فلسفة النقد
أهم مناهج النقد ونظرياته الحديثة والمعاصرة
Philosophy of criticism: the most important methods of criticism and its modern and contemporary theories
العلاقة بين الفلسفة والنقد قديمة قدم كل منهما. فالإنسان فطر على التأمل منذ قديم الزمان في مختلف القضايا المحيطة به من مظاهر الطبيعة. وهو لم يكتف بمجرد الاطلاع والتأمل بل يحاول في كل مرة البحث في مسببات وجودها. وقد قال ديكارت وغيره قديما ''أنا أفكر إذا أنا موجود''.
وبدأ الإنسان في التأمل في الكون وبحث طويلا
في ذلك، ومن هنا انبثقت الفلسفة، التي تبحث في الميتافيزيقا أو في ما وراء
الطبيعة، وظهرت الكثيرة من الآراء والمقولات التي كانت بعيدة عن العقيدة الدينية،
بل تتنافى معها تماما، لأن أغلب المفكرين من الفلاسفة الغربيين ينطلقون من المجرد.
وظهرت الكثير من الفلسفات ومنها:
الفلسفة المثالية للنقد
و مرجعيتها إلى أفلاطون، الذي ظل يبحث في عالم
المثل العليا، وانبثق عنها ما عرف بجمهورية أفلاطون؛ التي ترى كل ما هو مرئي ناقص
وغير مكتمل البناء وحقيقته في عالم الغيب حيث الكمال المطلق وما عداها ليس إلا
صورة مزيفة عنها.
الفلسفة المادية للنقد
وتنطلق الواقعية الاشتراكية من فلسفة كارل
ماركس ومن حذا حذوه، وتهتم بالنقد إلى أبعد الحدود؛ أي النقد الفلسفي لمختلف القضايا و
تحاول الإجابة على الإشكاليات العالقة والأسئلة الملحة لبعض الآراء العامة. ولها
علاقة متينة بالنقد، و توظف هذا المبحث في نقد المعرفة ومحاولة الإجابة عنها.
الفلسفة الوضعية
وتتجلى هذه الفلسفة في النقد الحديث، ونجد
صداها في النقد التاريخي والاجتماعي والتحليل النفسي. وانبثق عنها ثلاث مناهج
نقدية شهيرة تعرف بالمناهج السياقية وهي :
ــ المنهج التاريخي و المنهج الاجتماعي و
المنهج النفسي وغيرها، وهي الأهم في العالم العربي الحديث، والأكثر توظيفا في تحليل النصوص.
وهذه المناهج الثلاثة كلها تهتم بالسياق
الخارجي للنص الأدبي مثل الكاتب أو المؤلف، والظروف الخارجية التي أنتجته مثل
المجتمع ومشاكله وآفاته، والبيئة التي عاش فيها الكاتب وعقيدته و أساتذته الذين
أثروا فيه وغير هذا كثير.
المنهج التاريخي
فمحلل
النص الذي يعتمد على هذا المنهج ؛ نجده يهتم بالمحطات التاريخية الكبرى كالثورات
والحروب والمعارك والشخصيات التاريخية والسنوات ويركز عليها كثيرا أكثر من غيرها،
ويبحث عن الأهداف التاريخية لكتابة النص وأهمها التأريخ لثورات معينة أو فتن
طائفية كما فعل جورجي زيدان في رواياته التاريخية وهو يحاول إجلاء ملابسات الفتنة
الكبرى التي عصفت بالمسلمين، لكنه كان يسعى لتشويه بعض الشخصيات الإسلامية وضرب
التاريخ الإسلامي في الصميم.
والكثير من الروائيين المهتمين بالتاريخ
نجدهم يخلدون أبطالهم ويحاولون تصحيح التاريخ ونشر أفكار معينة والتأريخ لبعض
الثورات والأحداث التاريخية غير المعروفة كما فعل محمد مفلاح عندما تحدث عن بعض
المحارق غرب الجزائر. وكما فعلت أحلام مستغانمي في رواية (ذاكرة الجسد).
وقد يتساءل قارئ هذه السطور، فيقول وما دخل
الفلسفة في هذا؟ وجوابه أن النقاد العرب تلقوا هذه المناهج الغربية التي نشأت في
أحضان الفلسفة، لكنهم أخضعوها وفقا لما هو في مجتمعاتهم وبيئاتهم، فجعلوها تخدم
الأدب والشعوب العربية.
المنهج الاجتماعي
وهذا المنهج أكثر المناهج استخداما؛ لأنه
يهتم بالواقع الاجتماعي، وأغلب المؤلفات السردية تحاول ترجمة الواقع اليومي، وتريد
أن تجعل الأدب رواية وقصة وشعرا مرآة عاكسة لواقع الشعوب. وقد انبثق من فلسفة عالم
الاجتماع دوركايم الذي يجعل كل شيء ظاهرة اجتماعية؛ ويعتبر الفلاسفة الدين
والعقيدة مجرد ظواهر اجتماعية صنعها الإنسان شأنه شأن العادات والتقاليد.
ولكن نقادنا العرب تركوا كل هذا ولم يقحموه
في عالم الأدب والنقد بل أخضعوا هذا المنهج لما يتوافق والمجتمع العربي، واستثمروا
هذا المنهج في تحليل النصوص وربطها بالواقع اليومي للشعوب العربية.
ويركز محلل الخطاب الأدبي الذي يعتمد على
المنهج الاجتماعي على الظواهر الاجتماعية داخل النص مثل العادات والتقاليد، ويبحث
عن الآفات الاجتماعية كالفقر والتسول وشرب الخمر. والسرقة وغيرها، وهدفه أن يشخصها
داخل النص الأدبي ويجد لها حلولا.
المنهج النفسي
أما المنهج النفسي، فهو في غاية الأهمية
لكونه يركز على الدوافع النفسية التي أنشأت هذا الأدب. وقد انبثق في بداية الأمر
عن الفلسفة الغربية فلسفة سيغمونت فرويد الذي يربط الأدب بباطن الإنسان وبنفسيته،
والأدب حسبه ما هو إلا انعكاس لما يريده الإنسان لكنه لا يستطيع التصريح به، إنه
في اللاوعي أو مخبوء في اللاشعور أو مجموع المكبوتات.
وقد استثمر النقاد العرب هذا المنهج في تحليل
الشعر والنصوص الأدبية مركزين على ربط النص الأدبي بنفسية صاحبه. وهم يفسرون
الآفات الاجتماعية كشرب الخمر والسرقة بالظروف الاجتماعية التي أنتجتها وانعكست
على نفسية صاحبها وجعلت منه مدمنا عليها.
ومن أشهر النقاد نجد كلا من العقاد ومن حذا
حذوه قد حاول تحليل شعر أبي نواس وربطه بنفسيته المريضة، وبحث في قصائده عن كلمات
أخضعها لتحليل علم النفس الأدبي ومقولات فرويد.
الفلسفة الوجودية
الفلسفة الوجودية -أو ما يصطلح عليها الكثير
بفلسفة الوجود هي تيّار لاعقلانيّ في الفلسفة الحديثة، حاول يبعد العالم عن
الأديان والعقائد و أن يخلق نظرة جديدة، أي ما يوافق الإطار العقلي لدى بعض
المفكرين، وقام الفيلسوف هاينمان وهو من
أتباع الفيلسوف كانط بصياغة مصطلح الفلسفة الوجودية.
وتهدف هذه الفلسفة إلى تقديم تفسيرات لكل
أزمات الإنسان، وتتضمن نظرة جديدة للإنسان والعالم وتحاول الإعلاء من قيمة
الإنسان، وتبحث عن حلول لمشاكله، وهي نوعين : فلسفة وجودية مؤمنة وفلسفة وجودية
ملحدة تنكر وتجحد الإله.
ويرى لطفي فكري محمد الجودي في مؤلفه (نقد
خطاب الحداث ) أن ''الحداثيين العرب قد تبنوا معظم المذاهب الحداثية الغربية في
الفن والأدب بدون الأخذ بعين الاعتبار كون هذه المذاهب الفنية ذات صلة وثيقة
بالمذاهب الفكرية والفلسفية التي أنتجتها الحضارة الغربية في إطار الصراع الطويل
الذي شهدته بين الدين والعقل، وبين الذات والموضوع، وبين المادية والمثالية ...
وفي إطار التعبير عن أزمة الإنسان الغربي الحديث وغربته في عالمه الجديد وتمرده
عليه. فقد استنسخ الحداثيون العرب مذاهب تعبر في أصلها عن أزمة الإنسان الغربي
الحديث كـ: (السريالية والعبثية والوجودية). كما استنسخوا مفاهيم ومقولات تميز هذه
المذاهب كالغربة والقلق وتجريد الفن من دوره الاجتماعي، وتحريره من الدين والأخلاق
ووتمجيد الجسد وإعطائه دورا مركزيا في الانتاج الفني''.