج البحوث العلمية للطالب الجامعيين الشركة العالمية للكتاب مصر 1989 ،

ص 18

[12]  شوقي ضيف ، البحث الأدبي،ط 7 ،دار المعارف،القاهرة مصر دت : ص 266.