1- التحدي المغولي " التتري "
المغول والتتار قبائل موطنهم الأصلي منغوليا شمال صحراء غوبي، وكانت هذه القبائل تقضي
أوقاتها في النزاعات القبلية، وفي البحث عن منابت العشب، ودانت بالوثنية، التي
تعرف باسم الشامانية. تقول بوجود قوتين:
"قوة الخير والنور والدفء، وقوة الشر والظلام والبرد، ويسكن إله الخير في
الشرق، وإله الشر في الغرب. وتقوم ممارساتها على السحر وعلى الرشاقة الجسدية من
رقص وغيره، فاكتسبت كلمة شامان معنى "الساحر".
واستطاع تيموجين بن بسوكاي، الذي ولد في
منغوليا(549هـ/1155م)، أن يوحد هذه القبائل(603هـ/1206م)، ووضع لهم دستورا
اجتماعيا، حربيا ، مختصرا عرف باسم الياسة
الكبرى أو اليساق بالغ الشدة والعنف، للطاعة فيه أكبر نصيب، فكانوا أعظم الأمم
طاعة لسلاطينهم، دون معرفة معاني الشفقة، أو الرحمة، وبعد أن وحدهم لقب نفسه جنكيزخان أي أعظم الملوك. واندفع بهم إلى الصين، واستولى
على بكين عام 612هـ، فاستولى بذلك على مزيد من الكنوز، والنفائس، وتعلم المغول
استعمال البارود، ثم قضى على دولة الخطا السوداء قرة خطي التركية المتاخمة لبلاد
الصين 615هـ، فأصبح يطرق أبواب العالم الإسلامي، ويتحداه، وكان هذا التحدي شريكا
لبعض الوقت للغزو الصليبي على عالم الإسلام ، وقد حمل بهمجية وبربرية، ووحشية على
العالم الإسلامي، وكانت حملاته وحملات أخلافه، غاشمة كمد البحر، أو الطوفان، الذي
كاد يغرق، ويبدد، أو يقوض الحضارة الإسلامية.
اصطدم جنكيزخان بالدولة الإسلامية الخوارزمية–
وكانت قد ظهرت سنة 490هـ/1096م بعد أن ضعفت دولة السلاجقة، وكانت بمثابة السور
الفولاذي المنيع، الذي يحمي الجبهة الإسلامية من جهة المشرق، تمتد من العراق
العجمي غربا، إلى نهر السند شرقا، ومن شمال بحر قزوين، وآرال شمالا إلى الخليج
العربي، والمحيط الهندي، جنوبا شاملة: أذربيجان، والعراق العجمي، وفارس، وكرمان،
وكمران، وسجستان، وخراسان، وأفغانستان، والبامير، والصغد، وما وراء النهر. وكان
على رأس هذه الدولة حين بدأت تطرقها المطارق المغولية السلطان علاء الدين محمد
خوارزم شاه.
هاجم جنكيزخان الدولة الخوارزمية سنة616هـ/1219م،
وخاضت خوارزم حربا مدمرة مدة خمس سنوات، إلى أن تمزقت أوصالها، واكتسح المغول
أراضيها، وأقاموا المجازر في بخارى[1] ، وسمرقند[2] ، ومرو، ثم
بلخ، ونيسابور، والري، وهمذان، وغزنة، فأبيد الملايين من السكان، وتهدمت ألوف
المساجد، ودور العلم العامرة ، وتحولت حواضر الإسلام الزاهرة في تركستان، وفارس،
إلى كتل من اللهب، والخراب. وترك جنكيز الدولة الإسلامية الخوارزمية أشبه ما تكون
بصحراء جرداء، فأباد سكانها ، وخرب مدنها العامرة، وأحرقها.
توفي جنكيزخان عام 624هـ/1227م فقام حفيده هولاكو
بإتمام دوره في بلاد الإسلام، فتحالف مع الصليبيين، وكانت أمه نصرانية قال عنها
ابن العبري:"أحسنت تربية الأولاد، وضبط الأصحاب، وكانت لبيبة مؤمنة، تدين
بالنصرانية، وتعظم محل المطارنة والرهبان، وتقتبس صلواتهم وبركتهم". كما كانت
زوجته نصرانية، وأعلن الخاقان الأعظم أنه إنما أرسل هولاكو إلى غرب آسيا ليقضي على
الخلافة العباسية، ويعيد بيت المقدس، بعد أن كان قد حررها صلاح الدين عام 583هـ.
فاعتبر هولاكو نفسه محررا للنصارى من المسلمين، وأرسل إلى الصليبيين قبل أن يبدأ
غزوه المسلمين يقول:"إن لدينا أعدادا كبيرة من المسيحيين بين قبائلنا، وقد
جئنا بقوتنا، وسلطاننا معلنين ضرورة تحرير جميع المسيحيين من العبودية، ومن
الضرائب، التي فرضها عليهم المسلمون، ومعلنين ضرورة معاملة المسيحيين معاملة تليق
بهم، فلا يعتدى عليهم، ولا على تجارتهم أحد، ونحن نصرح بأننا سنعيد بناء الكنائس
التي خربها المسلمون".
كما قام وزير المستعصم الخليفة العباسي وهو ابن
العلقمي محمد بن محمد بمكاتبة هولاكو،
وجسره، وقوى عزمه على قصد العراق، وابن العلقمي هذا رافضي شيعي، قام بإضعاف
الخلافة العباسية بمكائده المختلفة، وأضعف الجيش، وقلل عدده، وأشار على الخليفة
بمداراة هولاكو. فاستطاع هولاكو بتشجيع من النصارى والشيعة، الوصول إلى بغداد
عاصمة دار الإسلام، ودار السلام، وبمساعدتهم تمكن دخول بغداد بجحافله، فخربوا المساجد وأتلفوا المكتبات،
بإحراق الكتب، أو بإلقائها في نهر دجلة، وقتلوا معظم سكان بغداد دون أن يستثنوا
امرأة أو طفلاً، ودون أن يعطفوا على مريض، أو يقدروا عالما. وقد قدر المؤرخون
القتلى بمليون وثمانمائة ألف وبمليون وبثمانمائة ألف وقتل الخليفة المستعصم،
بتشجيع وتحريض من ابن العلقمي، ونصير الدين الطوسي الاسماعيلي، فابن العلقمي نصح
هولاكو بقوله: "بل المصلحة قتله، وإلا فما يتم لكم ملك العراق" أما نصير
الدين الطوسي الاسماعيلي، فكان وزيرا، ومشيرا لهولاكو، استصحبه هولاكو، فهون عليه
تخريب بغداد وقتل الخليفة المستعصم. وجميع أفراد أسرته وأهل بيته.
وكان ابن العلقمي يطمع أن يزيل السنة بالكلية وأن
يظهر البدعة الرافضة باتخاذه عند هولاكو يدا، وعمل بالفعل على تعطيل المدارس
والمساجد والجماعات، والجمعات، والربط ببغداد، واستمر بالمشاهد، ومحال الرفض، وكان
يريد أن يبني مدرسة هائلة للرفض. ولكن هولاكو أهمله وأذله، فذاق وبال أمره، وتوفى
مذموما مدحورا .
وهكذا أصبحت بغداد– دار السلام– بفعل التتار
والنصارى، والرافضة مأوى لجماعة من النصارى، والزط، والشيعة، والوثنين، فقد طلب
هولاكو من بطريق النساطرة أن يجمع النصارى في إحدى الكنائس، حتى يميزوا عن غيرهم،
فلا يتعرض لهم جند التتار.
وكان سقوط بغداد عاصمة الخلافة أشبه بزلزال رهيب،
دك بنيان بلاد الإسلام من أقصاها إلى أقصاها، ونظم الشعراء من العرب والفرس،
المراثي التي تشيع الأسى في النفس وتثير الشجون.
تقدم هولاكو بعد ذلك إلى الشام، وهاجم حلب ودخلها
بعد حصار شديد وتركها شعلة من اللهب والدخان، ودخل كتبغا دمشق، فسقطت حاضرة الشام
صريعة تحت أقدام المغول سنة 657هـ، واشتركت معه فرق نصرانية أرمنية، وافرنجية،
فسنحت للنصارى الفرصة للتشفي، والانتقام من المسلمين، فنظموا مواكب عامة، حملوا
فيها الصلبان، وأنشدوا الأناشيد، ويذمون دين الإسلام وأهله، وأجبروا المسلمين على
أن يقفوا احتراما لمواكبهم، ومن امتنع تعرض للسب والإهانة، وبلغ بهم التحدي أقصاه
فدقوا النواقيس، وتظاهروا بالخمر في رمضان ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات،
كما صبوه على أبواب المساجد، ولم يستثنوا حتى الجامع الأموي، فضجر المسلمون ورفعوا
شكواهم إلى ابل سبان متسلم البلد وكان
نصرانيا فلم يحفل بهم، بل أهانهم، وضرب بعضهم، وأخذ يزور الكنائس، ويعظم رجالها
على اختلاف مذاهبهم.
وقيض الله سبحانه وتعالى لأمة الإسلام المماليك في
مصر بقيادة قطز، والظاهر بيبرس، وعلماء مثل العز بن عبد السلام سلطان العلماء. فتحركت في الأمة روح الجهاد،
واستثيرت طاقات الأمة، ووجهت الى الجهاد في مصر والشام، وتحركت جيوش الإسلام من
مصر عام 658هـ/1260م والتقت بجيوش المغول تؤيدهم وتؤازرهم بعض النجدات النصرانية
من الآرمن والكرج– في عين جالوت– بين بيسان، ونابلس، على أرض فلسطين في 25رمضان،
وألقى قطز بخوذته على الأرض أثناء المعركة، وصاح بصوت كالرعد:"واإسلاماه،
اللهم انصر عبدك قطز على التتار" فكتب الله النصر المبين للإسلام، وانهزم
المغول هزيمة منكرة لأول مرة في تاريخهم ، بعد أن كانت القلوب قد يئست من النصرة
عليهم ، لاستيلائهم على معظم البلاد الإسلامية ، ولأنهما ما قصدوا إقليما إلا
فتحوه، ولا عسكرا إلا هزموه. فتكسرت حدة موجات التتار، وتحول مدهم إلى جزر،
واسترجع المماليك منهم الشام بأكملها، فكانت عين جالوت فاتحة سلسلة من الانتصارات
توالت على المسلمين، وحطمت أسطورة قوى المغول، وعاد دين الإسلام غض الإهاب.
وأسلم بركة خان حاكم القبجاق وابن عم
هولاكو، فساعد المسلمين ضد ابن عمه.
وبقي المسلمون يقاسون الأمرين من المغول في فارس
والعراق، واستمرت غاراتهم على الشام، والمسلمون يردونهم، كما حدث في وقعة حمص سنة
680هـ. وقد هداهم الله للإسلام فضاع على الصليبيين أملهم في الانتصار على
المسلمين، كما ضاعت مجهوداتهم من قبل في الشام ، فقد أعلن أحمد بن هولاكو إسلامه
عام 680هـ. ولكن حالة المسلمين لم تمكنها من أن تبعث في نفوس المغول النواحي
الإيجابية، التي تقود إلى الأصالة ، وإلى المساهمة في رفع شأن الإسلام كدين
وشريعة، والمساهمة في بناء صرح الحضارة الإسلامية، وأعمال قازان الذي غزا الشام واجتاحها سنة 699هـ إلى
سنة 702هـ، وفعله القبائح، دليل على ذلك. فاستمر العلماء يحرضون على جهادهم فكانت
موقعة شقحب الفاصلة سنة 702هـ، التي انهزم فيها التتار هزيمة منكرة. وكانت فتوى
شيخ الإسلام ابن تيمية في حربهم، وبين
الشيخ من تعاون مع التتار وسبب تعاونهم ذلك. واستمرت قسوة التتار كأعمال تيمورلنك، إذ ملأ بلاد آسيا الوسطى والغربية
قتلى وأشلاء، وأكداس من الجماجم وخرائب، وقد لحق بالشام من فتكه وتدميره الشيء
الكثير.
وهكذا أسهم الغزو المغولي في ضعف بلاد الإسلام وفي
إنهاكها، وقد عبر السيوطي عن مأساة هذا الغزو بقوله:" هو حديث يأكل الأحاديث
وخبر يطوي الأخبار، وتاريخ ينسي التواريخ، ونازلة تصغر كل نازلة، وفادحة تطبق
الأرض وتملأها ما بين الطول والعرض".
وقال ابن الأثير في كامله– وهو لم يشهد خراب بغداد
بل شهد خراب ما وراء النهر وخوارزم من بلاد الإسلام-: "حادثة التتار من
الحوادث العظمى والمصائب الكبرى التي عقمت الدهور عن مثلها، عمت الخلائق وخصت
المسلمين، فلو قال قائل : إن العالم منذ خلقه الله تعالى إلى الآن لم يبتلوا
بمثلها لكان صادقا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها.
2- الحروب الصليبية
مثل التحدي الصليبي، التحدي الرئيسي في مواجهة
الإسلام والمسلمين، واستغلته اليهودية في صراعها مع الإسلام، وقد حملت الدولة
البيزنطية وزر مقارعة الإسلام فكريا، وعسكريا، من أول ظهوره، إلى أن تهاوت وانهارت
نهائيا تحت مطارق الإسلام عام 857هـ/1453م. فانتقل ذلك إلى الامبراطورية الروسية،
والنمساوية، وفرنسا، وانجلترا، في الوقت الذي كان فيه الاسبانيون، والبرتغاليون،
يتحركون بدافع الحقد على الإسلام والمسلمين، ويدفعون المسلمين عن الأندلس. وكل
أولئكم يحركهم البابا في روما، وتنفخ فيه الكنيسة روح الحقد على المسلمين، وتثيرها
حربا لا هوادة فيها. وبقيت هذه الروح هي المسيطرة حتى بعد أن انشقت الكنيسة
الكاثوليكية، وقامت بحركة الإصلاحات الدينية.
تمكن الأتراك السلاجقة أن يحيوا روح الجهاد في
الأمة ، فحملوا راية الجهاد ، بعد منتصف ق5هـ ضد البيزنطيين واصطدم سلطانهم ألب
أرسلان بقوة بيزنطية هائلة، كان يقودها الإمبراطور ديوجينس، وقد تشتت شمل النصارى
في معركة ملاذكرد، مانزكرت(463هـ/1071م)
وكانت معركة من المواقع الحاسمة في التاريخ، نتج عنها انتشار الإسلام في آسيا
الصغرى، وتركيزه، وأصبحت من ذلك اليوم من ديار الإسلام – فاتجه أباطرة بيزنطة
لتسوية الخلاف مع البابا، واستنجدوا به لحمايتهم، فوجدوا أذنا صاغية من البابا
أوربان الثاني الذي دعا للحروب الصليبية بإعلان كليرمونت عام 1095م، حين ألقى
خطابا دعا فيه النصارى للحرب ضد المسلمين، لاستخلاص بيت المقدس، ووعد من يشترك
فيها من النصارى، بالغفران الكامل، فتجاوب هتاف النصارى:"هكذا أراد
الله"واتخذوا شعار الصليب، وبدأوا بالتدفق على بلاد الإسلام ، عام 1097م،
فاشتعلت حرب ضارية بدون هوادة طوال قرنين من الزمان.
بدأ التدفق الصليبي في الوقت اذلي كان فيه
المسلمون قد بدأوا بالتفتت والصراع، بعد وفاة السلطان ملكشاه، سنة 486هـ/ 1092م،
فانقسمت الدولة السلجوقية بعد خمس سنوات فقط من وفاته، إلى خمسة ممالك متنافسة هي:
مملكة فارس، ومملكة حلب، ومملكة دمشق، وسلطنة سلاجقة الروم والعراق. وفي الوقت
نفسه تعرضت بلاد الشام إلى انقسام آخر، وظهرت وحدات سياسية عرفت باسم الأتابكيات
مثل أتابكية دمشق، والموصل، وبعضها صغير جدا لا يتعدى أسوار مدينة، أو قلعة واحدة.
وساد هذه السلطنات، والأتابكيات، النزاع والحروب .
وبالإضافة لذلك فقد دخلت هذه الدويلات مع الدولة
الفاطمية التي تحالفت مع الحركة الباطنية
الإسماعيلية في صراع مرير، استنفذ طاقاتها
المادية والبشرية .
وفي هذا الجو تدفقت جموع الصليبيين يشترك فيها
أمراء الإقطاع والفرسان ورجال الدين. فانتصروا في البداية، وأطاحوا بملك سلاجقة
الروم، واستولوا على عاصمتهم نيقية، سنة 491هـ/1097م ، وكونوا في بلاد الشام،
وآسيا الصغرى، إمارة الرها، وإمارة أنطاكية، وإمارة طرابلس، ومملكة بيت المقدس
اللاتينية، 492هـ/1098م. وضرب الصليبيون مثالا للحقد على الإسلام والمسلمين، فاتسم
الغزو بروح التعصب، والانتقام، فقد سفكوا الدماء في الرها، وأنطاكية، وطرابلس،
وبيت المقدس، وسفكوا دماء سبعين ألف مسلم أو يزيد في ساحة المسجد الأقصى، من
المجاورين، والعلماء والطلاب، والعباد والزهاد، وخاضت خيولهم بدم الضحايا من الرجال
والنساء والأطفال. وأذكر هنا ما رواه الراهب روبرت، أحد الصليبيين المتعصبين، وهو
شاهد عيان لما حدث في بيت المقدس واصفا سلوك قومه: "كان قومنا يجوبون الشوارع
والميادين، وسطوح البيوت، ليرووا غليلهم من التقتيل، وذلك كاللبؤات التي خطفت
صغارها، كانوا يذبحون الأولاد والشباب، ويقطعونهم إربا إربا، وكانوا يشنقون أناس
كثيرين بحبل واحد بغية السرعة. وكان قومنا يقبضون على كل شيء يجدونه، فيبقروا بطون
الموتى، ليخرجوا منها قطعا ذهبية، فيا للشره وحب الذهب، وكانت الدماء تسيل
كالأنهار في طرق المدينة المغطاة بالجثث".
وقال كاهن أبوس ريموند داجميل شامتا:"حدث ما
هو عجيب بين العرب، عندما استولى قومنا على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس
بعضهم، فكان هذا أقل ما يمكن أن يصيبهم، وبقرت بطون بعضهم، فكانوا يضطرون إلى
القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار، وحرق بعضهم في النار، فكان ذلك بعد غياب طويل،
وكان لا يرى في شوارع القدس وميادينها سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم.
فلا يمر المرء إلا على جثث قتلاهم، ولكن كل هذا لم يكن سوى بعض ما نالوا".
وقال واصفا مذبحة مسجد عمر:" لقد أفرط قومنا
في سفك الدماء في هيكل سليمان، وكانت جثث القتلى تعوم في الساحة هنا وهناك، وكانت
الأيدي والأذرع المبتورة تسبح كأنها تريد أن تتصل بجثث غريبة عنها، فإذا ما اتصلت
ذراع بجسم لم يعرف أصلها. ولم يكتف الفرسان الصليبيون الأتقياء بذلك ، فعقدوا
مؤتمرا أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس من المسلمين واليهود وخوارج النصارى،
الذين كان عددهم نحو ستين ألفا ، فأفنوهم على بكرة أبيهم في ثمانية أيام، ولم
يستبقوا منهم امرأة ولا ولدا ولا شيخا".
وعمل الصليبيون مثل ذلك في مدن المسلمين التي
اجتاحوها. ففي المعرة قتلوا جميع من كان فيها من المسلمين اللاجئين إلى الجوامع،
والمختبئين في السراديب، فأهلكوا صبرا ما يزيد على مائة ألف إنسان في أكثر
الروايات. وكانت المعركة من أعظم مدن الشام بعدد السكان بعد أن فر إليها الناس بعد
سقوط أنطاكية وغيرها بيد الصليبيين".
ومن الجدير بالذكر أن الحروب الصليبية قد بدأت في
الجزء الغربي من العالم الإسلامي قبل هذا التاريخ ، فسقطت صقلية فريسة سائغة
لهجمات النورمان سنة 484هـ/1091م، ومحيت من خريطة البلدان الإسلامية، فكانت
الشهيدة الأولى، التي ذهبت ضحية الإهمال والتخاذل، وأما الأندلس فكانت سنة 407هـ،
مبدأ التفرق والتمزق فكان عصر ملوك الطوائف، فأخذت كفة النصارى ترجح، وأصدر البابا
اوربان مرسوما حرم فيه على رجال الدين، والفرسان الأسبان، المشاركة في صليبيات
الشرق، لأن محاربة المسلمين بأسبانيا لا تقل أهمية واعتبارا عن الحرب الصليبية
الشرقية، فنتج عن ذلك أن هرع الكثير من الفرسان من مختلف أوربا إلى الأندلس،
ليساهموا في حرب صليبية هي أقرب سبيلا ، وأيسر مشقة وعناء، وأعلن البابا باسكال الثاني الحرب الصليبية ضد مسلمي
الأندلس، وأصبح من المألوف أن يأذن البابا لملوك الأسبان في استعمال أموال الكنائس
لمحاربة المسلمين، وكانت البعثات الصليبية الواردة من أوربا الشمالية انكليز وألمان، وهولنديون لا ترى مانعا إذا
تعطلت في سيرها أن تعين ملوك الأسبان في حرب المسلمين، وأن يكتفي البعض منهم بتلك
المساهمة . فتعرضت الأندلس المسلمة إلى عملية غزو واستيطان من قبل جميع نصارى
أوربا.
وفي سنة 632هـ/1244م أصدر البابا جريجوار التاسع قرارا وعد فيه النصارى الذين يحاربون مع ملك
البرتغال، بغفران ذنوبهم ، كما لو كانوا في الحروب الصليبية في الأراضي المقدسة ،
فكان البابا يثير حماس البرتغاليون ضد المسلمين. ويتدفق معهم الصليبيون من مختلف
أجزاء أوربا.
وتشاء حكمة الله تعالى أن ينهض في كل دور من أدوار
التاريخ الإسلامي، وفي كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي، رجال يقومون في هذه
الأمة على طريقة الأنبياء، في ميدان القيم والمعتقدات، يجددون أمر الدين، وينفخون
روح الجهاد في الأمة. تبعا للقاعدة التي لا تتخلف:(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا
بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ). فظهر في بلاد الغرب دولة المرابطين، ثم
الموحدين قارعتا الصليبيين في
الأندلس. ومنّ الله تعالى على العالم الإسلامي في قرن6هـ، بعماد الدين زنكي أتابك
الموصل، الذي التف حوله المخلصون من المسلمين، وجعلوا دولته دار هجرة، تداعوا
إليها من جميع الأقطار، فأخذ منذ توليه سنة 487هـ يعد الناس إعدادا إسلاميا، ويطهر
الدين من التيارات الفكرية المنحرفة، كالباطنية، وآثار الفلسفة اليونانية،
والممارسات الفاطمية للعبادات والشعائر، ويعمل على تحقيق الوحدة الإسلامية بين
الشام ومصر، وشبه الجزيرة العربية، وشمال العراق، وبدأ بمقارعة الصليبيين، وهزمهم
في معارك كثيرة، واستعاد الرها سنة 539هـ، وفتح غيرها من حصونهم بالجزيرة
الفراتية.
ولما استشهد سنة 541هـ خلفه ابنه الملك العادل نور
الدين محمود زنكي(ت569هـ)، وفي نفس السنة تمكن عبد المؤمن بن علي من الموحدين أن
يملك ما في جزيرة الأندلس من بلاد الإسلام يجابه الصليبيين هناك ، وتمكن نور الدين
أن يهزم الصليبيين هزائم متوالية، وأتم توحيد مصر والشام وشمال العراق والحجاز،
فوضع الصليبيين بين فكي كماشة. فقد دخلت قواته مصر، بقيادة أسد الدين
شيركوه(562هـ) وتوفي أسد الدين(564هـ)، فوزر صلاح الدين ابن أخيه للخليفة الفاطمي
العاضد، ولما مات العاضد(567هـ)، أقام الخطبة العباسية بمصر، وألغى الدولة
الفاطمية، وأصبحت مصر جزءا من الدولة النورية تابعة للخلافة العباسية.
ولما توفي نور الدين(569هـ)، أتم مهمته الناصر
صلاح الدين يوسف بن أيوب، الذي هيأه الله سبحانه وتعالى لاستخلاص بيت المقدس، فقد
جمع فيه من خصال الحزم والعز والإخلاص والحرص على الجهاد، ونصر الإسلام، ومكارم
الأخلاق، ما لا يجتمع إلا في أفذاذ الرجال، فكان معجزة من معجزات الإسلام التي
تتكرر، ودليلا على أن الإسلام لم ينته دوره، ولم يفقد الحيوية والإنتاج، فقد
استجمع طاقة الأمة، وهزم الصليبيين في معركة حطين بفلسطين(583هـ/1187م)، وكسر
شوكتهم، واستعاد بيت المقدس، وأحضر له المنبر لذي أعده نور الدين بن محمود للمسجد
الأقصى، فعاد الإسلام إلى تلك الديار غضا طريا. وفي الوقت نفسه كان يعقوب بن يوسف
بن عبد المؤمن الموحدي يخوض معركة الأرك ضد الصليبيين في الأندلس(591هـ). وقد تم
دحر الصليبيين نهائيا وإخراجهم من بلاد الشام على يد الأشرف خليل بن قلاوون من
سلاطين الممالك عام 690هـ/1291م.
استطاعت الحروب الصليبية التي استمرت قرنين في
المشرق، استنزاف جميع القوى البشرية والمادية في منطقة الشام ومصر، واتسم الفكر
الإسلامي في هذه الفترة بطابع المقاومة والتحدي ورد الفعل، بالدعوة إلى الجهاد
وإبراز القدوة الحسنة، ذلك كما فعل شيخ الإسلام ابن تيمية، وكما فعل قبله سلطان
العلماء العز بن عبد السلام، ومن نتائجها أيضا، أن ألقيت مقاليد الأمور بيد
العسكريين، لبروز روح التحدي والجهاد هذه، فجمدت أوضاع المسلمين الاقتصادية،
وتناقصت الثروة، وضعفت الأيدي العاملة، بالإضافة إلى الخراب والدمار، الذي حل
بالمسلمين في جميع أقطارهم، وخاصة الشام، ومصر، وآسيا الصغرى، وتونس، والأندلس .
وقد عزلت الحملات الصليبية الأندلس، عن قاعدته في
المغرب الإسلامي، وأخذت في تفتيت المسلمين ماديا ، ومعنويا ، بصورة بطيئة، مع
تجريدهم بصورة مستمرة من مصادر قوتهم . وبالرغم من ذلك بقيت الأندلس تقاوم ،
واحتملت فوق قدرة احتمال البشر، على امتداد قرون عديدة، إلى أن سقطت غرناطة، آخر
معاقل المسلمين(897هـ/1492م) بيد فرديناند وايزابيلا. فاغتصبت أرض الأندلس
الإسلامية، واستوطنها الصليبيون الأوربيون، وقد عانى المسلمون فيها معاناة عجيبة،
فلم يقبل منهم الصليبيون أحدا، حتى الذين تنصروا من المسلمين الذين أطلقوا عليهم
اسم المورسك. وخوفا من أن يبقى منهم من يحتفظ بالإسلام، سلطت النصرانية الصليبية
على مدن أوربا محاكم التحقيق، التي أحرقت الألوف من الناس علنا. وقضت على حضارة
المسلمين في الأندلس، وظهر من المتعصبين الكثيرون مثل خمينز الذي فرض النصرانية على أهل غرناطة
بالعنف، ولما طلب المتنصرون أن تكتب لهم تعاليم النصرانية بالعربية لغتهم، رد
عليهم: "إننا لا نرمي حبات الدر النفيس للخنازير". وهذا هو نفسه الذي
أحرق المخطوطات العربية الرائعة التي بلغت على أقل تقدير، ثمانين ألف مخطوطة، في
غرناطة وحدها. وكانت قد ضاعت أيضا صقلية وجنوب إيطاليا وجزر البحر الأبيض المتوسط.
واستوطنها الصليبيون الأوروبيون، كما حدث في العالم الجديد إثر الاكتشافات
الجغرافية.
واستفاد الغرب الصليبي من الحروب الصليبية كثيرا:
سياسيا: ازدادت سلطة الملوك، باشتراك عدد كبير من
أمراء الإقطاع مع فرسانهم في الحروب الصليبية، فخلا الجو للملوك، فزادت سلطاتهم
على رعاياهم، فظهرت الممالك الأوربية الحديثة. مثل بريطانيا، وفرنسا، وبروسيا،
وروسيا.
اجتماعيا: اقتبس الأوربيون كثيرا من مظاهر الآداب
الاجتماعية، والأخلاق، واللباس، من المسلمين، وعادوا لتطبيقها على أوربا، كما
اهتزت طبقة الإقطاعيين وأخذت تظهر طبقات أخرى، مثل الطبقة الوسطى من التجار خاصة،
والتي دعيت بالطبقة البرجوازية.
اقتصاديا: فقد تسلم الأوروبيون زمام التجارة
بأنفسهم، وتعلموا بعض الصناعات، وخاصة صناعة الحرير والزجاج والورق، ونقلوا بعض
أشجار الفاكهة إلى أوربا، وتعلموا أساليب الزراعة.
علميا وثقافيا: فقد نشأت حركة واسعة في ترجمة
العلوم والمعارف الإسلامية إلى اللاتينية، بعد أن أطلع الأوروبيون على معلومات
جغرافية وفلكية وتاريخية، وزراعية، مكنتهم من حب الاستطلاع . وباختصار فقد أحدثت
الحروب الصليبية تغيرا في أوربا في مختلف نواحي الحياة، ومجالاتها، ونقلتها من عصر
الإقطاع المظلم، إلى عهد جديد أطلق عليه اسم: عصر النهضة– وحركة النهضة هذه حركة
تغيير شاملة لجميع نواحي الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية في
أوربا وامتدت من القرن الثاني عشر الميلادي إلى القرن السادس عشر . وابتدأ في
ايطاليا لصلتها الكبيرة بالعالم الإسلامي من بقية أوروبا، عدا أسبانيا، والبرتغال.
ويمكن تلخيص أسباب اليقظة الأوروبية في:
1- الروح الدافعة التي بثها الإسلام وحضارته في
أرجاء العالم، فأخذت تسري في أوصاله مجددة حياته وقواه، وقد تلقفتها أوربا عن
المسلمين إبان الحروب الصليبية في الشرق، وعن طريق الأندلس وصقلية، وجنوب ايطاليا،
والجامعات الإسلامية.
2- التمرد على الكنيسة الجاهلة، ونبذ سلطانها
السياسي، والديني ، بكل ما يمثله من خطايا وأخطار، وحجر على التفكير، وكبت للعلم،
واضطهاد للعلماء باسم دين الكنيسة وعصمتها.
نعم أفادت النهضة الأوروبية من الحضارة الإسلامية
كما تقول المصادر الأوروبية نفسها، ولكنها لم تسر على الخط الإسلامي بما أفادته ،
بل صبغت ذلك كله بالصبغة اليونانية، والرومانية ، والوثنية ، فكانت حركة النهضة
ردة إلى الوثنية الأولى – يغشيها غشاء رقيق من النصرانية ، ظل هذا الغشاء يرقّ
كثيرا شيئا فشيئا، إلى أن تمزق نهائيا في أواخر القرن التاسع عشر ، وبداية القرن
العشرين للميلاد .
فصارت أوربا لذلك أعجب مركب حضاري، أخذ من الإسلام
روحه الحضارية، ومن اليونان والرومان مثله وقيم حياته الجديدة، التي قامت على
أنقاض مجتمع الكنيسة ، ودينها المهزوم، وأخذت هذه تتعامل مع العالم الإسلامي حين
تمت لها الجولة ، بروح هي خليط من هذه التناقضات ، فكانت ملحدة في كل شيء، إلا مع
المسلمين، فهي صليبية ، تتحالف فيها الدولة العلمانية مع الكنيسة ، ويقوم فيها
الرجل بدور الراهب، والمبشر، والعالم، والمستشرق، والجاسوس المحترف في آن واحد
أحيانا.
3- حركة الاستدمار الأوروبي
درج المؤرخون الأوروبيون على تقسيم العصور
التاريخية إلى:
1- العصور القديمة: وتبدأ من ظهور الإنسان إلى عام
476م وهو العام الذي سقطت فيه الإمبراطورية الرومانية الغربية بسقوط عاصمتها روما
بيد ادواكر زعيم القوط من البرابرة.
2- العصور الوسطى : وتبدأ في رأيهم من عام 476 م
وتمتد إلى عام 1453 م وهو العام الذي سقطت فيه الامبراطورية الرومانية
الشرقية الامبراطورية البيزنطية على يد السلطان العثماني محمد الفاتح .
3- العصور الحديثة: وتشمل الفترة الممتدة من عام
1453م إلى الآن.
ويجب ملاحظة أن حوادث التاريخ متصلة الحلقات
ومتداخلة ومن المستحيل فصل عصر عن عصر، وفي فترات العصور الوسطى كانت أوربا قد
تردت إلى الحضيض بل لقد عاشت في ظلام دعوه ظلام العصور الوسطى، وفيما يلي إجمال
لملامح تاريخ أوربا في هذه العصور الوسطى:
1- سيادة نظام الإقطاع في أوربا: لقد أدى اندفاع
البرابرة من القبائل الجرمانية القوط
الشرقيين والغربيين والفرنجة والانجليز والسكسون والبيرغنديين وانهيار
الإمبراطورية الرومانية الغربية إلى انعدام الأمن وانتشار الخوف والرعب والدمار
والخراب، فلجأ الضعفاء إلى الأقوياء يلتمسون الحماية، وتنازلوا عن أرضهم وعن
حرياتهم مقابل الحماية.
فنشأ ما يسمى بنظام الإقطاع بقلاعه الحصينة
وفرسانه . وهو نظام اقتصادي اجتماعي حربي، يقوم أساسا على حيازة الأرض. وقد أصبح
المجتمع الأوربي في ظل هذا النظام مجتمعا طبقيا على رأسه الأشراف أو النبلاء وهم
السادة من مالكي الأرض، يدعمهم الفرسان وهم من أبناء الأشراف، وفي حضيض هذا
المجتمع طبقة الأقنان وهم المزارعون –عبيد الأرض– يعيشون على الأرض وللأرض،
ينتقلون من مالك إلى مالك، ومن سيد إلى سيد، دون أن يكون لهم الخيار، فكانت عبودية
من أقسى أنواع العبودية ، في الوقت الذي كانت راية الإسلام تخفق بعزة وجلال تعيد
للرقيق إنسانيته، ويعامل المسلمون الرقيق بما أمرهم به الدين.
وكان المجتمع الإسلامي لا يؤمن بالطبقية وليست
هناك حواجز بين المسلمين، بل يشهد تاريخنا الإسلامي على أن كثيرا من العبيد ومن
الطبقات الدنيا وصلوا إلى درجة الحكم أو درجة مرموقة من العلم يشار إليهم بالبنان.
بحيث لم يكن يسمو فيه الإنسان إلا بمقدار ما يتمتع به من طيب الخصال وبمقدار ما
يقدم لإسلامه ولمجتمعه. وكان المجتمع الإسلامي بريئا من الصراعات الطبقية شهد
المساواة والأخوة.
2- سيادة نظام الكنيسة في أوربا: دخل في روع
النصارى أن بطرس تلميذ المسيح أسس كنيسة روما تجسيدا لمسيح دائم، وأن بطرس هو رأس
هذه الكنيسة، فالكنيسة عالمية ورئيسها
أسقفها خليفة بطرس رأس جميع
الأساقفة كما أن كنيسة روما هي رأس الكنائس وأمها، واعتقدوا أن السلطات الموعود
بها القديس بطرس لا تقتصر على السلطة التعليمية بل يجب أن تمتد إلى مجال الولاية
كله، والله كما أوحى لهم القسس يقر في السماء ما يقره بطرس أو يرفعه على الأرض
من الواجبات، وللبابا خليفته مثل ذلك الولاية الكاملة على الكنيسة كلها، في أمور
الإيمان والآداب وتنظيم الكنيسة وإدارتها، واعتقدوا بعصمة البابا من الغلط حين
يتكلم من منصة التعليم، والأساقفة ينقلون تعاليمه ، فتعاليمهم تحوي العصمة. فأصبح
البابا والقسيس بذلك يحللون ويحرمون . وهذا ما عناه صلى الله عليه وسلم عندما قال:
"لعن الله اليهود والنصارى–اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون
الله". ووصل بهم الأمر أن احتجزوا ملكوت السماء لأنفسهم واحتكروه فلا يدخلون
فيه إلا من رضي عنهم ورضوا عنه، أما الآخرون فهم محرومون من الرضوان.
واتخذت الكنيسة سمة النظام الإقطاعي فتعاون
الكهنوت والإقطاع لاقتسام الضرائب الباهظة التي كانت تثقل كاهل الأمم، والحماية
متبادلة والمصالح مشتركة بين حملة السوط من جانب السادة وحملة صكوك الغفران من
جانب آخر!. وأصبحت طبقة الاكليروس –رجال الدين– من الطبقات المميزة في المجتمع
الأوربي، وامتلكت الكنيسة الأراضي الواسعة، واحتكر البابا تفسير الإنجيل وفرض
نظريات علمية خاطئة كبلت الفكر الأوربي، واتخذ سلاح الحجر والحرمان ضد مخالفيه
ومارس سلاحه الرهيب هذا على رجال الفكر والسياسة والدين ومن ثم أصبحت الكنيسة سيفا
مسلطا على رجال الفكر والعلم وزيفت النظريات الجغرافية، واجتهدت ألا تدع في العالم
النصراني نابضا ضد الكنيسة وانبثت عيونها في طول البلاد وعرضها وأحصت على الناس
الأنفاس. وبلغ من عاقبتهم محاكمها ثلاثمائة ألف أحرقت منهم اثنين وثلاثين ألفا
أحياء كان منهم العالم الطبيعي برونو لقوله بتعدد العوالم وحكمت عليه بالقتل بأن لا
تراق قطرة من دمه ، وكان ذلك يعني الحرق حيا ونفذ فيه الحكم. وكذلك حكمت على
العالم الإيطالي غاليليو مخترع المنظار الفلكي بالقتل لأنه كان يعتقد بدوران الأرض
حول الشمس. هذا ما كان في أوربا في العصور الوسطى عداء بين الكنيسة والعلم، فماذا
كان في مجتمع الإسلام؟.
الإسلام يخلو من الصفة الكهنوتية، فلا رجال دين في
الإسلام، ولا بابا يحللون ويحرمون، بل هناك علماء دين وكل مسلم مسؤول عن فهم دينه
والحفاظ عليه:"أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك". فلا
طبقات دينية ولا رجال دين، ولا يستطيع كائن من كان أن يحلل شيئا أو يحرم شيئا إلا
بنص من قرآن أو سنة، وكل مسؤول عن نفسه
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى كما أنه لا خصومة بين الدين
الإسلامي والعلم فقد احتضن الإسلام العلم وتحاكم إلى العقل وميز الحق بخصائصه، وما
عليك إلا أن تردد النظر في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة لترى الدليل تلو
الدليل على أن الإسلام هو دين العقل والعلم والحق، وأنه هو وحده من بين الأديان
الذي عرف الفطرة وسماها باسمها ووصفها بأوصافها وشهد لنفسه أنه دين الفطرة، بل أنه
نفس الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
وقد وصل المسلمون بتطبيق إسلامهم إلى أسمى الدرجات
العلمية فجابوا البحار واشتغلوا بالتجارة وبالعلوم من فقه ولغة وقرآن كريم وسنة مطهرة وفلك
وجغرافيا وتاريخ ورياضيات وطب وهندسة وبالصناعة. وكانت معامل الورق والمدارس
والجامعات منتشرة في أرجاء العالم الإسلامي من الصين إلى قرطبة في الأندلس وكان
العلم مفتوحا للراغب فيه دون قيد أو شرط ولهذا نبغ كثير من الأدباء والعلماء من
الطبقات الفقيرة وكانت رحلات العلماء تتم بحرية بين المشرق والمغرب.
3- النزاع بين البابوبة والامبراطورية: فرض
قسطنطين النصرانية على الإمبراطورية الرومانية في مؤتمر نيقية سنة 325م، وفرض في
هذا المؤتمر مع 318 أسقفا جماعة كهنونية تلقي على الناس أوامر
الدين وعليهم أن يطيعوا راغبين أو كارهين وأعلن أن تعاليم الدين لا بد أن يتلقاها
الناس من أفواه رجال الكهنوت، فكان الفصل بين السلطة الدينية التي يمثلها الكهنوت
وعلى رأسهم البابا، والسلطة الزمنية التي يمثلها الإمبراطور، أو إن شئت فقل الفصل
بين الدين والدولة، الدين من أفواه الكهنوت، والدولة تطبق القوانين الرومانية
الوثنية.
وانهارت الامبراطورية الغربية عام 476م وبقي
البابا فأصبح يتدخل في السلطة الزمنية، وفي عام 800م توج البابا "شارلمان"
إمبراطورا، وتجددت الإمبراطورية باسم جديد: "الإمبراطورية الرومانية
الجرمانية المقدسة"، وكان شارلمان قد حضر إلى روما لنجدة البابا ضد مخالفيه.
واتخذ البابا قصة التتويج ذريعة واعتبر نفسه أعلى من السلطة الزمنية، في حين اعتبر
الإمبراطور نفسه حاميا للسلطة الدينية فهو أعلى مستوى وأجدر بالطاعة. وظهر النزاع
على تعيين الأساقفة وأصبح الصراع بين الدين والسياسة في دوامة عنيفة يتنازع البابا
والإمبراطور السلطة، وكان الشعب هو ميدان الصراع وهو الضحية تارة يجذبه رجال الحكم
والسياسة وتارة يخضعه رجال الدين واللاهوت وهو في حيرة من أمره، وقد ظهر هذا
التنافس على أشده في القرن الحادي عشر الميلادي وانتصرت فيه البابوية فيما يعرف
بحادثة إذلال كانوسا سنة 1077م، فقد اضطر
الإمبراطور هنري الرابع أن يتقدم بخضوع وذلة نحو البلاط البابوي البابا جريغوريوس السابع في قلعة كانوسا شمال ايطاليا،
ولم يسمح له البابا بالمثول بين يديه إلا بعد شفاعة الرجال، وبعد أن بقي أمام
القلعة في برد الشتاء حافيا عاري الرأس لابسا الصوف ثلاثة أيام ، فغفر له البابا
زلته . ولكن الحرب تجددت، وكانت سجالا حتى ضعفت البابوية، وحل الأمر وسطا في
"مؤتمر ورمز" سنة 1222م بأن يقوم البابا بتعيين الأساقفة رؤساء الكنائس
بحضور ممثلين عن الإمبراطور. فهدأ الأمر إلى حين. فنشأ في أوربا فكرة الحل الوسط بالإضافة إلى اتساع الهوة بين الدولة
والدين فصل الدين عن الدولة. وكل ذلك قاد
إلى فكرة فصل الدين عن الحياة نهائيا.
أين ذلك من الإسلام والمسلمين في ذلك العهد؟
الإسلام لا يفصل بين الدين والدولة وليس في سلطة دينية وسلطة دنيوية – إنه الإسلام
والإسلام فقط ، فيه كل شيء من دين ودولة لا تنافر ولا فصل ، فهو عقيدة وشريعة ،
نظام شامل يعالج شؤون الحياة جميعا فينظم علاقة الفرد بربه، عن طريق العبادات ،
وينظم علاقة الفرد بنفسه عن طريق الأخلاق. وينظم علاقة الفرد بالمجتمع عن طريق
المعاملات، وكلها علاقات مترابطة متآلفة متوازنة لا يطغى أحدها على الآخر!.
وبعد أن عرضنا حال أوربا المتخلفة في العصور
الوسطى، وحال المسلمين المتقدمة المتحضرة، فماذا عن الصلات بين العالمين النصراني
والإسلامي في تلك العصور؟
لقد كانت هناك صلات بين العالمين غير صلات الحرب
والقتال التي تكلمنا عليها والتي سميت في وقت ما بالحروب الصليبية ومن وسائل الاتصالات:
فقد كان المسلمون يسيطرون على معظم سواحل البحر
الأبيض المتوسط، أي جنوب أوربا، فكانت بأيديهم شبه جزيرة "إيبريا"
إسبانيا والبرتغال، وصقلية وجنوب إيطاليا وجزر البحر الأبيض المتوسط، وكانت هذه
المراكز مراكز إشعاع للحضارة الإسلامية تنشر ضوءها على جميع الأمم النصرانية في
أوربا المظلمة. هذا وقد بدأت الحروب الصليبية في هذه الأماكن والمراكز واستطاع
الأوروبيون دحر المسلمين وطردهم منها بعد أن استفادوا منهم.
كانت بلاد المسلمين تشهد نهضة علمية رائعة،
وانتشرت المدارس والجامعات جنبا إلى جنب مع المسجد، فقد كان المسجد المدرسة الأولى
للإسلام فكانت الحلقات والمناظرات في الكلام والأدب والشعر والفقه والحديث تقام
فيه. وكانت المكتبات والكتب توضع في متناول كل محب للاستزادة من العلم، دون قيد
ولا شرط، ومن مراكز الثقافة الإسلامية: بخارى، وسمرقند، وطشقند، وبلخ ، ونيسابور،
والري طهران، وشيراز، وأصفهان، والقيروان، وجامع الزيتونة في تونس، وفاس، ومراكش،
وقرطبة، واشبيلية، وغرناطة، وباليرمو، وباري.
وأهم المراكز الثقافية التي كان يؤمها ويرتادها
الأوروبيون للعلم: قرطبة في الأندلس ، وباليرمو في صقلية ، وباري في جنوب إيطاليا.
ففي سنة 360هـ أم جماعة من رهبان دير ماري غالن
جامعات الأندلس لدرس العربية وتحصيل معارفها، كما أقبل الرهبان البندكتيون يطلبون
العلوم الإسلامية . ومن الذين أموا هذه المدارس البابا "سلفستر الثاني"
وعدد كبير من أهل إيطاليا وفرنسا وجرمانيا وانكلترا، وكانت جامعة قرطبة من أعظم
جامعات الدنيا تقرأ فيها العلوم الطبيعية والفلكية والكيماوية.
لقد نمت التجارة وازدهرت في بلاد الإسلام في
العصور الوسطى، وكان للمسلمين صلات تجارية مع معظم بلدان العالم، وامتدت تجارتهم
إلى الشرق حتى وصلت الفلبين والصين، وإلى الغرب حتى وصلت بلاد الفرنجة، وإلى
الجنوب حتى وصلت نيجيريا والحبشة وموزمبيق، وإلى الشمال حتى وصلت إلى بلاد الروس
وسيبيريا وفنلندا، وأصبحت المدن الإسلامية مراكز حافلة بمظاهر التبادل التجاري
البري والبحري ومنها: بغداد، والبصرة في العراق، والفسطاط، والإسكندرية في مصر،
وسيراف، وأصفهان في فارس، وطرابلس وصيدا وبيروت في الشام، والمنصورة في الهند،
واستفاد أهل دار الإسلام من التجارة فضلا عن الغنى والثروة المالية خبرة بشؤون
الحياة ومعرفة بأخلاق الناس، فكان التجار دعاة للإسلام أينما حلوا. وعلى الإجمال
فقد كان المسلمون يتحكمون في الطرق التجارية وأهمها:
1- طريق الخليج العربي: وتبدأ من جزر الهند
الشرقية – اندونيسيا – وماليزيا إلى بحر العرب إلى مضيق هرمز إلى الخليح العربي –
ومن ثم إلى شط العرب – وبغداد – والشام – وآسيا الصغرى وأوربا .
2- طريق البحر الأحمر: وتبدأ من الهند وشرق
افريقيا إلى المحيط الهندي – ومضيق باب المندب – والبحر الأحمر – وخليج
السويس بحر القلزم – وغزة والإسكندرية – ثم إلى – أوربا .
3- طريق البر الغرب : وتبدأ من حيث تبدأ طريق
البحر الأحمر – وتتجه برا عبر اليمن – الحجاز – الشام – أوربا .
4- طريق البر الصيني – طريق الحرير– ويبدأ من الصين إلى الهند عن طريق ممر خيبر –
وخراسان – والعراق – والشام ومصر وبلاد المغرب وأوربا .
كان المسلمون يحملون في تجارتهم هذه: البهارات
والبخور والتوابل والحجارة الكريمة والذهب وريش النعام والعاج من الهند وشرق
إفريقيا، واللؤلؤ من البحرين، والمر والبخور والحجارة الكريمة من اليمن، وغير ذلك
من مواد التجارة.
وكان البنادقة والجنويون واليهود هم الذين ينقلون
التجارة إلى أوربا من موانئ الشام ومصر وآسيا الصغرى. فأثرى هؤلاء إلى جانب
المسلمين. وتأثرت أوربا بهذه الصلات المباشرة والغير مباشرة وخاصة ايطاليا. فلا
عجب أن بدأت النهضة الأوربية في ايطاليا.
وبهذه الاتصالات انتقلت أوربا إلى عصر النهضة
الأوربية وانقشعت عن الأوربيين غيوم الخرافات [3]
والجهل الذي كان يسيطر على أجوائهم . وبقيت الروح الصليبية توجههم في علاقاتهم
بالمسلمين.
أدرك الصليبيون أن مهاجمة العالم الإسلامي في
قلبه، ضرب من المحال، فبدأوا بتغيير الإستراتيجية، واتجهوا إلى أساليب أخرى.
وكانوا قد تعلموا باتصالهم بالعالم الإسلامي: البوصلة، والإسطرلاب، وخرائط البحار،
وكروية الأرض، وعرفوا عن أقاليم خط الاستواء، فمكنهم ذلك من ارتياد البحار،
وتعلموا أسلوب التجربة، فسارت مخترعاتهم قدما، فاستطاع جليليو
العالم الايطالي اختراع المنظار الفلكي، ونادى كوبرنيكس
بفكرة دوران الأرض حول الشمس، وتطور البارود، الذي شل نظام الإقطاع نهائيا
، وقضى عليه. واخترع يوحنا غوتنبرج الألماني
الطباعة بالحروف المتحركة، كل ذلك مكنهم من معاودة الهجوم على المسلمين بأسلوب
آخر، هو أسلوب الاستعمار الذي مر بمرحلتين:
المرحلة الأولى: الاستعمار الأوروبي القديم :
كانت حركة الكشوف الجغرافية التي تم شطر كبير منها
في القرن الخامس عشر الميلادي أهم نتيجة عملية للنهضة الأوروبية، وكان هدف
الأوروبيين من هذه الحركة تحقيق أمرين :
أ- تطويق العالم الإسلامي لإضعافه تمهيدا لضربه في
الداخل .
ب- البحث عن طريق تجاري لا يمر بديار المسلمين مع
الهند .
وقد ساعد الأوروبيين في مهتمهم هذه، الإسطرلاب،
والبوصلة، والخرائط البحرية، ومعرفة كروية الأرض[4] ، فقد سعى
البرتغاليون للحصول على علوم المسلمين الملاحية، واستعانوا بالتجار اليهود، في
الأندلس، الذين قاموا بدور الجواسيس، في الحصول على معلومات المسلمين، وتقديمها
إلى أسيادهم البرتغاليين. وساعد اليهود على نجاحهم في عمليات التجسس، معرفتهم
باللغة العربية، وقاموا برحلات بين المشرق والمغرب، برا وبحرا، لهذا الغرض، وتظاهر
بعضهم بالإسلام، فتتابع وصول الجواسيس إلى مصر، وسائر بلاد الإسلام ، ففي عام
894هـ/1488م قام جماعة من الجواسيس اليهود متخفين في زي تجار برتغاليين، بالسفر
إلى مصر سرا، وكان على رأسهم الفونسودي
بايفا، ووقف الجواسيس على معلومات هامة، عن كل ما يتصل بتجارة التوابل وغيرها، من
البضائع الشرقية ، ثم أقلعوا على سفينة عربية، من السويس إلى عدن، ثم استقلوا
سفينة أخرى متظاهرين بالإسلام، وسافروا إلى الهند، قبل وصول فاسكودي غاما إليها
بنحو عشر سنوات، وجمعوا ما راق لهم من معلومات، ثم شدوا رحالهم إلى البرتغال، عن
طريق مصر، وفي أثناء مرورهم بالقاهرة، التقى هؤلاء ببعثة تجسس أخرى، كانت تضم أبراهام دي بيا ويوسف لاميجو، وهي على شاكلة
البعثة الأولى، تستهدف جمع المعلومات، وانضمت البعثتان في بعثة واحدة سافرت إلى
هرمز، ثم زيلع، ومنها إلى الحبشة، ثم عادت إلى مصر، وواصلت سفرها في رحلة العودة
إلى البرتغال، واستطاعت هذه البعثة الحصول على خرائط عربية، عن المحيط الهندي،
ومعلومات تفصيلية، عن التيارات البحرية، والرياح الموسمية في هذا المحيط، فضلا عن
البيانات الخاصة بالتجارة الشرقية، من حيث حجمها، وفئاتها، وما إلى ذلك. وقدمت
البعثة كل ذلك إلى السلطات الحاكمة في لشبونة، فكانت لهم نعم المعين، في تقدير
الموقف، والمضي قدما في إيفاد البعوث الكشفية الجغرافية، ابتغاء الوصول إلى الهند
بحرا فتمكن بارثلميودياز من الوصول إلى رأس الرجاء الصالح جنوب افريقيا، وأتم
فاسكوديغاما، بمساعدة العالم المسلم أحمد ابن ماجد الرحلة، فوصل البرتغاليون إلى
كاليكوت فاليقوط في الهند، وأخذوا يقيمون المراكز، والحصون والقلاع، على السواحل
الإفريقية والآسيوية، لبسط سيطرتهم العسكرية والتجارية، على هذه المنطقة، وهزموا
أسطولا إسلاميا، ضم سفنا من المسلمين في الهند ، ومن دولة المماليك في مصر والشام
، ومن الدولة العثمانية في آسيا الصغرى والبلقان 915هـ/1509م، في معركة ديو شمالي
بومبي بالهند: فتأكدت سيادة الصليبيين على البحار وانحسرت قوى المسلمين في المحيط
الهندي. وكانت رحلة فاسكوديجاما صليبية واضحة، تتخفى وراء العلم والاستكشاف. فقد
قال عندما وصل كاليكوت فاليقوط بمساعدة
أحمد بن ماجد: "الآن طوقنا رقبة الإسلام، ولم يبق إلا جذب الحبل
فيختنق".
وتمكن خريستوفر كولمبوس الجنوي
الأصل(855–912هـ/1451–1506م)– من الوصول إلى جزر البحر الكاريبي، ظانا أنها جزر
الهند لصالح أسبانيا، وذلك لفكرة سيطرت عليه، وهي: أنه إذا أبحر غربا من مضيق جبل
طارق، وعبر المحيط الأطلسي، استطاع أن يصل إلى الشواطئ الشرقية لآسيا. وبالفعل وصل
إلى جزرالبحر الكاريبي، سنة898هـ/1492م وعرف"أمريكو فسبوتشي "أنها أراض
جديدة ، فسميت باسمه أمريكا عام 907هـ/1501م.
لقد حملت الاكتشافات الجغرافية الروح الصليبية ،
بما فيها من حقد ، وكراهية ، على الإسلام والمسلمين، تمثل ذلك في آراء البابا نيقولا الخامس(851-860هـ/1447-1455م)الذي وضع
خطة تنفذ مع الكشوف الجغرافية، لضرب المسلمين ضربة أخيرة، والقضاء على الإسلام
قضاء مبرما، وأرسل في سنة859هـ/1454م إلى ملك البرتغال، مرسوما بابوبا تضمن ما
يعرف باسم: خطة الهند تقوم على إعداد حملة
صليبية نهائية، تشنها أوربا الكاثوليكية، للقضاء قضاء مبرما على الإسلام، بعد أن
تخقق كشوف البرتغاليين أهدافها، ويتصلون بالملوك النصارى، سواء في أفريقيا، أو
آسيا، كي يسهم هؤلاء الملوك في تمويل الحملة الصليبية بالأموال، والرجال، والعتاد،
ويتم تطويق البلاد الإسلامية.
وتمثلت هذه الروح الصليبية في هنري الملاح أمير
البرتغال، وفي القائد البرتغالي البوكرك كان يعمل بهمة ونشاط للاستيلاء على جميع
النقاط الإستراتيجية، حتى يمهد للاستيلاء على مكة ومصر، وبيت المقدس من المسلمين.
وبالرغم من ضخامة هذه الآمال، فإنها تدل على مغزى كبير، وهو أن قادة البرتغال،
كانت تحركهم الأفكار الصليبية، واعتبروا أنفسهم مكلفين بالثأر للحملات الصليبية
الفاشلة، وحملوا لواء الأهداف، التي عجز عن تحقيقها ملوك أوربا الصليبية السابقين.
وهذه الروح هي التي دعت القائد البوكرك أن يقول لرجاله قبل احتلاله ملقا عام
917هـ/1511م:"أجل خدمة لحصد شوكة الإسلام، بحيث لا يقوم له قائمة بعد اليوم
بعملنا هذا، وأنا على يقين، أننا إذا انتزعنا الأفاويه، والبهارات، من يد العرب،
فإن الدمار سيحل بالقاهرة ومكة. وستتوقف تجارة البندقية مع العرب".
وقال في يومياته:"فكان هدفنا الوصول إلى
الأراضي المقدسة للمسلمين، واقتحام المسجد النبوي، وأخذ رفاة النبي محمد صلى الله
عليه وسلم رهينة لنساوم عليه العرب، من أجل استرداد القدس، وكان هدفنا الثاني:
احتلال جنوب مصر، من أجل تغيير مجرى نهر النيل كي يصب في البحر الأحمر، بدلا من
مروره على القاهرة في طريقه إلى البحر المتوسط ، مما يضمن لنا خنق القلب الذي يقود
الحرب ضدنا".
وأما فرديناند وايزابيلا ملكا اسبانيا فقد غلب
عليهما العداء للإسلام والمسلمين، وشنا حربا لا هوادة فيها على البقية الباقية من
المسلمين في شبه جزيرة أيبريا، إلى أن نجحا في القضاء على آخر معقل إسلامي
هناك–غرناطة(898هـ/1492م). وكانا يمنيان النفس ببعث عهد الحروب الصليبية، وإنفاذ
حملة، لانتزاع بيت المقدس من أيدي المسلمين، وأما كولمبوس الذي عمل لحسابهما، فكان
على طرازهما، وطراز هنري الملاح، تبرز فيه الناحية الصليبية، فقد رسمت الصلبان على
أشرعة السفن، التي أقلته في رحلاته، وكان يتوق لرفع الصليب عاليا في أراضي خان الكبير
في الصين، وتحويل ملايين الوثنين إلى النصرانية، ولكنه شجع تجارة الرقيق
ومارسها.
وبعد : فماذا كانت نتيجة هذه الكشوف الجغرافية على
بلاد الإسلام ؟
لقد تغيرت طريق التجارة عن بلاد الإسلام، والبحر
الأبيض المتوسط، إلى المحيطات الكبرى– الأطلسي، والهندي، والهادي– فأدى ذلك إلى
ضعف تجارة المسلمين، ثم ضعف الصناعة، والزراعة، فقد هجر الناس المدن إلى الأرياف،
وعاد الكثير منهم إلى البادية، فكسدت البضاعة، وخوت الأسواق، وقل عدد سكان المدن،
فأصبحت قرى، الأمر الذي أدى مع الزمن إلى عزلة المسلمين، وإلى شيوع الجهل، والتأخر،
والأمية.
وأما من الناحية العسكرية، فقد طمع الصليبيون بعد
أن أحاطوا بالعالم الإسلامي، بوصول "مجلان" إلى الفلبين شرقا، ملتقيا
النفوذ الاسباني بالبرتغال في أقصى المشرق من العالم الإسلامي، فحاولت إسبانيا
وفرنسا والبرتغال من أتباع الكنيسة الكاثوليكية الاتصال مع الحبشة الأرثوذكسية،
للقيام بغزو بحري إلى كل من عصب، ومصوع، وسواكن، على أمل غزو الحجاز، وهدم قبر
الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالفعل قامت البرتغال بحملة دخلت البحر الأحمر، ووصلت
إلى ينبع، وتحطمت أثر عاصفة هوجاء ، وأمام هذا التحدي الصليبي، عجز المماليك عن المواجه،
فتوجه السلطان سليم العثماني إلى الشام 922هـ/1516م، فضمها إلى الدولة العثمانية،
ثم ضم مصرعام 922هـ/1517م، وامتدت الدولة
العثمانية وانتصبت ترد كيد الصليبيين، ولكن دون أن تستطيع استعادة سيطرة المسلمين
على البحار، خلال البحر الأبيض المتوسط ، ولكنها استطاعت أن تمنع الصليبيين من
مهاجمة قلب ديار الإسلام، وشمال إفريقيا، وتولت أمر الخلافة والدولة، فكبحت جماح
رغبة الصليبيين الشريرة، وامتدت في أوربا، مما دفع الصليبية إلى مواقف الدفاع،
لفترة طويلة أمام الدولة العثمانية.
ونتج عن حركة الكشوف الجغرافية: إكتشاف العالم
الجديد، واستيطانه، في حركة سميت: الاستعمار الأوربي القديم – واتبعت أوربا
الغربية أسلوب إبادة السكان، أو تهجيرهم، أو الاختلاط بهم، بعد إذلالهم، وفصلهم عن
ماضيهم نهائيا، كما حصل في الأمريكتين، واستراليا. وأصبح العالم الجديد امتدادا
لأوربا، ومتنفسا لها، وظهيرا، في مواجهة الإسلام.
كما حقق الصليبيون رغبتهم، وأهدافهم، في تطويق
العالم الإسلامي، وتحويل طرق التجارة عن بلاد الإسلام، وتسلم زعامة البحار، وتدفق
الذهب، والفضة، وغيرهما من المعادن النفيسة إلى أوربا، وأدخلت تحسينات على بناء
السفن التجارية، من الحجم، والحمولة، والسرعة، ومتانة الأجسام ، وطرأ تقدم كبير
على عدد لا يستهان به من العلوم الجغرافية، والفلكية، والتاريخية، فدخلت أوربا
عصرا عرف في التاريخ الاقتصادي باسم: الثورة التجارية. التي أدت بدورها إلى ظهور
الطبقة البرجوازية في أوربا الطبقة الوسطى. وبدأت تقود حربا شعواء ضد الكنيسة
وتسلط البابا ورجال الدين في حركة دعيت
حركة الإصلاح الديني – أو حركة الانشقاق الديني:
إذ زادت مساوئ الكنيسة مع بداية حركة النهضة
الأوروبية، واشتد عسف رجال الدين، وتحكمهم في عقول الأوروبيين. وكان البابا قد
احتاج لنفقات كثيرة في تزيين فرسكة كنيسة
القديس بطرس الفاتيكان، فابتكر وسيلة لجمع المال وهي: بيع صكوك الغفران التي حولت أمر الدين النصراني
إلى مهزلة حقيقة.
فتحرك بعض المفكرين وشكوا في عصمة البابا
والأساقفة.
فظهر مارتن لوثر في ألمانيا 1483– 1546م وانتقد صكوك الغفران. وحرمه البابا، فأسبغ عليه
أمير سكسونيا حمايته، وأقام في قلعته، وترجم الإنجيل إلى الألمانية ونشره، وأظهر
مفاسد الكنيسة. فسمى أتباعه: البروتستنت
المحتجون. ومما يدل على تأثر لوثر بالفكر الإسلامي فكرته التي نشرها: لا
خلاص إلا بالإيمان. وقوله: "ليس للبابا وحده حق احتكار تفسير الإنجيل".
وظهر كلفن في فرنسا(1509–1564م) وسمي أتباعه:
الهيجونوت. كما انفصلت الكنيسة البريطانية ودُعيت الانجيليكانية. وكان قد قام زونجلي(1484–1531م) بحركة ضد الكنيسة
الكاثوليكية في الأراضي المنخفضة، وانتهى أمرُه بمصرعه في معركة كابل عام 1531م
وقُطعت جثته، ثم حُرق .
وعلى كل فقد أصبحت أوربا الصليبية في الغرب دينيا
كما يلي:
1- الكاثوليك: وهم أتباع البابا في فرنسا ،
واسبانيا ، والبرتغال ، وإيطاليا ، وألمانيا .
2- البروتستنت: وهم الذين خرجوا على كنيسة روما
ومنهم :
أ- اللوثريون : في ألمانيا، واستكندنافيا السويد، والنرويج .
ب- الكلفنيون
الهيجونوت: في فرنسا ، والأراضي المنخفضة
هولندا ، وبلجيكا ، ولكسمبورغ ، والدانمارك .
ج- أتباع الكنيسة الانجيليكانية في بريطانيا .
وقد أعقب هذا الانقسام صراع ديني مرير، استعمل فيه
البابا سلاحا رهيبا وهو: ديوان التفتيش أو
محاكم التفتيش أو التحقيق منذ عام 1478م
لمواجهة المنشقين .
وتمت مذابح دينية مرعبة من أشهرها مذبحة
القديس بارثلميو عام 1571م في فرنسا. حيث
قضي فيها على الهيجنوت تماما في فرنسا. فهاجر البوير على أثر ذلك إلى جنوب إفريقيا
وأقاموا كيانا عنصريا لا يزال يعيش هناك.
وانزوى الدين عند الأوروبيين إلى الكنيسة وإلى يوم
الأحد، وقد سايرت الكنيسة هذا الاتجاه تبعا للقاعدة التي سادت حياة أوربا: الغاية
تبرر الوسيلة.
وقد واجه المسلمون الأمرين في أوربا. فأزيلوا
تماما من أوربا الكاثوليكية: اسبانيا والبرتغال وفرنسا وايطاليا والعالم الجديد.
وتعرضوا لأبشع عمليات الإبادة التي عرفها التاريخ.
المرحلة الثانية: الاستعمار الأوروبي الحديث الامبريالزم :
وقام على استغلال خيرات البلاد المستعمَرة، واستعباد سكانها،
والسيطرة على مقدراتها. وقد نتج هذا الاستعمار عن حركة في أوربا تسمى: حركة الثورة
الصناعية، أو الانقلاب الصناعي: وهي عبارة عن سلسلة من التغييرات في أساليب
الصناعة، أصبح الإنسان بسببها يعتمد على الآلات في إنتاج مصنوعاته.
وصارت هذه الآلات تدار بقوى غير بشرية، سخرها
الإنسان أو اخترعها كالبخار، أو البترول، أو الكهرباء، وحديثا بالطاقة الذرية. وقد
بدأت هذه الثورة في بريطانيا في الثلث الأخير من ق 18م، واستمرت بعد ذلك وانتشرت
في أوربا، وأمريكا، منذ مطلع ق 19م، وزاد الانتاج الصناعي زيادة هائلة ، بقليل من
النفقات، فاحتاج أصحاب المصانع إلى المواد الخام ، والقوى المحركة ، وإلى الأسواق
لتصريف البضاعة، فتم استغلال الفحم في أوربا، واستخدم في استغلاله الأطفال
والنساء، كما استخدموا في المصانع ، فأدى ذلك إلى انحطاط الأخلاق وانتشر الفساد
الخلقي، كما انتشرت عادة شرب الخمر، ولعب الميسر، وغيرهما من المفاسد الخلقية،
واخترعت السكك الحديدية، لنقل المواد الخام، ولتصريف البضائع، وظهرت طبقة تحتكر
المصانع، ازداد مالها زيادة فاحشة سميت بالطبقة الرأسمالية التي أصبح همها جمع
المال وبأي وسيلة، وبالتنافس الحر دون قيد من دين أو تقاليد، الأمر الذي أدى إلى
بؤس العمال في أوربا –وظهرت طبقة العمال الكادحة من عمال المناجم والمصانع. وأمام
هذه التعاسة التي وقع فيها المجتمع الأوروبي ظهرت أفكار بشرية للإصلاح ولتحسين
أوضاع العمال والنساء والأطفال. وحصل العمال على بعض الحقوق مثل: زيادة الأجور،
وتحديد ساعات العمل، والإجازات الأسبوعية والسنوية والمرضية ، والتعويض عند الضرر،
والتأمين عند الشيخوخة والمرض المزمن وما إلى ذلك.. كما ظهرت فكرة تحرير المرأة
ومساواتها بالرجل في الأجر، وستتطور الفكرة لتأخذ أبعادا خطيرة . كما ظهرت قوانين
حماية الأطفال! ونشأت في أوربا تبعا لذلك فكرتان متباعدتان متحدتان في المنشأ
هما:الاشتراكية والديمقراطية، وهما على طرفي نقيض، تقوم علاقاتهما على التناقض
والصراعات.
والرأسمالية دفعت الحكومات الأوربية دفعا لحركة
الاستعمار، للحصول على المواد الخام، وإيجاد الأسواق لتصريف بضائعها، فتنافست
الدول الأوربية في البحث عن مستعمرات، فكان العالم الإسلامي هدفا من أهدافهم –
تحركهم ضده الخلفية الصليبية. ولذلك فالاستعمار الأوربي حلقة جديدة ومرحلة متصلة
بالحروب الصليبية القديمة ، وآية ذلك أن
اللورد اللنبي القائد الانجليزي، بعد أن دخلت قواته القدس سنة 1337هـ/
1918م قال كلمته المشهورة الموحية بهذا المعنى:"الآن انتهت الحروب الصليبية
".
وقد مهدت طوابير المبشرين المخربين والمستشرقين
لحركة الاستعمار واتخذ الاستعمار الحديث أشكالا متعددة، وليس لبوسا متنوعة منها:
الاحتلال العسكري، والاستعمار الاقتصادي عن طريق الشركات، وربط العملات المحلية
غير المتكافئة بين الدولة المستعمرة القوية والدولة المستعمرة الضعيفة فتكون
المعاهدة بالطبع في صالح الدولة القوية. والحماية والانتداب والوصاية. وأما أهم
أنواع الاستعمار الحديث والمعاصر وأدومها أثرا فهو الاستعمار الفكري الذي لا يزال
العالم الإسلامي يعاني منه ويعيش فيه.
وقد تنافست الدول الأوربية في استعمار العالم
الإسلامي، وعلى الأخص بريطانيا، وفرنسا، وروسيا. ولقد اختارت فرنسا، وبريطانيا
لتوسعهما الاستعماري هذا، ولفرض سلطتهما، على المستعمرات نظام الحماية ، حتى لا
يثير احتجاج الدول الأخرى نتيجة لتغييرهما الأوضاع الدولية في بلاد الإسلام، وحتى
تموهان على أبناء البلاد بأنهما لا تريدان ضم بلادهم، أو النزول بها إلى مستوى
المستعمرات، وحتى تحملان البلاد نفقات قوات الاحتلال، ونفقات الإصلاحات، التي
تشيران بها عليها. وحتى تظهران أمام المعارضة في بلادهما بأنهما نزلا إلى عملية
تضمن لهما المكاسب المادية، والعسكرية، والمعنوية، دون أن تكلفهما الأموال،
والتضحيات، فضمنتا بهذا النظام الحصول على كل امتيازات الدولة المستعمرة، والسيطرة
على الإمكانيات المادية، والبشرية، والإستراتيجية، وكأنهما تتعاونان مع السلطات
الوطنية في ذلك.
ورغم أن معاهدات الحماية تظهر وكأنها قد عقدت بين طرفين متساويين، إلا
أن الضغط العسكري الذي يصحب هذا التوقيع، وسيطرة الدولة المستعمرة، وإشرافها على
الشئون العسكرية، والعلاقات الخارجية للقطر، تظهر الأمر على حقيقته، وتحتل فيه
الدولة المستعمرة جميع الوظائف العليا، وخاصة وظائف مديري المصالح، مثل الأشغال،
والمعارف، والصحة، والمالية، بل يصبح لهم حق إصدار القرارات الوزارية، الأمر الذي
يؤدي إلى سرعة وقوة استغلال المستعمرين لإمكانيات القطر، نظرا لأن رعايا الدولة
المتفوقة في البلاد يمنحون الحماية اللازمة للقيام بعملياتهم، وعضدهم أمام أي
منافسة يقوم بها أي مواطن لدولة أخرى. وتظهر عمليات الاستغلال الاستعماري هذا في
شكل شركات رأسمالية كبيرة، تقوم باستغلال، واستعمار مساحات واسعة من الأرض، وبشكل
يهدف الاستغلال الرأسمالي، أكثر مما يهدف التوطين ، كما تمكنوا من استغلال الثروة
المعدنية.
كذلك اتبعت بريطانيا وفرنسا أسلوب الوصاية
والانتداب بعد الحرب العالمية الأولى لتكتسب الشرعية في تنفيذ مخططاتها في البلدان
المستعمرة . وأما روسيا فبقيت تستعمل الأسلوب القديم – الاستيطان في بلاد الإسلام
مع بعض التغيير في الأسلوب .
وفيما يلي الدول الأوروبية التي سيطرت على العالم
الإسلامي:
1- بريطانيا: واستعمرت ماليزيا، وشبه جزيرة الهند،
وسواحل الخليج العربي، والجنوب العربي، ومصر، والسودان، وأوغنده، وجزءا من
الصومال، واريتريا ، وتنزانيا ، ونيجيريا ، وقبرص ، وغانا . كما استعمرت بعد الحرب
الأولى: العراق وشرقي الأردن وفلسطين. وغيرها.
2- فرنسا : واستعمرت الهند الصينية، ومالي، وتشاد
، والنيجر، والسنغال ، ومدغشقر مالاغاش، وموريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس ،
وغينيا، وجيبوتي. وبعد الحرب الأولى استعمرت سوريا، ولبنان ، وكيليكيا.
3- ايطاليا : واستعمرت : ليبيا ، وجزءا من الصومال
، وأرتيريا .
4- روسيا: واستعمرت : سيبيريا ، وتركستان الغربية
، والأراضي الإسلامية في آرال ، وحوض نهر الفلغة ، وشبه جزيرة القرم ، وبلاد
القفقاس القوقاز . وامتدت بنفوذها إلى شمالي إيران .
5- أسبانيا: واستعمرت الريف المراكشي، واقليم افني
، والصحراء المغربية . وإقليم مورو الإسلامي في الفلبين .
6- هولندة : واستعمرت : جزر الهند الشرقية اندونيسيا
.
7- البرتغال : واستعمرت موزمبيق .
8- بلجيكا : واستعمرت : الكونغو في أوسط أفريقيا .
وفي الوقت الذي بدأ فيه الاستعمار الأوروبي يكيل
الضربات على العالم الإسلامي ، كانت كبرى دول الإسلام هي:
1- الدولة العثمانية : في الأناضول والعالم العربي
والبلقان وهي دولة الخلافة .
2- الدولة الفارسية : في إيران وهي شيعية .
3- الدولة المغولية: في الهند .
وكان الصراع قائما بين الدولة العثمانية والفارسية
والمغولية، واستغلت ذلك بريطانيا إلى أقصى حد، فأيدت الفرس في صراعها مع الدولة
العثمانية، ففتحت فارس أبوابها للنفوذ الأجنبي مبكرة، واتخذت من ذلك ركيزة وقاعدة
لحماية الهند درة التاج البريطاني.
وأما الدولة المغولية فكانت دولة محلية لم تلعب
دورا خارج شبه القارة الهندية، فلم تعرف ألاعيب السياسة الاستعمارية، فوقعت صريعة
أمام المخططات الإنجليزية. ووقفت الدولة العثمانية وحدها تصارع هذه القوى العاتية
إلى أن انهارت، وضعفت تحت مطارقها، وتمزقها في الداخل.
وظهر الاستعمار بعد الحرب العالمية
الثانية1939/1945م) بأساليب جديدة بالابتعاد عن العنف، والقوة السافرة، كلما
استطاع إلى ذلك سبيلا، ولجأ إلى التلون حسب الملابسات الزمنية، والأوضاع
الاجتماعية، للبلاد التي يزحف إليها، معتمدا على الخديعة، والدس، والتآمر، لتحقيق
مآربه ، وتسلم زعامة الاستعمار في هذه الفترة الولايات المتحدة الأمريكية،
والإتحاد السوفيتي متبعا وسائل العمل غير المباشرة وذلك:
- عن طريق غزو الشعوب والسيطرة عليها من الداخل.
فاستخدم الانقلابات العسكرية، والدعوة إلى الاشتراكية. بل إن أمريكا عملت على
إيجاد أنظمة حكم تعارضها معارضة معتدلة.
- وعن طريق التكتلات الاقتصادية الاحتكارية.
- وعن طريق الحرب الباردة .
فلجأ إلى:
1- إقامة القواعد العسكرية في البلاد، تحت ستار
المعاهدات غير المتكافئة، بحجة الدفاع عن السلام العالمي، أو للحماية. ولا تلبث
البلاد أن تجد نفسها مكبلة بتلك القواعد التي تنطلق منها قوى العدوان في أي وقت.
2- عقد الأحلاف وجر البلاد إليها، وعن طريقها تحرك
البلاد الضعيفة الداخلة في نطاق هذه الأحلاف حسب هواها، وبما يحقق المصالح
الاستعمارية فحسب.
3- فرض السيطرة الاقتصادية عن طريق إدخال البلاد
في نطاق عملة البلد المستعمر، وما يستلزمه ذلك من خلق جهاز مصرفي يحقق التبعية
الاقتصادية للبلد المستعمر .
4- تقديم المعونات المشروطة للبلاد لتبقى البلاد
مكبلة بمحض إرادتها لما يريده الاستعمار الجديد من ضغط وإزهاق .
5- عرض المساعدات الفنية غير البريئة، عن طريق
استغلال الاستعمار الجديد لحاجة البلاد النامية إلى تلك المساعدات. فيبدأ بمديد
المساعدة الفنية، حتى إذا ما اطمأنت البلاد المحتاجة إلى تلك المساعدة ورتبت
حياتها على ذلك يفاجئها الاستعمار بطلباته، أو بوقف تلك المساعدات، أو يعرقلها،
وعندئذ لا تجد الضحية من سبيل غير الاستسلام لهذا الاستعمار الجديد. وقد أجادت
الولايات المتحدة هذه اللعبة لتصفية النفوذ البريطاني والفرنسي نهائيا بعد أن
أنهكتهما الحرب العالمية الثانية(1939/1945م، وكانتا بحاجة إلى المساعدة.
فطلب ترومان عام1947م من الكونجرس
الأمريكي الإذن بمساعدة اليونان وتركيا، حيث أن انجلترا لا تستطيع الاستمرار في
مساعدتهما، بحجة الخطر الشيوعي، ثم توسعت المساعدات الأمريكية فشملت إيران، وكثيرا
من أقطار العالم الإسلامي.
6-إقامة الدولة اليهودية الصهيونية في فلسطين:
وإمدادها بالرجال من روسيا، وبالأموال والأسلحة من أمريكا، لتبقى الذراع الطويلة
التي تهدد العالم الإسلامي، فلا تجد الأقطار الإسلامية مناصا من أن تلجأ إلى أحد
المعسكرين، وهما وجهان لعملة واحدة.
4- الحركة الصهيونية
من جراء الثورة الصناعية في أوربا، انتقلت المصانع
من البيوت، إلى المؤسسات الكبيرة، التي تحتاج إلى أموال هائلة، فاستغل ذلك اليهود
الذين كانوا يملكون المال، فبرزت البيوتات المالية اليهودية الكبيرة، وفي مقدمتها
بيت أسرة روتشيلد، وأصبح زعماء اليهود يؤثرون تأثيرا كبيرا في العلاقات الدولية،
لأنها هي التي تحرك الصناعة، وتستغل الحكومات، في البحث عن مستعمرات فنشأت الفكرة
الصهيونية في أحضان الاستعمار، وولدت في فراشه. وأصبحت تمثل بعدا جديدا للاستعمار،
والغزو الغربي، المتطلع للسيطرة والنفوذ في العالم الإسلامي. وقد حاولت الصهيونية
منذ قيامها كحركة منظمة، أن تضمن التحالف ، والارتباط بالدول الاستعمارية في
العالم فرنسا ، وألمانيا ، وبريطانيا،
والولايات المتحدة.
الصهيونية حركة سياسية عنصرية دينية، قام بها
أصحابها في مواجهة التحديات، والأخطار، التي واجهت اليهود في أوربا تحت ظل فكرة
القوميات، فهي تهدف إلى جمع الملايين من اليهود في العالم في كيان يهودي قومي في
فلسطين استنادا إلى مزاعم تاريخية ودينية
تربطهم بها، واتخاذ فلسطين نقطة انطلاق لدولة كبيرة تمتد من الفرات إلى النيل، ومن
ثم تكوين إمبراطورية صهيونية عالمية تكون وريثة للحضارة الغربية.
واعتبرت الصهيونية اليهود قومية بدون وطن، وحملت
أمم العالم مسئولية إيجاد هذا الوطن، واختارت فلسطين لذلك. وقد أخذوا فكرتهم
العنصرية من التلمود ثاني الكتب المقدسة عند اليهود بعد التوراة المحرفة، الذي
يدعوهم إلى التعالي على غيرهم فهو يقول:"الشعب المختار فقط يستحق الحياة
الأبدية، وأما باقي الشعوب فمثلهم كمثل الحمير".أيها اليهود:إنكم من بني
البشر لأن أرواحكم مصدرها روح الله، وأما باقي الأمم فليست كذلك، لأن أرواحهم
مصدرها الروح النجسة". ويقول:"سلط الله اليهود على أموال باقي الأمم
ودمائهم، فالله لا يغفر ذنبا ليهودي يرد للأممي ماله المفقود، ورد الأشياء
المفقودة من الأجانب". وهذه الأقوال دعوة صريحة إلى التعالي، والاستغلال ،
وامتصاص دماء الشعوب والأفراد.
وقد ذمهم الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم لذلك
:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
)(المائدة/18). (قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ )(آل
عمران/75).
وقد ربطت الحركة الصهيونية الهدف السياسي العنصري
بالدين اليهودي ربطا محكما، بأن حولت العلاقة الروحية التي تربط اليهودي
بفلسطين كالتي تربط المسلمين بمكة المكرمة
والمدينة المنورة، وبيت المقدس، وكالتي تربط النصارى ببيت لحم، والناصرة، وكالتي
تربط السيخ بمعبدهم الكبير في لاهور، والشيعة بكربلاء، حولت هذه الرابطة إلى هدف
سياسي للاستيطان بفلسطين، مدعية أن اليهود يمثلون جنسا مميزا يعود إلى بني
إسرائيل، وأعلنت فلسفة مستمدة من الأساطير، تتمثل في العودة إلى فلسطين، بموجب
الحق الطبيعي، والتاريخي، الذي يعود إلى ما قبل ثلاثة وعشرين قرنا. وحاولت أن تجعل
من بعض نصوص العهد القديم وسيلة لكسب النصارى إلى صفها. ووضعت مخططا واسعا في سبيل
إكساب وجود اليهود في فلسطين حقا تاريخيا، بالتزوير في كتابات التاريخ، ووضع
الموسوعات، والكتب باللغات المختلفة[5] ، وكذلك
القصص المسرحي، والسينمائية، التي تحاول فرض نظرية جديدة، قوامها القول بأن
إسرائيل هو الشعب المختار الذي واجه الاضطهاد على مدى التاريخ، وأن عظماء الفكر في
العالم، وكبار المكتشفين والباحثين في مختلف العلوم ، كانوا من اليهود، وإعلاء شأن
الجنس اليهودي، والدعوة إلى السامية[6]، واعتبار كل
من يقف في وجه حركتهم هو من أعداء السامية ، فنجحت الصهيونية في دمج الفكر الديني
والسياسي، معتمدة على إثارة المشاعر الدينية ، بعد تحويرها من ناحية، وعلى الإفادة
من التجارب السياسية العنصرية المتزمتة في العالم، تحت شعارات القومية.
وكانت الحركة الماسونية التي سبقت الحركة اليهودية
في سبيل تحقيق هدف عريض تسعى له اليهودية العالمية للسيطرة على العالم. وقد تكشفت
هذه المخططات من خلال ما تسرب إلى العالم من نصوص التلمود، وما كشفت عنه
بروتوكولات حكماء صهيون، ويوميات هرتزل، وعديد من الكتابات التي سمحت الصهيونية
بإذاعتها بعد الحرب العالمية الثانية، وحاولت بها أن تكشف عن مخططاتها الخفية التي
كانت سرية، ومحاطة بقدر كبير من الكتمان، وذلك في محاولة لتضخيم دورها في سياسة
العالم، مما يولد اليأس لدى أعدائها، بعد أن نجحت في كثير من مخططاتها، وتحكمت في
مصائر كثير من دول العالم. هذا وقد سميت الصهيونية بهذا الاسم نسبة إلى جبل
صهيون Zion بالقدس.
واستخدمت الصهيونية الاستعمار الأوروبي، والشيوعية
الروسية، لتحقيق أهدافها، وتحركت في جسم الأمة الإسلامية بواسطة مؤسساتها الجهنمية
الماسونية، والنوادي الرياضية، والأندية الثقافية مثل الروتاري، والليونز وغيرهما،
والجمعيات المختلفة ، فأحدثت الفراغ الفكري، الذي حاول أن يتغذى بالفكر الغربي
الديمقراطي، أو الاشتراكي. فأدى ذلك إلى ازدواج الشخصية المسلمة، ولم تواجه التحدي
الصهيوني كعادة الأمة الإسلامية في مواجهة التحديات. فاشتد الخطر الصهيوني. فهي قد
قامت في مهمتين:
أ- المزيد من الصلات بالغرب، والمزيد من التأكيد
على أهمية دورها في الديمقراطية الغربية، وحماية المصالح الأساسية للحضارة
الغربية، في منطقة الشرق الأوسط .
ب- المزيد من ربط الصهيونية بالشيوعية . واستغلال
الشيوعية لتنفيذ المخططات الصهيونية، بارتباط الأحزاب الشيوعية في البلاد
الإسلامية بالمخططات الصهيونية.
وقد هدفت الصهيونية بالتعاون مع الاستعمار إلى
أهداف أساسية في العالم الإسلامي:
1- تمزيق وحدة العرب والمسلمين، والحيلولة دون
وحدة العالم الإسلامي، بالفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، فهدفت الصهيونية إلى وراثة
النظام الرأسمالي، والسيطرة على العالم الإسلامي.
2- تتمة الغزو الثقافي للعالم الإسلامي، بتدمير كل
القيم، والأنظمة، والأخلاقيات، ونقل أسلوب الإلحاد والإباحية، والتسلط .
وقد أفرزت الصهيونية فكرا خطيرا في عالم الإسلام
وفي العالم أجمع هو الفكر الماسوني .
والماسونية جمعية يهودية، تهدف إلى تدمير القيم،
والأديان، وهي تتشكل في إدارات اجتماعية، هدفها الأساسي تنفيذ ما جاء في التوراة
المحرفة، من إحياء الأوهام التي تسيطر على الزعامات اليهودية، من إقامة مملكة
إسرائيل الكبرى، وفي الوقت نفسه، تحقيق ما جاء في بروتوكولات حكماء صهيون، التي
حملت المخططات الصهيونية اليهودية العالمية.
والترجمة الحرفية للاسم تعني:جمعية البنائين
الأحرار أي الذين لا تربطهم رابطة أو تلزمهم نقابة. وهي تزعم أنها مؤسسة اجتماعية،
فلسفية، تحب الخير للإنسانية، وترجو لها الترقي، والتقدم ، وتهدف إلى البحث عن
الحقيقة، وترمي إلى تحقيق الأخلاق الدنيوية، وتطبيق أسس التعاون والتآزر، وتتخذ من
وسائل الرقي المادية، والمعنوية أساسا للتعامل الاجتماعي، والفكري للإنسانية. ورفعت
شعارا براقا هو: الإخاء والحرية والمساواة التي خدعت كثيرا من المفكرين واستهوتهم.
وقد كشفت بعض محافلها عن الأهداف الحقيقية لها
وهي:
1- المحافظة التامة على اليهودية.
2- محاربة الأديان بصورة عامة.
3- بث روح الإلحاد والإباحية بين الشعوب.
وقد احتضنت بريطانيا هذا الإخطبوط الماسوني فكانت
أسبق الدول بإنشاء محفل ماسوني أعظم، ثم توالى بعد ذلك إنشاء المحافل الماسونية،
ودخلت بذلك البلاد الإسلامية لتزيد من تمزقها ومشاكلها. وأنتجت الماسونية معاول
هدامة في جسد المجتمع المسلم منها: البهائية، والقاديانية، ويهود الدونمة،
والروتاري، والليونز، والروحية الحديثة.
5- الحركة الشيوعية
ومن المصائب التي حلت بالعالم الإسلامي في قرن
14هـ ظهور الشيوعية، كاتجاه عقائدي يناقض الإسلام بالكلية، وككيان رسمي هدفه إبادة
الوجود الإسلامي واستئصاله ليس من الاتحاد السوفيتي فحسب وإنما من المعالم أجمع.
والشيوعية فلسفة مادية جدلية للتاريخ ونظام الحياة
تقوم أساسا على المادة، ومعاداة الأديان، تنتسب إلى "كارل ماركس"
الفيلسوف الألماني وحفيد الحاخام اليهودي "مردخاي ماركس". ركز مع
الفيلسوف الانجليزي "إنجلز" على فكرة الصراع الطبقي في إحداث التغيرات
الاجتماعية، والتي أخذها عن فكرة
الديالكتيك الجدلية من الفيلسوف الألماني "هيجل" بعد أن قلبها
وجعل المادة أصلا لا الفكر. بل اعتبر الفكر نفسه مادة . كما أخذ كثيرا من أفكار
"موشي هس" صاحب كتاب الدولة اليهودية الذي تأثر به "هيرتسل"
صاحب فكرة الصهيونية الحديثة ومنظرها.
وفي عام 1336هـ/1917م قام لينين مع قادة الحزب
الشيوعي بثورة دموية، سقط خلالها عرش القيصرية الروسية، فتحقق بذلك قيام دولة
للفكر الإلحادي اللاديني في واحدة من أكبر دول العالم، لتكون منطلق الغزو التبشيري
للعقيدة الماركسية المادية التي أعلن أصحابها: بأنه لا مبرر بعد للهدنة مع الميراث
الديني، وأصحابه، وإلا أدت هذه المهانة إلى بعث ديني فيه خطر على التجربة
الاشتراكية.
وتحرك الفكر الماركسي اللينيني وليد الصهيونية في
جسم الأمة الإسلامية فكريا، وواكبته حرب دموية، هدفها استئصال المسلمين وتصفية
وجودهم البشري والفكري في البلاد الإسلامية التي حكمتها. فقد بدأت الاشتراكية في
البلاد الإسلامية العربية على شكل موضة
بواسطة بعض الكتاب النصارى منهم: النصراني السوري شبلي شميل1860/1917،
والكاتب النصراني المصري سلامة موسى
1887/1959 دون أن يكون لهم تأثير على المجتمع.
وبعد ظروف إنهاء الخلافة العثمانية وفدت الشيوعية
إلى العالم الإسلامي يحملها يهود إلى مصر سنة 1340هـ/1921م وسنة 1346هـ/1927م حيث
تعددت فيها المنظمات الشيوعية وكان أشهرها:
1- الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني، واختصر
إلى حدتو
بزعامة اليهودي كوريل.
2- منطمة أسكرا الشرارة أو الشعلة ورئيسها يهودي
ماركسي يدعى إيلي شوارتز وغير الاسم إلى: نحو حزب شيوعي مصري ومختصره نحشم .
3- منظمة الفجر الجديد– التي سميت فيها بعد
الديمقراطية الشعبية د. ش وأسسها: يوسف درويش، وريمون دويك. واختصت هذه
المنظمة باصطياد العمال، والعاطلين، والمنحرفين من الشبان والشابات.
4- المنظمة الشيوعية المصرية م.ش.م
وأسسها اليهوديان أوديت وزوجها سلامون سدني .
وقد أثر الدعاة الشيوعيون في كثير من الطلبة
والطالبات، والعمال، والمدرسين، باسم الأماني الوطنية، وتحرير مصر من الاستعمار،
ومناهضة الأحلاف العسكرية ، وسحروهم بالماركسية اللينينية، وزعموا لهم أن الشيوعية
نصير الشعوب المستعمرة المظلومة ، وأنفقوا الأموال الكثيرة التي كانت تصلهم من
موسكو بلا حساب.
وكذلك حمل الشيوعية إلى العراق يهود. واستطاعوا
استمالة كثير من شباب العراق، وشعرائه، وأدبائه، وكتابه، وكان منهم بدر شاكر
السياب الذي روى للأستاذ قدري قلعجي ما لديه من علم عن الشيوعية في العراق.
وفي سوريا أسس الحزب الشيوعي يهودي يدعى شامي
سنة 1343هـ/1924م وكان يتقن العربية.
واستطاعت الشيوعية أن تتسلل إلى الأقطار الإسلامية
وأصبح في بعضها أحزاب شيوعية قوية كاندونيسيا، وبنغلاديش، والعراق، وسوريا،
والبلدان الأفريقية.
واستطاعت الصهيونية والشيوعية أن تشغل المسلمين
بصراع وهمي مع الاستعمار، وبصراع حقيقي ورهيب فيما بينهم، مما أسموه التقدمية،
والرجعية، والإقطاع، والرأسمالية، وكانت الاشتراكية المخدر الذي أمات الشعور
الإسلامي، وألهاه عن الأخطار اليهودية وغيرها. فكانت بذلك تحديا خطيرا تحول من تحد
خارجي إلى داخلي. والتحدي الداخلي أشد وأعنف من التحدي الخارجي. فما بالك إذا كان
هذا التحدي الداخلي مدعوما بقوى خارجية هائلة الشيوعية والصهيونية؟!
وكانت الشيوعية عاملا مساعدا لانتشار ونمو كثير من
الاتجاهات الفلسفية المادية، التي تلتقي معها في أسس النظرة إلى الكون، والإنسان،
والحياة، والوجودية. كانت أبرز هذه التيارات على الإطلاق، وقد وضع فلسفتها جون بول
سارتر ذو النسب اليهودي(1323/1400هـ-1905/1980م)
وتقوم نظريته على إبطال مبررات الوجود، وإبطال تفسيره والحكمة منه. ومن هنا
تلتقي نظريته بالشيوعية من حيث إنكار وجود الله.
ودعوته جريئة للإباحية والتحرر من المعتقدات،
والأعراف، والقيم، والتقاليد، مما تعتبر المبرر الرئيسي لنشاط الفئات الشاذة في
العالم كالهيبيين والخنافس وأشياعهم .
يقول سارتر:"إن ما ينبغي أن تكون عليه حياة
الوجودي هو توديع ما يسميه الجبناء وجدانا وضميرا، والاستجابة إلى داعي الحيوانية
، وتلبية كل ما تدعو إليه شهواته، ونبذ كل التقاليد والتعاليم الاجتماعية، وتحطيم
القيود التي ابتدعتها الأديان". ودخلت فكرة الوجودية إلى العالم الإسلامي،
وزار سارتر كثيرا من دوله، ومعه عشيقته سيمون دي بوفوار المؤمنة بفلسفته[7] .
[1])وصف ابن الأثير حالة الناس في بخارى يوم سقوط المدينة سنة
616هـ ومن وصفه:" كان يوما عظيما من كثرة البكاء من الرجال والنساء والولدان،
وتفرقوا أيدي سبأ، وتمزقوا كل ممزق، واقتسموا النساء أيضا، وأصبحت بخارى خاوية على
عروشها، كأن لم تغن بالأمس، وارتكبوا من النساء العظيم والناس ينظرون، ويبكون، ولا
يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم شيئا مما نزل بهم، فمنهم من لم يرض بذلك، واختار
الموت على ذلك، فقاتل حتى قتل. ومن استسلم أخذ أسيرا، وألقوا النار على البلد،
والمدارس، والمساجد، وعذبوا الناس بأنواع العذاب من طلب المال".( ابن الأثير.
الكامل في التاريخ ج9/332). وحدث أن أحد السكان فر ناجيا بجلده إلى خراسان فسئل
عما فعله المغول بمدينته فقال كلمات موجزة بالفارسية:" لقد أتوا فخربوا،
وأحرقوا، وقتلوا، ونهبوا، ثم ذهبوا". الصياد. المغول في التاريخ ج1 ص118عن
الجويني ج 1 ص83 .
[2])ووصف ابن الأثير أيضا ما أحدثه التتار في مدينة سمرقند
سنة617هـ/1220م حاضرة بلاد ما وراء النهر وأعظم المدن التجارية آنذاك بعد أن
استولوا على قلعة المدينة وجمعوا الأسلحة: "فلما كان اليوم الرابع نادوا في
البلد أن يخرج جميعهم ومن تأخر قتلوه ، فخرج جميع الرجال والنساء والصبيان ففعلوا
مع أهل سمرقند مثل فعلهم مع أهل بخارى من القتل والنهب والسبي والفساد، ودخلوا
البلد فنهبوا ما فيه وأحرقوا الجامع وافتضوا الأبكار وعذبوا الناس بأنواع العذاب
في طلب المال وقتلوا من لم يصلح للسبي. ( الكامل في التاريخ ج 9/333)
[3])ومن هذه الخرافات أنهم كانوا يعتقدون أن الماء يغلي عند خط
الاستواء، وأن الأرض مسطحة فإذا وصل الإنسان حدها يهوي في ظلام دامس، وأن المحيط
الأطلسي– البحر المظلم– هو نهاية الأرض. وما بعد ظلام. فعرفوا باتصالهم بالمسلمين
عكس ذلك. فوجد عندهم حب الاستطلاع مع ما تعلموه من الآلات.
[4])اهتم المسلمون بالجغرافيا وعلوم الملاحة لحاجتهم إليها لدينهم.
فتحديد القبلة للصلاة، وبيت الله الحرام للحج، ومعرفة الأقاليم لتبليغ الدعوة
ونشرها. وقد حث القرآن الكريم على طلب العلم، والارتحال في سبيله، والتبصر في آيات
الله في الآفاق. فظهرت مؤلفات جغرافية تناولت: الجغرافية الكونية، والطبيعية
والبشرية، والسكانية، والبحار والمحيطات، والمواصلات، والجغرافيا العامة،
والرحلات، والمدن، والأمصار، والجغرافيا الفلكية. وظهر علماء في الجغرافيا
كالبلخي، والبكري، والهمذاني، واليعقوبي، والمسعودي، والقزويني، وابن حوقل،
والادريسي، والمقدسي، والبيروني، وابن جبير، وابن بطوطة وغيرهم.
[5])تقول الموسوعة ( دائرة المعارف البريطانية: "إن الصهيونية
حركة يهودية قومية، هدفها خلق دولة قومية لليهود في فلسطين، إذ يعتبرون هذه البلاد
وطنهم الأصلي ويسمونها أرض إسرائيل" خيري حماد ص8.
[6])تمكن اليهود من استصدار قانون بفرنسا سنة 1881 م إلى عدم
التشهير بأي شخص بسبب انتمائه إلى عرق معين أو أمة ما أو جنس أو دين ولذلك من
السهل اتهام من يكشف حقائق الصهيونية باللاسامية ويتعرض للمحاكمة القضائية / انظر
جارودي . الصهيونية . ص 5 – 6 .
[7]) وسيمون هذه لا توارب ولا تلف في ذكر أفكارها فهي ترى أن
الزواج الذي قررته الأديان شيء سخيف، وإن من حق المرأة أن تعاشر من تحب وإذا كانت
متزوجة فلا يسوغ إكراهها على الرضا بشخص واحد / وقد نشرت مجلة الهلال في 1 / 1 /
1966 م مقالا ضد الزواج طافحا بأوسخ الأفكار/ وهو عدد ممتاز من مجلة الهلال يتضمن
( موسوعة الجيب الاشتراكية ، من الاشتراكية الخيالية إلى الواقع المعاصر ، وفيه
عرض أفكار سيمون هذه . واستقدم سارتر وعشيقته إلى القاهرة ليتحدثا إلى المثقفين في
الجمهورية العربية المتحدة وعرضت لهما الدعاية في الأهرام وأسرة تحريرها : حسنين
هيكل ولطفي الخولي ولويس عوض . وعقدت الندوات والمحاضرات ألقيت وتحدث الراديو
والتليفزيون ينشر المشاهد والمحاورات وفي جامعة القاهرة . . . انظر . محمد الغزالي
. الإسلام في وجه الزحف الأحمر ص 36 – 37 .