القائمة الرئيسية

الصفحات

آخر المواضيع

علم النحو و اختلاف النحاة وعلماء اللغة حول تعريفه


علم النحو 

و اختلاف النحاة وعلماء اللغة حول تعريفه


 اختلف النحاة وعلماء اللغة حول وضع تعريف خاص وموحد لعلم النحو، وقالوا في ذلك أقوالا متعددة؛ فهو علم بقوانين يعرف بها أحوال التراكيب العربية من حيث الإعراب والبناء وغيرهما، وقيل :" النحو علم بأصول يعرف بها صحة الكلام وفساده" غير أن هذا الاختلاف وهذا التنوع في التحديدات تتحد في كونها جميعها تهدف إلى وضع تقعيد مقنن للغة من أجل ضمان صحة العربية وسلامتها؛ وبذلك يكون النحو- بصيغة موجزة – هو علم العربية "أو بالأحرى هو "علم الإعراب" طالما أن غايته تتحدد في "بيان الإعراب وتفصيل أحكامه".

يقول محمد بن تاويت:" إن النحو لا يعرب إلا الكلام وشرط الكلام الإفادة كما علمتنا الأجرومية حينما قالت لصبياننا: "الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع".

وهكذا يكون النحو – أو جانب منه – حسب القولة السالفة هو علم يهتم بالإعراب؛ وهو رأي نجد صداه يتردد في كثير من كتب النحاة واللغويين الذين جعلوا غاية النحو بيان الإعراب وتفصيل أحكامه حتى أسماه بعضهم "علم الإعراب".

كما نستنتج من القولة نفسها أن الدارس قيّد عملية الإعراب بالكلام، وذلك في قوله: "النحو لا يعرب إلا الكلام". ثم حدد الكلام في الإفادة مستشهدا بنص لغوي عريق هو "الأجرومية". والحقيقة أن الكلام والكلم مقترنان بالإفادة ومشترطان بها في مختلف الآراء النحوية؛ فهذا ابن مالك يقول في ألفيته:

كلامنا لفظ مفيد كاستقم                        اسم وفعل ثم حرف الكلم


كما أن ابن هشام نراه – في هذا السياق – يوضح أن "الكلام – في اصطلاح النحويين – عبارة عما اجتمع فيه أمران: اللفظ والإفادة؛ والمراد باللفظ "الصوت المشتمل على بعض الحروف تحقيقا وتقديرا"، والمراد بالمفيد "ما دل على معنى".

 وبهذا يتم تفنيد مزاعم الذين يدعون أن النحو يعرب حتى الهراء، كما أنه ومن جهة أخرى يرد على القائلين بكون القواعد النحوية هي مجرد قواعد جوفاء فارغة، لأنها أولت اهتمامها لتنظيم الشكل والمبنى بصرف النظر عن سلامة المعنى أو استقامة الدلالة.

والحقيقة أن اعتبار النحو: "لا يعرب إلا الكلام" هو وعي بمنزلة الإعراب وأهميته بالنسبة إلى اللغة العربية التي هي: "لغة إعراب فصيح يسجل تسجيلا دقيقا ما يهدف إليه التعبير العربي وما يسلك في التعبير من دروب غامضة متعرجة ملتوية لولا الإعراب ما كنا نهتدي إليها".

وهذا عبد القاهر الجرجاني يقول في دلائله: "إن الألفاظ مغلقة على معانيها حتى يكون الإعراب هو الذي يفتحها، وأن الأغراض كامنة فيها حتى يكون هو المستخرج لها، وأنه المعيار الذي لا يتبين نقصان كلام ورجحانه حتى يعرض عليه، والمقياس الذي لا يعرف صحيح من سقيم حتى يرجع إليه، ولا ينكر ذلك إلا من ينكر حسه، وإلا من غالط في الحقائق نفسه".

وهكذا، فإننا باستعراض الأفكار السابقة نخلص إلى أن النحو هو قانون العربية الذي بفضل ضوابطه – الإعرابية وغيرها – يسلم مبناها ويُستفاد معناها، لأن صحيح الكلام من سقيمه – الذي هو غاية النحو ومرامه – لا يُعرف بالمنطق بل يُدرك كما قال أبو سعيد السيرافي: "بالنظم المألوف والإعراب المعروف".

والحقيقة أن علاقة النحو بالمنطق من القضايا اللغوية التي أثارت جدلا كبيرا ما بين المؤيدين والمعارضين، والأرجح أنه لا يمكن إنكار تأثير المنطق على الدراسات النحوية بصفة قطعية، وإنما يجب التنبيه على أنه تأثير إفادة وليس تأثير احتواء، فإذا علمنا أن البحث النحوي – منذ نشأته الباكرة – كان يصور إلى حد كبير اتجاهات المنهج الإسلامي ويتبع إلى مدى كبير أساليبه، وعلمنا كذلك أن المنهج المنطقي اليوناني بأبعاده الفلسفية قد استجد في الدراسات الإسلامية، صار من الطبيعي أن يترك المنطق ظلالا من التأثير في ميدان الدراسة اللغوية الرحبة وفي مجال الدراسة التركيبية أو النحوية بوجه خاص".

ومجمل القول في هذا الصدد: إن النحو هو قانون اللغة العربية الذي تحتكم إليه لبيان سلامتها من سقمها وخطئها من صوابها، ومن ثم يكون الاطلاع عليه هو السبيل إلى إبقائها حية سليمة نقية.

إذن، إذا علمنا أن النحو هو قانون اللغة العربية وعلمنا أيضا أن الكلام – في اصطلاح النحويين – عبارة عما اجتمع فيه أمران هما: اللفظ والإفادة أدركنا أن الجملة "هي ميدان علم النحو، لأنه العلم الذي يدرس الكلمات في علاقاتها بعضها مع بعض، ولأنه يبحث فيها وهي مركبة جملا؛ فيبين ما يجب أن تكون عليه أواخرها من رفع أو نصب أو جر أو جزم أو بقاء على حالة واحدة.

حين تكون الكلمة في جملة يصبح لها وظيفة معينة تتأثر بغيرها من الكلمات وتؤثر في غيرها أيضا؛ فعندما نقول: إن هذه الكلمة فاعل مثلا فإن ذلك يعني أن قبلها (فعل) بينه وبين الفاعل علاقة من نوع ما، وكذلك الشأن في سائر أبواب النحو الأخرى وبذلك يكون النحو يدرس الكلمة في سياقها التركيبي محددا وظيفتها داخل الجملة.